خطبة: يوم الحج الأكبر – مُعدَّة، مكتوبة كاملة

الإخوة الخطباء في كل الأقطار الإسلامية؛ نسوق لكم هاهُنا خطبة بعنوان: يوم الحج الأكبر. الخطبة مُعدَّة بعناية من كبار الأئمة والعلماء في المملكة الأردنية الهاشميَّة؛ وهي الآن بين يديكم مكتوبة كاملة.

الخطبة الأولى

الحمد لله..

يتنسم المسلمون في هذا اليوم العظيم المبارك نفحة من نفحات رحمة الله ﷻ، ويتفيؤون ظلال يوم عظيم، بل هو خير أيام الدنيا، ألا وهو يوم عرفة الذي يأتي تتويجاً لموسم مبارك هو الأيام العشر الأول من ذي الحجّة، فهو يوم الحج الأكبر، وأعظم أركان هذه العبادة العظيمة وذروة سنامها، وقد قال نبينا ﷺ «الحج عرفة، فمن أدرك ليلة عرفة قبل طلوع الفجر من ليلة جمع، فقد تم حجه» ~ سنن الترمذي.

ومن كرِم الله ﷻ وفضله على المؤمنين هذا العام، أن يوم عرفة يتزامن مع يوم الجمعة، ليجتمع بذلك الفضل للحجيج على جبل عرفات، ولعموم المؤمنين في كل مكان، بخير الأيام عند الله ﷻ، فاجتمع بذلك يومين عظيمين أقسم الله ﷻ بهما في قوله سبحانه: (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) البروج: ٣، قال أبو هريرة رضي الله عنه: “الشاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة”، فكان لهذا اليوم مزيد فضل ومزية تدفع المؤمن لمزيدٍ من الاجتهاد في العبادات والطاعات.

قال الإمام الغزالي: “قال بعض السلف: إذا وافق يوم عرفة يوم جمعة غفر لكل أهل عرفة، وهو أفضل يوم في الدنيا، وفيه حج رسول الله ﷺ حجة الوداع، وكان واقفا إذ نزل قوله ﷻ ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ المائدة: ٣، قال أهل الكتاب لو أنزلت هذه الآية علينا لجعلناها يوم عيد فقال عمر رضي الله عنه أشهد لقد نزلت هذه الآية في يوم عيدين اثنين يوم عرفة ويوم جمعة على رسول الله ﷺ وهو واقف بعرفة”، فإكمال الدين يكون بأداء ركن عظيم من أركان الإسلام، وأما إتمام النعمة فيحصل بالمغفرة لأهل ذلك الموقف العظيم.

ويوم عرفة هو اليوم الذي يُعتق الله ﷻ فيه الحجاج من النار ويُباهي بهم الملائكة، يقول ﷺ: “مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟” صحيح مسلم.

ولأجل هذه النعم والفضائل العظيمة، أمرنا النبي ﷺ أن نتقرب إلى الله ﷻ بألوان العبادات، وأنواع القربات، ومن أفضلها صيام هذا اليوم لغير الحاج، فإن فضل صيام يوم عرفة يكفّر الله ﷻ به ذنوب سنتين، يقول ﷺ: “صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ” رواه مسلم، ويجوز إفراد هذا اليوم بالصيام وإن وافق يوم الجُمعة، ذلك أنه صوم بسببٍ خاصّ وهو يوم عرفة، وليس لأنه يوم الجمعة.

عباد الله: إن يوم عرفة يعكس مظهراً فريداً من مظاهر الوحدة الإسلامية التي حث عليها الإسلام ودعا لها، بل أن الإسلام قد جاء لتحقيق معاني هذه الوحدة فقال الله ﷻ: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) آل عمران: ١٠٣.

وتتجلى أسمى مظاهر هذه الوحدة في هذا الاجتماع المهيب لجميع المسلمين من كافة أقطار الدنيا، معلنين العبودية لله ﷻ وحده، مجتمعين لغاية واحدة وهي رضى الله ﷻ، فلا غني ولا فقير، ولا أبيض ولا أسود، جميعهم أمام الله ﷻ سواسية كأسنان المشط، وتجسيداً لهذا المعنى العظيم خطب ﷺ خطبة الوداع التي لخص فيها مجموعة من مبادئ الدين الإسلامي ومقاصده الأساسية، فخاطب الصحابة، والأجيال التي ستأتي بعدهم من التابعين، والبشرية جميعها في أنحاء العالم ومن أعظم ما وصّى به النبي ﷺ أمته في هذا اليوم: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا»، فأعادها مرارا، ثم رفع رأسه فقال: “اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت» صحيح مسلم.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: فوالذي نفسي بيده، إنها لوصيته إلى أمته، فليبلغ الشاهد الغائب.

هنا أيضًا: خطبة عن الأضحية.. أحكامها وفضلها

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢].

عباد الله: إن يوم عرفة يوم يرجى فيه إجابة الدعاء، يقول النبي ﷺ: “خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”؛ رواه الترمذي، فعلى المسلم أن يتفرغ للذكر والدعاء والاستغفار في هذا اليوم العظيم، خاصة وأننا في يوم الجمعة الذي قال فيه النبي ﷺ: «خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة…، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله حاجة، إلا أعطاه إياها»، قال كعب: ذلك في كل سنة يوم، فقلت: «بل في كل جمعة»، فقال عبد الله بن سلام: هي آخر ساعة من يوم الجمعة” سنن أبي داود.

ويستحب كذلك طلب الدعاء من الحاج في يوم عرفة لأنه مظنّة الإجابة من الله ﷻ، وقد رُوي عن النبي ﷺ أنه قال: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ، وَلِمَنِ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ» المستدرك على الصحيحين.

ومما ينبغي الحرص عليه في هذه الأيام المباركة استحضار نية ذبح الأضحية في يوم العيد لما في ذلك من الأجر العظيم عند الله ﷻ، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبيّ ﷺ قال: «ما عمل آدميّ من عمل يوم النحر أحبّ إلى الله من إهراق الدم، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظافرها، وإنّ الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض، فطيبوا بها نفساً» رواه الترمذي، وينبغي للمسلم أن يراعي اختيار أحسنها لأنه هدي لله ﷻ، فلا تجزئ المريضة ولا العرجاء ولا العجفاء ولا المعيبة بأي عيب ينقص من لحمها لأنها تقدم هدياً لله ﷻ، والله ﷻ لا يقبل إلا طيباً.

ولا تنسوا أن تذكروا الله ﷻ كما ذكَرهُ سيدنا يونس عليه السلام حيث قال: “لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” (الأنبياء،٢١:٨٧) ٤٠ مرة كل يوم إن كنتم مرضى، يَغفر الله لكم ذُنوبكم أو تدخلوا الجنة. (رواه الحاكم). وَقُولوا «سبحان الله وبحمده» ١٠٠ مرة كل يوم تُحط عنكم خطاياكم ولو كانت مثل زَبَد البحر. (رواه البخاري).

سائلين الله ﷻ أن يحفظ ولي أمرنا، وأن يوفقهما لما فيه خير البلاد والعباد، إنه قريب مجيب.

والحمد لله رب العالمين..

ولا يفوتكم الاطلاع على: خطبة عيد الأضحى مكتوبة ومشكولة

رأيان حول “خطبة: يوم الحج الأكبر – مُعدَّة، مكتوبة كاملة”

  1. ماشاء الله عليكم أسال الله ان يكتب لكم الأجر العظيم والثواب الجزيل لما افدتمونا من معلومات قيمه واحاديث باسناد صحيح جزاكم ربي كل خير وكل عام وانتم بالف الف الف الف الف الف خير وتقبل الله الطاعات

    رد

أضف تعليق

error: