صلاة التروايح وقيام الليل في شهر رمضان

شهر رمضان شهر قيام

رمضان مبارك

حين يأتي شهر رمضان، فإن أول ما يستعد له هو المسجد، فالمسجد يضج بالمصلين في شهر رمضان، لاسيما في الأيام الأوائل من شهر رمضان، ويجتمع الناس على أوجها في صلاة التراويح، أو صلاة القيام، لما فيها من الفضل العظيم، والخير الكثير.

صلاة التراويح فيها مغفرة للذنوب، فالناس لا ينفكون يصلون صلاة التراويح، مقبلين على الله بكل قلوبهم، وأقول بقلوبهم لأنها صلاة نافلة، لكنها مستحبة، ومن يسعى إليها فإنما يسعى حبًا في الطاعة، والتوجه إلى الله بالتبتل والدعاء، ومعرفة بفضلها العظيم في الإعانة على مغفرة الذنوب.

فالمسلم قبل صلاة العشاء بقليل يهرع إلى المسجد، مؤديًا فريضة العشاء، ومستعدًا لصلاة التراويح، يؤديها ويتبتل فيها إلى الله “سبحانه وتعالى” مقرًا بذنبه، طالبًا العفو والمغفرة من الله “سبحانه وتعالى”، وعند الدعاء بعد الركوع في صلاة الوتر، يتنهمر الدموع من أعين المسلمين، خشوعًا لله، وخضوعًا له، وإقرارًا بمقدرته “سبحانه وتعالى” في مغفرة الذنوب، وأن الرحمة من عنده وليس من عند غيره، فيرزقهم الله جزاء إيمانهم، رزقًا في المال، والأولاد، والأعمال، ويعينهم على العمل الصالح الذي يدفعهم إلى جنة الله “سبحانه وتعالى” عند السؤال عن سبب تسمية صلاة التراويح بهذا الاسم، فأقول أن صلاة التراويح سميت بهذا الاسم لأنها تعني (الراحة لمرة واحدة)، فيقال في اللغة: روحت بالقوم ترويحًا، أي صليت بهم صلاة التراويح. وكانت السنة في صلاة التراويح أن يصلي القوم أربع ركعات ثم يسلمون ويستريحون قليلًا، ثم يصلون أربع ركعات أخرى، ثم يسلمون ويستريحون قليلًا، وفي هذه الراحة كان يلقي عليهم أحد الوعاظ خطبة، يحثهم فيها على عمل نافع في شهر رمضان، أو يخبرهم قصة عن الرسول “صلى الله عليه وسلم” قاصدًا فيها العبرة الحسنة، أو غيرها مما قد يقال في هذه الراحة القصيرة، لذلك اصطلح صلاة التراويح على صلاة القيام في شهر رمضان المبارك.

ما رأيك بقراءة: شهر رمضان جابر للخواطر

وصلاة التروايح سنة مؤكدة عن الرسول “صلى الله عليه وسلم”، وهي غير مفروضة، بل تعمد النبي “صلى الله عليه وسلم” أن يصليها في بيته، بعدما كان يصليها في جماعة في المسجد، خشية أن تفرض على الناس، وذلك لا يقلل أبدًا من فضلها، ففضل قيام الليل عظيم في مغفرة الذنوب، وتطهير القلوب، والتقرب إلى الله بالطاعة والعبادة، ولفضلها العظيم، دعى سيدنا عمر بن الخطاب “رضي الله عنه” المسلمين لصلاة التراويح في جماعة بعد وفاة الرسول “صلى الله عليه وسلم” وصارت من بعدها سنة مؤكدة مستحبة، يهرع إليها الناس ناشدين مرضاة الله، ونيل بها الخير العظيم، والرزق الوافر.

قالت أم المؤمنين، السيدة عائشة “رضي الله عنها” (أنَّ رسولَ اللِه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم خرج ذاتَ ليلةٍ مِن جوفِ الليلِ، فصلى في المسجد، فصلى رجالٌ بِصلاته، فأصبح الناسُ فتحدَّثوا، فاجتمع أكثرٌ منهم فصلَّوْا معه، فأصبح الناسُ فتحدَّثوا، فكَثُرَ أهلُ المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فصلَّوْا بصلاته، فلما كانتِ الليلةُ الرابعةُ، عجَز المسجدُ عن أهله، حتى خرج لصلاةِ الصبحِ، فلما قَضى الفجرَ أقبل على الناسِ فتشهَّدَ، ثم قال: أما بعدُ، فإنه لم يَخْفَ عليَّ مكانُكُم، لكِني خشِيتُ أن تُفْرضَ عليكم، فتَعجِزُوا عنها). ولا أدلكم على خير من نقتدي به بعد الرسول “صلى الله عليه وسلم”

فضل صلاة التراويح

إن المسلم يصيبه في أيامه الكثير من الآثام التي تغلف قلبه، فانشغاله بالدنيا، والتطلع إليها، والطمع فيها، يولد داخله ثقوبًا سوداء كثيرة يجعله كئيبًا لا تلامس قلبه السعادة، ولا تخلو حياته من ظلم، سواء ظلم نفسه، أو أحد غيره من أقرباؤه.

فبمجرد أن يأتي شهر رمضان، لا يفتأ يتطلع إلى أن يغفر الله ذنوبه التي غاص فيها في الأيام الأخرى من العام، وصلاة التراويح خير معين على مغفرة الذنوب، والتقرب إلى الله بالطاعة، والتبتل إليه حتى يرزقه الرضا، والسكينة، والعفو، وهدوء البال والقلب.

قال رسول الله “صلى الله عليه وسلم” (من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه). والرسول “صلى الله عليه وسلم” خير من نقتدي به، ونقتبس من أعماله، ونزين بها حياتنا وروحنا.

ذلك فضل قيام الليل العظيم، مغفرة الذنوب، واستجابة الدعاء في الصلاة، لأن الدعاء في صلاة القيام يكون نابع من حاجة المسلم إليه، والمسلم حين يطمع لن يطمع في الدنيا بقدر طمعه في مغفرة الله “سبحانه وتعالى”، فحين يقبل على الصلاة، ويمتلئ قلبه بالقرآن الذي يتلوه الإمام بصوت عذب، يشعر أن الدنيا لا تساوي شيئًا، ويتقرب إلى الله في ركوعه وسجوده بالدعاء الخالص لوجهه، ويهدئ روحه، ويهب السكينة قلبه بالدعاء إلى الله دون أن ينازعه في الدعاء إلى الله شيء، إنما ينشد المغفرة الخالصة من الله، وينال بقيامه مغفرة ما تقدم من ذنبه.

قيام الليل

قيام الليل، لا يخلو من الصلاة، وقراءة القرآن، والذكر الكثير، ومجلس العلم الذي يلقيه الواعظ على المصلين في فترات الاستراحة، كل ذلك له فضل عظيم، وينظر الله به إلى العبد، فيغبطه، ويرزقه السلام والطمأنينة النفسية، والسكينة، فإذا التزم المسلم بصلاة القيام في شهر رمضان، خرج من الشهر هادئ البال، لا تشغله الدنيا بقدر ما تشغله الآخرة، وخشيته من إغضاب الله، فيزعزع مغفرة ذنوبه الذي عمل من أجلها كثيرًا طوال الشهر، لا سيما في قيام الليل.

والفضيلة الأخرى لصلاة القيام، بجانب مغفرة الذنوب والخطايا، هي أنها تعادل صلاة قيام الليل في أجرها، فمن صلى التراويح خلف الإمام فكأنه صلى قيام الليل كاملًا، عن أبي ذرٍّ قالَ: (قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ لو نفَّلتَنا قيامَ هذِهِ اللَّيلة. فقالَ: إنَّ الرَّجلَ إذا صلَّى معَ الإمامِ حتَّى ينصرِفَ حُسِبَ لَهُ قيامُ ليلةٍ). وينال بذلك ثواب قيام الليل، وثواب قيام الليل عظيم، فهو يثبت الإيمان، ويعين على الأعمال الصالحة، ويقي المسلم الشرور: شرور نفسه، وشرور الدنيا، ويكتب له من الحسنات ما يؤهله لدخول الجنة، وقد خص الله “سبحانه وتعالى” أهل قيام الليل بالمدح في القرآن الكريم. قال “تعالى” (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا . . . إلى أن قال : أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا).

وقال “صلى الله عليه وسلم” (عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ ، فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ ، وَمَنْهَاةٌ لِلإِثْمِ). وذلك دليل من القرآن والسنة على فضل قيام الليل، فاسعوا إليها، ولا تتوانوا عنها، فإن أجرها عظيم، ومنافعها وافرة، فاغتنموها.

وفي السؤال عن كيفية صلاة التراويح، أجيب بما كان يفعله الرسول “صلى الله عليه وسلم” وهو خير من نقتدي به، وكان الرسول “صلى الله عليه وسلم” يصليها إحدى عشر ركعة، أربع ركعات، وأربع ركعات، ثم ثلاث ركعات، فلم يزد عليها حتى فارق الدنيا “صلى الله عليه وسلم”.

سئلت السيدة عائشة “رضي الله عنها” عن صلاة الرسول “صلى الله عليه وسلم” في قيام الليل، فقالت: (ما كان رسول الله يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة ، يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي أربعاُ فلا تسل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي ثلاثاً).

أضف تعليق

error: