خطبة عن تقوى الله – قصيرة & مكتوبة

خطبة عن تقوى الله ، التقوى ، خطب قصيرة

مقدمة الخطبة

الحمد لله رب العالمين، ساوى بين العباد بمنته وفضله، وجعل التقوى ميزانا يتفاضلون به بحكمته وعدله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل في كتابه: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، أزكى الناس سيرة، وأتقاهم علانية وسريرة، وعلى آله وصحبه الغر الميامين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

الخطبة الأولى

أما بعد، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾، واعلموا –أيها الناس– أن الإسلام جاء والبشر أجناس متفرقون، كل مجتمع منهم يقوم على طبقات مختلفة، متفاوتة في الحقوق والمزايا، والمنح والعطايا، يطغى القوي منهم على الضعيف فيهدر كرامته، ويتسلط الغني منهم على الفقير فيأكل ماله، يتفاخرون فيما بينهم بالأنساب والألوان، واللغات والأوطان، فدعاهم الإسلام إلى الوحدة الإنسانية الجامعة وفرضها عليهم، ونهاهم عن التفرق والتعادي وحرمه عليهم، يقول الله عز وجل: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾.

والتقوى هي محل المفاضلة بين البشر، وهي ميدان المنافسة الخيرة بين الخلق عند الله تعالى، وقد نبه على ذلك المولى عز وجل في كتابه العزيز، ليكون دستورا تقوم عليه المجتمعات، وتنتظم بينهم على وفقه العلاقات، فقال سبحانه مخاطبا الناس جميعا: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.

وفي حجة الوداع، أمام تلك الحشود الغفيرة يوم الحج الأكبر، حيث اجتمع الناس في ذلك المكان الطاهر، على اختلاف أجناسهم وألوانهم، قام رسول الله فيهم خطيبا وقال: «يا أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا‌ فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ألا هل بلغت؟»، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «فليبلغ الشاهد الغائب».

وجاء أيضا أن رسول الله قال في موقف آخر: «ألا وإن الله تعالى قد أذهب نخوة الجاهلية وتكبرها بالآباء، كلكم لآدم وآدم من تراب، ليس إلا مؤمن تقي، أو فاجر شقي، وأكرمكم عند الله أتقاكم».

أيها المؤمنون: إن تقوى الله عز وجل هي المعيار الذي يرفع أقدار الناس، بها يتفاضلون، وبسببها يتمايزون، وعلى أبوابها يتنافسون، وإذا لم يكن للإنسان من التقوى نصيب، فلا وزن للأموال التي يكنزها مهما كثرت، ولا قيمة للمناصب التي يرأسها مهما عظمت، «مر رجل على رسول الله فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يستمع، قال: ثم سكت، فمر رجل من فقراء المسلمين، فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حري إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال أن لا يستمع، فقال رسول الله: هذا ‌خير ‌من ‌ملء الأرض مثل هذا».

وكم من إشارة في كتاب الله وسنة رسوله تدل على المقام العالي الذي يناله المتقون والكرامة التي يستحقونها ﴿مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ﴾.

وفي الحديث عن أبي هريرة، أن رسول الله ، قال: «‌رب ‌أشعث مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره»، فالتقوى هي أساس التفاضل عند الله، وليس العلم أو المال أو الحسب أو المنصب، فإن اقترن واحد من هذه بالتقوى كان خيرا عظيما، وإن عري منها كان فتنة على صاحبه، ولهذا فإن احتقار الآخرين –لقلة ذات أيديهم أو مهنتهم أو عدم حسن صورتهم– أمر مذموم في الشرع؛ لأن المال والجاه والمنصب أمور دنيوية تتقلب وتتبدل، والأيام دول بين الناس، والعاقل من اعتبر بغيره، فكم من فقير اغتنى، وكم من وضيع شرف، يقول الله عز وجل: ﴿فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾.

عباد الله: إن التقوى هي الخير العميم، والشرف العظيم، فهي الخصلة التي تجمع خيري الدنيا والآخرة، وكيف لا تكون كذلك؛ وهي الباعث على كل فضيلة، والعاصم من كل رذيلة؛ ولهذا استحقت التقوى أن تكون وصية الله تعالى للأولين والآخرين، يقول الله عز وجل: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ﴾.

وتأمل يا أخي ما جاء في القرآن الكريم من بيان فضلها، وعظيم شرفها، فكم علق بها من خير، وكم وعد عليها من ثواب، وكم أضاف إليها من سعادة، يقول الله تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾، ويقول: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ﴾، وبالجملة؛ فإن التقوى سبيل لكل عز، ووسيلة لكل خير، بها ينال المسلم أعلى الدرجات، وبالتحلي بها يبلغ أسمى الغايات.

فاتقوا الله – رحمكم الله –، واجعلوا من التقوى زادا لكم ترجون بركته بين العباد، وتجنون خيره يوم المعاد ﴿وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ﴾.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، إمام الأنبياء والمرسلين، وأفضل خلق الله أجمعين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فيا عباد الله: إن التقوى ليست أمرا يدعيه الإنسان، ولا كلاما يتلجلج باللسان، ولكنها تعني استقامة الظاهر والباطن، واستيفاء جميع وظائف الدين، باتباع ما أمر واجتناب ما نهى، وذلك أمر لا يقوم إلا على الإيمان الراسخ، والعمل الصالح، بالمسارعة في الخيرات، واتقاء جميع السيئات، والتخلق بفضائل الأخلاق، وإيتاء كل ذي حق حقه، ألا ترى كيف نبأنا الله تعالى بالخير العظيم للمتقين ثم وصفهم بصفات من اتصف بها نال ذلكم المقام الرفيع.

قال تعالى في سورة آل عمران: ﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾، ثم عدد أوصاف هؤلاء المتقين فقال: ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾.

واسمع ما جاء في آية البر من جميل أوصافهم وعظيم شمائلهم، يقول الله تعالى: ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾، فقوله: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ أي: الموصوفون بتلك الصفات هم المتقون.

لقد حققوا معاني الإيمان في قلوبهم بما أظهروه من عمل صالح، وزينوا أعمالهم الصالحة بما تحلوا به من أخلاق عالية وقيم سامية، فما أزكاها من شمائل، وما أكملها من فضائل، من استوفاها أحرز شرفا كريما، واستحق عند الله أجرا عظيما ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾.

هذا، وصلوا وسلموا على رسول الله الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.

المزيد من خَطَب الجمعة.. المميَّزة

سائلين المولى ﷻ التوفيق والسداد لنا ولكم.

أضف تعليق

error: