خطبة ﴿ورفعنا لك ذكرك﴾ مكتوبة كاملة ومُنقَّحة

أليوم نأتيكم ومعنا خطبة جمعة رائِعة، تحمل عنوان: ورفعنا لك ذكرك. وهو قول ربنا ﷻ في سورة الشرح، في شأن نبينا محمد ﷺ. فأعيرونا القلوب والعقول حتى تنالوا كل خير وتسوقوه للناس من هذه الخطبة المبارَكة.

مقدمة الخطبة

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونستنصره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آله وصحابته والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله ﷻ ولزوم طاعته: لقوله ﷻ ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما﴾. 

الخطبة الأولى

لقد رفع الله ﷻ مكانة سيدنا محمد ﷺ فهو أعظم مخلوق في الوجود اقترن اسمه بالخالق ﷻ في الشهادتين العظيمتين:  أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهدُ أنَّ محمدًا رسول الله، شهادةً لله ﷻ بالوحدانية ولرسول الله ﷺ بالرسالة.

ولذلك كان من رحمة الله ﷻ بالخلق أن أرسل رسوله الأمين، الهادي البشير شاهداً ومبشراً ونذيراً، أرسله بالدعوة السمحة التي تجعل القلوب مطمئنة طاعة لعلام الغيوب، قال ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾.

عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله ﷺ المدينة، أضاء منها كل شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء، وما نفضنا عن رسول الله – ﷺ – الأيدي -وإنا لفي دفنه- حتى أنكرنا قلوبنا” ~ مسند الإمام أحمد.

إن قلوب الصحابة رضي الله عنه قد تعلقت به ﷺ، اقتدوا به في أقوالهم وأفعالهم وجميع أحوالهم، ولذلك جاءت كلمة انس رضي الله عنه (حتى أنكرنا قلوبنا).

ومما لا ريب فيه أنه لم يصل أحد من الخلق من آدم عليه الصلاة والسلام أبي البشر حتى قيام الساعة إلى درجة سيدنا محمد ﷺ؛ فهي درجة خاصة به لا يشاركه فيها غيره كما في قوله ﷻ: (ورفعنا لك ذكرك)، ودلّ تقديم (لك) على أن هذا الفضل له وحده ﷺ لا يشاركه فيه أحدٌ أبداً.

وقد رفع الله ﷻ ذِكره في كل أذان وصلاة، وقد قال الله ﷻ في سورة الشرح ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾. بل وفي كل لحظة من لحظات الزمن، ولمحة من لمحات البصر.

والحق أن نصرة النبي ﷺ تكون بإظهار محبته، والفخر بسيرته، والإكثار من ذكره والصلاة والسلام عليه، ويكون كذلك بتعظيم سنته والاستجابة لأوامره ونواهيه، وبذل الجهود على جميع المستويات لتعريف الناس بسيرته وأخلاقه العالية.

إن الله ﷻ قد رحم العالمين بإرساله سيد المرسلين، قال ﷻ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾. فرسالته ﷺ هي الرسالة الخاتمة التي جمعت الخير بمعاقده، والحق والسلام، والعدل والتوازن في كل مناحي الحياة.

ومن اليقين أن سيدنا رسول الله ﷺ مؤيد بالمعجزات، انتصر في كل المناسبات، وسيظل منتصراً  في كل حال، لأنه الرحمة المهداة لكل شيء في الوجود.

إن الألسن لتلهج بالصلاة والسلام عليه ﷺ ليلاً ونهاراً، كيف لا، وقد زكّاه ربه ﷻ في كتابه المبين بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. فمكانته ﷺ محفوظة وستظل كذلك ما دام الليل والنهار.

إن واجبنا اليوم  في نصرة نبينا ﷺ يتمثل في إظهار محبة النبي ﷺ، والفخر بسنته، وتعليمها لأبنائنا وبناتنا، وأن نكثر من الصلاة والسلام عليه ﷺ لنتقرب بذلك إلى الله ﷻ، فالمكثرون من الصلاة عليه ﷺ هم الفائزون، ومن لم يصّلِ عليه إذا ذكر فهو من البخلاء، فنكثر من ذكره ﷺ، قال ﷻ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

وقال رسولُ الله ﷺ: «البخيل مَن ذُكرتُ عنده فلم يُصلِّ عليَّ» ~ اخرجه الترمذي.

وقد صعِد النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المنبرَ، فقال:«آمين، آمين، آمين، فلمَّا نزل سُئل عن ذلك، فقال: أتاني جبريلُ، فقال من حديثه:  رغِم أنفُ امرئٍ ذُكِرتُ عنده فلم يُصلِّ عليك، قُلْ: آمين».

وها هم صحابة النبي ﷺ يحرصون على إظهار مكانته ﷺ، ففي يوم صلح الحديبية جاءه عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ جَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ ﷺ، فَكُلَّمَا تَكَلَّمَ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ، وَالمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ ﷺ، وَمَعَهُ السَّيْفُ وَعَلَيْهِ المِغْفَرُ، فَكُلَّمَا أَهْوَى عُرْوَةُ بِيَدِهِ إِلَى لِحْيَةِ النَّبِيِّ ﷺ ضَرَبَ يَدَهُ بِنَعْلِ السَّيْفِ، وَقَالَ لَهُ: أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ لِحْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ ﷺ بِعَيْنَيْهِ،..، فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ، وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى المُلُوكِ، وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ، وَكِسْرَى، وَالنَّجَاشِيِّ، وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ﷺ مُحَمَّدًا. ~ صحيح البخاري.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

ولا يفوتكم أئمتنا الأكارم: خطبة عن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم «إلا رسول الله»

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.

عباد الله؛ إننا محبون للنبي ﷺ، ومن دلائل محبته أن نصبح مقتدين به في كل أحوالنا؛ فالمطلوب من الجميع اليوم بذل الجهود على جميع المستويات لتعريف الناس بسيرته العطرة، وأخلاقه العالية، ورحمته السابغة التي عمّت الدنيا، ليشرق نوره ﷺ على العالمين.

إن الذين أساءوا إلى سيدنا رسول الله  ﷺ لم يعرفوه حق المعرفة، ولو عرفوا حياته الكريمة، وصفاته الحميدة لوجدوا فيها الأنموذج الحسن في القدوة والأسوة، مما يجعلهم يقفون إجلالاً واحتراماً لهذا النبي العظيم ﷺ.

ولنكثر من دعاء وذكر سيدنا يونس عليه السلام: (لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين) أربعين مرة في اليوم، فإن من دعا به استجاب الله ﷻ له وفرج كربه وأزال همه، ولنواظب على ذكر(سبحان الله وبحمده) في اليوم  مائة مرة؛ لأن النبي ﷺ أخبر أن من فعل ذلك حطت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر.

سائلين الله ﷻ أن يحفظ بلادنا وجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين، إنه سميع مُجيب.

والحمد لله ربّ العالمين..

أضف تعليق

error: