من خواطر أب: إلى ولدي الذي شب عن الطوق

من خواطر أب: إلى ولدي الذي شب عن الطوق

أذهب الى عملي اليوم منشرح الصدر، هادئ البال، مرتاح الضمير!.. فقد أنهيت لتوي حوارا، بدأ حادا حازما، وانتهى حنونا باسما!.. مع نجلي الأصغر “بسام”، ذلك الفتي الغرير الذي امتطى صهوة جواده الصغير النافر المتحفز، وانطلق به لا يلوي على شيء، نحو مضمار “سن المراهقة” الذي لا يخضع السباق الجنوني المقام فيه لقانون إلا قانون الأنا!.

هاهو “بسام” الذي لم أشبع بعد من ملاعبته وشمه وضمه، يقتحم المضمار بجواده، بلا سرج ولا لجام!، لايحكمه شيء إلا هواه الآني، ولايحميه حرز سوى دفقات من لبن التقوي رضعه من أم صالحة سكبت فيه حبها وحنانها، ولقيمات من حلال كد أبوه في كسبها، وصوت قرآن يتلي انتبهت عليه مسامعه، وخطوات إلى بيوت الله بصحبة أبيه يبقى نورها بأضلعه!.

إنه الأب.. لو صلح

لشد ما يسرني تقبيل الأبناء واحتضانهم، والحدب عليهم وشم أعطافهم، أكاد أوقن أن أنبوبا شبيها بالحبل السري من فرط نورانيته وقدسيته لا يرى بالعين، فقط يراه قلب الأب!.. يمتد بين الأب وضناه، تنتقل عبره رسائل الحب، وتضخ فيه مواد الطاقة الأبوية الإيجابية، وتنساب منه حلاوة الهداية الربانية!.

هو الأب.. لوعاد دوره لعادت الروح إلى جسد الأمة، لوعاد ليزرع الحب في قلوب أبناءه، ليقترب منهم بلا تطفل، ليحترمهم بلا تهاون، ليوجههم بلا تسلط، وليدللهم بحزم، وليرعاهم بلا إثارة من أذى أو من!.

يا لهف قلبي على أبناءنا من شباب وبنات اليوم، أكاد أسمع طقطقة عظامهم تطحنها ماكينة العولمة المتوحشة النهمة التي لا يشبعها شيء!، تأبى أن تبقي لأبناءنا مسحة من هويتهم العربية الإسلامية، سواء من دين حي، أو من تراث أصيل، أو من خلق متين، أو من قيم متوارثة!، حتى هوية الثياب أو الطعام والشراب، اللغة، الذوق، الماء، الهواء.. يجب أن يصبح غربيا ماديا استهلاكيا، جسديا شهوانيا صرفا، ليس له من هدف كبير يسعى إليه، ولا من كيان عزيز يعول عليه!.

يا لهف قلبي على أبناءنا من شباب وبنات اليوم، ممزقون بين آباء تكاد تذوب أكبادهم من أجل سلامتهم واستقامتهم، طهرهم وسموهم ونظافتهم ورقي أخلاقهم، تفوقهم واستقلالهم وكرامتهم، تمسكهم بدينهم وهويتهم وحرية أوطانهم!.. وبين سماسرة العولمة وأفاقيها، تتراقص أشباحهم لتغازلهم ليل نهار أن: اهجروا الروح، وهلموا إلى متع الجسد بلا حدود، حطموا كل القيود، لاسيما قيود الأسرة والموروث الديني والأخلاقي والثقافي، لا تتوقفوا ولاتفكروا، لاتشبعوا ولاتتراجعوا، وإياكم أن تسمعوا أو تعوا!.

حتى الحلول الوسط تأباها العولمة المتوحشة يا “بسام”!، تأبى أن ننتفع بتقنيتها ونحتفظ بهويتنا!؛ فلتعش أنت آخذا بكل جديد وحديث مما فيه صالحك ورفعة أمتك، فالحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق الناس بها، ولتستمسك في الوقت ذاته بحضارتك وقيمك وهويتك.. اجتهد وانهض يا “بسام” وثابر واتعب، لتؤثر فيهم وتأخذ بأيديهم أنت إلى نور حضارتك الذي أضاء الخافقين.

بقلم: محمد صلاح

أضف تعليق

error: