خطبة جمعة للتحذير من جماعة التبليغ والدعوة «مكتوبة»

لدينا اليَوم خطبة جمعة قويَّة ومهمة، وهي تأتيكُم بعنوان: التحذير من جماعة التبليغ والدعوة. هذا هو الشغل الشاغِل في المملكة العربيَّة السعودية في هذه الفترة، ولا سيما بجانب التوجيهات المسؤولة في هذا الاتجاه.

نوفِّر لكم اليوم في ملتقى الخطباء والدعاة بموقع المزيد هذه الخطبة، مشكولة الآيات من كتاب الله، ومعها الأحاديث النبويَّة وبيان ما يُثار حول جماعة التبليغ والدعوة هذه، ما لها وما عليها.

مقدمة الخطبة

الحمد لله رب العالمين، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم.

وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد، فأُوصيكم عباد الله بتقوى الله فإنها وصيته للأولين والآخرين. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا | يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.

كما أوصيكم بوصية النبي -صلى الله عليه وسلم- التي أوصى بها بعض أصحابه قال له «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن».

الخطبة الأولى

يا معشر الإخوة؛ {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} فاختلفوا؛ فلما اختلفوا {فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ}.

وكان ما أنزل على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}.

وكان من دعاء إبراهيم -عليه السلام- {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ}.

هكذا، أمة واحدة، أمة مسلمة ليس فيها تفرقٌ ولا تمزُّق.

والأمة في القرآن الكريم لها أربعة معانٍ؛ تأتي الأمة في القرآن بمعنى الجماعة الكثيرة، كهذه، وكقول الله -تعالى- {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ}، وقوله -سبحانه- {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}.

والأمة تأتي في القرآن بمعنى الحين، والمدة من الزمان؛ ومن ذلك قول الله -تعالى- في سورة يوسف {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ}، أي تذكر بعد مدةٍ من الزمان.

والمعنى الثالث، الرجل الجامع لصفات الخير، ومن ذلك قول الله -تعالى- {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.

والمعنى الرابع الدين والملة، ومن ذلك قول الله -تعالى- {قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ}، أي على دين ومِلَّة.

الناس؛ الأصل فيهم أن يكونوا أمة واحِدة، ولكنهم اختلفوا، كما قال الله -تعالى- في سورة يونس {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ}. ولقد كانت هذه البلاد قبل عشرات السنين خالية من الجماعات، وخالية من التحزبات، خالية من الحزبيات التي تفرق ولا تجمع، والتي تمزق؛ تمزق شمل المسلمين.

فتسللت إلى هذه البلاد الطيبة المباركة بعض الجماعات، وكان من تلك الجماعات، جماعة من تسمى جماعة التبليغ والدعوة.

وقد وجَّهت وزارة الشئون الإسلامية في المملكة العربية السعودية بأن تكون الخطبة اليوم في التحذير من هذه الجماعة، لأنها جماعة منحرفة؛ وبيان ذلك أنها لا تدعو إلى التوحيد، هي تدعوا صامتة؛ لا تدعو إلى التوحيد.

لا تقول للناس اعبدوا الله، لا تشركوا به شيئا. ولو رأى بعضهم أُناسًا يطوفون حول القبور ربما طاف معهم حتى يتألَّفهم.

وهذا المسلك هو خلاف مسلك الأنبياء الذين كانوا يقولون لأقوامهم اعبدوا الله مالكم من إلهٍ غيره.

التوحيد، التوحيد؛ العقيدة، العقيدة. هذا هو الأهم، وهذا هو جوهر الإسلام.

ومن ذلك أنهم لا يشتغلون بالعِلم ولا يرون الاشتغال به، وربما بعضهم ينهى عنه ويَنْأى عنه لأنه يرى أن الكلام في الفقه يُحدِث الاختلاف، وهذا خلاف منهج الأنبياء أيضًا، وهو خلاف منهج القرآن.

لأن الله-تعالى-قال في سورة يوسف {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} والبصيرة هنا هي البينة والعلم والحجة. فكيف يدعو الإنسان الناس؟ كيف يدعو الجاهلين وهو جاهل مثلهم؟

لا بد من أن يكون على علمٍ وعلى معرفة.

ومن ذلك أنهم يعتمدون في دعوتهم على الحكايات والمنامات والخرافات والخزعبلات.

ومنها أن لهم بيعة، يبايعون زعيمهم. وهذه البيعَة لا تكون لعامتهم، بل هي لخاصَّتهم أو لخاصة الخاصَّة. وهذا أمر مبتدع، فإن الميعة إنما تكون -صلى الله عليه وسلم-، أو لإمام المسلمين.

وأنت هنا في هذه البلاد، في عنقك بيعة، فكيف تبايع غير من بايعته؟ وكيف يجتمع سيفان في غمد؟ هذا لا يصح ولا يكون.

فإن قِيل أن لهذه الجماعة -جماعة التبليغ والدعوة- بعض الجوانب المشرقة؛ وهي أنها تؤثر في العُصاة، وفي هدايتهم؛ قلنا نعم، هذا قد يكون صحيحًا وقد ذكره بعض أهل العلم. ولكن هذا الجانب بجانب تلك الجوانب لا يساوي شيئا. وإذا حكمنا على شيء فإنما نحكم عليه بجملته؛ وإلا فكل شيء فيه جانبٌ من الخير وجانبٌ من الشر؛ كل شيء، إلا أنه إما أن يكون الغالب الخير وإما أن يكون الغالب الشر.

الربا مثلا هو في الأصل شر ولكن فيه جانب خير، لأنه ينفع أحد الطرفين، أحد الطرفين منتفع؛ ولكن فيه ظلمًا وفيه غبنًا وفيه ضررا، وهو شرٌ وأي شر.

وقال الله -تعالى- {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} فذكر أن فيها منافع للناس، وهي في الأصل -من حيث الحكم الأكبر- هي شر.

وهذه المنافع بما يحصله الناس من المال في الميسر وفي بيع الخمر وشرائها وغير ذلك، لكن هذا كله لا يُذكَر بجانِب الإثم العظيم الذي يكون في الخمر والميسر.

ما أحسن الإنسان حينما يكون مجردا، لا يتبع أحدا، لا يجره إليه أحد؛ هو حر، يعبد الله -تعالى- على منهج السلف الصالح، على منهج رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- الذي تركنا على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالِك.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}.

هذا؛ وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين.

وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله؛ أرسله الله بالهدى ودين الحق {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}. صلى الله عليه وعلى آله السادة الغرر، ما اتصلت عين بنظر وسمعت أُذنٌ بخبر.

يا معشر الإخوة؛ هاهُنا معادلة: التحزب يؤدي إلى التفرق، والتفرق يؤدي إلى الاختلاف، والاختلاف يؤدي إلى التنازع الشديد، والتنازع الشديد يولد العداوة والبغضاء، والعداوة والبغضاء يولّدان الفشل. ومِصداق ذلك قول الله -تعالى- {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}. أي تذهب قوتكم وتصبحوا بعد ذلك ضعفاء، يستهين بكم الناس.

لقد أنعم الله -تعالى- على هذه البلاد بأنها تنهى وتنأى عن التحزب والتفرق والتشرذم. فليس هنالك حزبيات ولا تعصبات، ولا جماعات ولا مظاهرات، ولا نعرات جاهلية وتعصبات قبليّة؛ وهذه نعمةٌ كبرى نشكر المولى -سبحانه وتعالى- عليها.

الدعاء

اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك.

اللهم اجمع كلمتنا على الحق، اللهم اجمع قلوبنا، اللهم وحد صفوفنا يا رب العالمين.

اللهم أصلح بالنا وأصلح أحوالنا، واهدِ ضالّ المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعِز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وأعلِ بفضلك كلمتي الحق والدين، ووفق إمامنا إمام المسلمين، وولي عهده الأمين إلى ما تحبه وترضاه يا رب العالمين.

اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم، ولا تعذبنا فأنت علينا قادر، والطف بنا فيما جرت به المقادير، إنك على كل شيء قدير.

اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم ادفع عنا الوباء والغلاء والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصَّة وعن سائِر بلاد المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.

ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار.

ربنا وتقبل دعاء؛ اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب.

أكثِروا من الصلاة والسلام على رسول الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


خطبة التحذير من جماعة التبليغ والدعوة

تأتيكم هذه الخطبة المباركة من إلقاء فضيلة الشيخ د. عبدالعزيز الحربي؛ فجزاه الله كل الخَيْر.

فحواها: تضمَّنت الخطبة خطر جماعة التبليغ والدعوة وبعض أفكارها ومعتقداتها ومنهجها. وأطنَب الشَّيخ في الحديث عن ضرورة الاعتصام والاتحاد والابتعاد عن الحزبية والتفرُّق.

أضف تعليق

error: