حكاية الكوفية الفلسطينية

أكتب الآن من بيروت، متحسرا على نزعة العروبة التي لم تعد متوقدة في نفوسنا كما كانت من قبل، ربما بسبب البذخ الذي دمر بعض أخلاقياتنا.

على كل حال تذكرت قبل سنوات أنني كنت في مدينة شرم الشيخ المصرية، واشتريت من هناك كوفية مرقطة بالسواد، كوفية فلسطينية عظيمة، وذهبنا في رحلة برية.

بعدها بسنوات أصبحت الكوفية خطا جديدا ومحترما من خطوط الموضة العالمية، تجدها تلتف حول أعناق الحسناوات والشبان في شوارع باريس ولندن ودمشق ونيويورك وموسكو، وتحولت الكوفية رمزا للمقاومة والتمرد والأنا، احتجاجا على الحضارة المزيفة ورونقا للجمال والوداعة.

وذات صباح قارس البرودة في شتاء 2009، ارتديت معطفي، وقبيل خروجي لعملي تذكرت كوفية شرم الشيخ، بحثت عنها في الدفاتر القديمة ونفضت رمال صحراء سيناء عنها، وخرجت وهي تشنق عنقي، تلك الأيام كانت أزمة غزة في أحلك أيامها، وعندما التقيت أول زميل عمل لمحت في عينيه بريقا باهرا، وبعد دقائق كان الخبر قد انتشر في المكان: «سعيد» يقف ضد الهمجية الإسرائيلية، سعيد يحتج ضد الصمت العربي المخجل». وفي لحظات متطرفة كان يقال: «الوهابي» جبهة الصمود!.

العرب أهلكتهم الشعارات اللاعقلانية، لكن حكاية الكوفية تختصر 60 عاما من الثورة والنضال والسلام والحرب والاتفاقات والمصلحة الوطنية وبقية المصطلحات التي تتحفنا بها الصحف ووسائل الإعلام صباح مساء، بينما انفصل الخطاب العربي تماما عن حلم العربي البسيط بتفاصيله الدقيقة حول العيش بحرية وكرامة، وددت لو أن العرب تحلقوا خلال العقود الماضية حول أفكار الديموقراطية والتنمية.

نكتة: أغلب مكتبات شارع الحمرا ببيروت أغلقت، تحولت إلى محال لبيع الأحذية.. عيد سعيد.

بقلم: سعيد الوهابي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top