خطبة في فضائل أهل عُمان

خطبة في فضائل أهل عُمان

نعم؛ نحن نقصِد سلطنة عُمان؛ وهنا سيكون موضوع الخطبة في فضائل أهل عُمان في ظِل ما ورد عن النبي المختار -عليه أَفضل الصلواتِ وأَكمل التحيات-.

مقدمة الخطبة

الحمد لله رب العالمين عظيم الإنعام، واسع العطاء والإكرام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مجيب الدعاء ومبلغ المرام، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، الداعي إلى دار السلام ﷺ، وعلى آله وصحبه وأتباعه البررة الكرام.

أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله- تنالوا الخيرات، وتتنزل عليكم البركات، وتحفكم الرحمات؛ يقول الحق تبارك وتعالى في سورة الحديد {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.

الخطبة الأولى

أيها المؤمنون: لقد نال هذا الوطن العزيز شرف ثناء النبي الكريم ﷺ على أهله؛ فقال فيهم قولته التي خلدها الدهر، وسجلها التاريخ: «لو أن أهل عُمان أتيت ما سبوك وما ضربوك»، وقد يسأل سائل فيقول: لم ذكر النبي ﷺ السب والضرب؟

إن السب والضرب نتيجة لكل خلق سيئ يتمادى فيه الإنسان: فالكلمة السيئة تؤدي إلى الخلاف الذي قد يؤدي إلى سب، والسب قد يؤدي إلى الضرب أحيانا، والفعل السيئ يؤدي إلى التساب في كثير من الأحيان، وقد يكون ذلك طريقا إلى الضرب والإيذاء؛ فكان في قوله ﷺ: «لو أن أهل عُمان أتيت ما سبوك وما ضربوك»، إشارة إلى بعد أهل عُمان عن كل خلق سيئ يكون طريقا إلى سب وضرب، ودلالة على تخلقهم بالخلق الحسن الذي يكون طريقا إلى التعاون واجتماع الشمل.

وقد أجرى النبي ﷺ هذا القول الجليل مجرى المثل، في إشارة إلى أن أهل هذا البلد قد بلغوا من الخلق مبلغا يضرب به المثل؛ حتى صاروا معروفين بذلك عند القريب والبعيد، وأن الخلق الحسن صار سجية فيهم، وطبيعة طبعت في نفوسهم، وفطرة فطروا عليها؛ ولذلك كانوا مستعدين تمام الاستعداد للدخول في دين الله طواعية، “ولم يطأ رسول الله ساحتهم بخف ولا حافر، ولم يجشموه ما جشمه غيرهم من العرب، ولم يرموا بفرقة ولا تشتت شمل”.

فأهل عُمان – عباد الله- من حيث العموم تطهرت قلوبهم من تلك الأخلاق الشائنة، التي حذر منها القرآن المجيد في سورة الحجرات، فوجه تلك النداءات العظيمة إلى الذين آمنوا في مشارق الأرض ومغاربها، في كل زمان ومكان.

وفي الآيات من سورة الحجرات نقرأ قول الملك العلام -سبحانه وتعالى- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ | يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ | يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.

ومن اجتنب هذه الأخلاق السيئة التي حذر منها القرآن العزيز، كان بعيدا عن السباب والضرب، متجافيا عن السعي إلى التفريق بين الناس وتشتيت الشمل.

يا أيها الذين آمنوا: لقد أدرك الخليفة الراشد أبو بكر الصديق – رضي الله عنه -، أن قول النبي ﷺ في أهل عُمان شرف وأي شرف، واختصاص وأي اختصاص، وقد يكون ذلك القول الخالد من القول النبوي الذي لم يكن لأمة من الأمم، فقد أثنى ﷺ على أفراد، ووصف أحيانا قبيلة بوصف ما، ولكن لم يكن منه ذكر لأمة بأكملها على هذه الصفة، ولا لشعب بأسره على هذه الطريقة.

ولذلك؛ ذكر أبو بكر الصديق ذلك الشرف للعُمانيين بحضور طائفة من الصحابة الكرام، وجماعة من وجوه العُمانيين وكبرائهم؛ فقال في خطبته المشهورة: “فأي فضل أبر من فضلكم، وأي فعل أشرف من فعلكم، كفاكم قول رسول الله ﷺ شرفا إلى يوم الميعاد”، وليس بعد حسن الخلق من حسن؛ فقد «ذهب حسن الخلق بخيري الدنيا والآخرة».

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا رسول الله إمام الأنبياء والمرسلين ﷺ، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا أن أسلافكم استحقوا الوسام النبوي بحسن أخلاقهم، وجميل أقوالهم وأفعالهم، ونجد هذا الشأن ظاهرا في خطبة أبي بكر الصديق في أهل عُمان، فقد قال فيهم: “وأظهرتم ما يضاعف فضلكم، وقمتم مقاما حمدناكم فيه، ومحضتم بالنصيحة، وشاركتم بالنفس والمال، فيثبت الله ألسنتكم، ويهدي به قلوبكم، فكونوا عند حسن ظني فيكم”.

فكان لزاما على الخلف أن يحافظوا على منجزات السلف، ويسلكوا مسلكهم، ويسيروا في طريقهم، ليحافظوا على ذلك الوسام النبوي الخالد، وليدرك أبناء هذا الوطن، أن ثناء النبي ﷺ عليهم يتضمن تحميلهم رسالة عظيمة، وهي رسالة الأخلاق والدعوة إلى جمع الشمل، كما كان أسلافنا على ما وصفهم به أبو بكر الصديق بقوله: “ولم ترموا بفرقة ولا تشتت شمل”.

ومتى ما طهرنا السريرة، ولزمنا تلك السيرة، كنا أمة خير، مستجيبة لنداء الله تبارك وتعالى -في سورة آل عمران- {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

هذا، وصلوا وسلموا على رسول الله الأمين، فقد أمركم بذلك حين قال -في سورة الأحزاب- {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

الدعاء

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما.

اللهم أعز الإسلام واهد المسلمين إلى الحق، واجمع كلمتهم على الخير، واكسر شوكة الظالمين، واكتب السلام والأمن لعبادك أجمعين.

اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت سبحانك بك نستجير، وبرحمتك نستغيث ألا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أدنى من ذلك، وأصلح لنا شأننا كله يا مصلح شأن الصالحين.

اللهم ربنا احفظ أوطاننا وأعز ولاة أمورنا وأيدهم بالحق وأيد بهم الحق يا رب العالمين، اللهم أسبغ عليهم نعمتك، وأيدهم بنور حكمتك، وسددهم بتوفيقك، واحفظهم بعين رعايتك.

اللهم أنزل علينا من بركات السماء وأخرج لنا من خيرات الأرض، وبارك لنا في ثمارنا وزروعنا وكل أرزاقنا يا ذا الجلال والإكرام.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

اللهم اغفر لكل من آمن بك، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعاء.

أضف تعليق

error: