مقال عن غدر الصحاب

غدر الصحاب

إن للصداقة معنى كبير في حياة الإنسان، والصداقة لا يقتصر معناها على أن يكون للإنسان، صديقًا يقضي معه الوقت، يروح ويجيء معه، ويسهر معه ويدفعه إلى السوء، الصداقة ليس معناها الإنسان الذي لا يحتاجك إلا لمصلحته، بل إن الصداقة لها معنى أعمق وأسمى كثيرًا، الأصدقاء يؤثرون في حياة الفرد بالإيجاب أو بالسلب.

إن الصديق الذي يدفع صديقه إلى السوء، هو أقرب له من العداوة عن الصداقة، لأنه يدفعه إلى كل ما يدنس روحه، ويضفي السواد على قلبه، إن صديق السوء هو أسوأ من العدو، لأنه لا ينظر إلى صديقه سوى أنه شيء ما، يصطحبه معه في كل مصائبه، والصديق السوء لا تخلو حياته من المصائب، وقد تصل أيضًا أن يقع في مصيبة، ويلقيها على عاتق صاحبه، ويفر هو هاربًا دون أن يشعر بشيء من الذنب، لأنه في اعتقاده الراسخ، ان الصداقة إنما صُنعت من أجل ذلك.

على النقيض تمامًا مع الصديق الإيجابي، الصديق الإيجابي يدفع دائمًا صاحبه إلى الصواب، ويضع مصلحة صديقه نصب عينيه قبل مصلحته، فيكون مثالًا جميلًا للتضحية من أجل الصديق، يدفعه دائمًا إلى الخير، ويصرفه عن الشر، يدفعه أن ينجز أعماله، ويسدي له النصيحة الجيدة في مشاكله، ولا يكون كالشيطان الموسوس في عقل صاحبه، بل دائمًا يكسر في صديقه الشوكة الفاسدة، حتى يظهر صديقه بمظهر الشخص الجيد الصالح في الدنيا، أمام أهله، وعمله، وزوجته وأولاده.

أرأيت إلى أي مدى يستطيع الصديق أن يؤثر في صديقه، إن الصديق كفيل أن يغير حياة صديقه من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال، والعكس تمامًا، من أقصى الشمال إلى أقصى اليمين، فالإنسان لابد أن ينتقي صديقه جيدًا، حتى يأمن جانبه، ولا يتعرض لمكره، ولا يدفعه إلى هوة السوء السحيقة، التي لا تقوم له قومة بعدها.

قانون اختيار الصديق

إن الإنسان، أينما يضع قدميه، يحصد ما يشابه البيئة التي وضع فيها قدميه، فمثلًا: الصديق الذي يلازم المقاهي الليلية دائمًا، سيصطدم في النهاية بأناس سيئة، تدفعه إلى السوء، والأعمال المشبوهة، وغيرها من أفعال السوء.

والإنسان، لو وضع قدميه في مسجد، يحصد أشخاصًا، أو بعض منهم، يراعون الله فيما يفعلون، ويميزون جيدًا بين الخير والشر، ويعرفون بالطريقة السليمة الجميلة، أن يدفعوا من معهم إلى الخير، ويجنبوه الشر.

لذلك أول قانون نستنتجه مما قلته، أن الإنسان لابد له أن يحسن اختيار الصديق، حتى يأمن غدره، ومكره، أن يلازم أماكن الصلاح والفلاح، كالمساجد، ومجالس العلم، والمجالس التي تناقش أمورًا تفيد في مسيرة العمل والحياة، فيرتقي الإنسان بنفسه، ويحسن اختيار أصدقائه، وتزدهر نفسه بمرور الأيام، وألا يجالس السفهاء الذين تربوا على الجهل والغدر، حتى لا يدسون في روحه السموم، ويضيعون وقته، وحياته كلها.

والقانون الثاني من قوانين انتقاء الأصدقاء، أنك مهما بلغت درجة وثوقك في صديقك الذي تصاحبه، وتقضي معه أوقاتك، لابد أن تضع الحدود الفاصلة، التي إن تعداها أحدكم، لابد أن يترك صديقه بمنتهى الوضوح أن يتعداها مع نفسه، ولا يجر معه صديقه.

فالصديق، بشر يخطئ كثيرًا، ويتوب عن خطأه، وصديقك مهما تقاربت صداقتكم لابد أن يأتي في تفكيره شيئًا مناقضًا لك، فإما أن تستسلم له وتخوض معه تجربة أنت على غير اقتناع بها، لمجرد أنه صديقك، أو تنصحه، وتسهر على نصيحته حتى يجف حلقك، وإذا عزم على سلوك طريق غير الذي تعودتوه من البداية، فاجعله يخوض فيه وحده، مع الحفاظ على الود بينكم، حتى لا يصل الأمر إلى حد العداوة.

والقانون الثالث، بعد أن تختار صديقك جيدًا، وتضع الحدود الواضحة بينكم، أن تتيقن أنه مهما كان صديقك قريبًا منك، لا يحق لك أن تضعه داخل أقفاص حياتك، وتعاديه لمجرد أنه عارضك في أمر، بل، لطالما وثقت فيه، يجب تنظر في وجهة نظره، وتتدارسها جيدًا، لأنه بالتأكيد يريد مصلحتك، ولا يدفعك تعارضه إلى العداوة، بل يجب أن تتقبل تعارضه، ولك حرية الاختيار فيما بعد، لكن دون أن تعادي صديقك، وتغدر به في النهاية.

غدر الصحاب

إن الصداقة المبنية على الطرق الغير واضحة المعالم، أي إنك لا تدرك إن كان صاحبك يسيرك إلى السوء أو إلى الخير، أو كان صاحبك جديرًا بما تخبره من أسرار أم لا، إن هذه العلاقة المتشككة، أو الغير واضحة المعالم، يُتوقع منها الكثير من أنواع الغدر، والغدر كلمة عامة تشتمل على الكثير من السبل والطرق التي قد يلقي فيها الصاحب صاحبه.

وقد انتشر في المجتمع هذه الأساليب حتى باتت واضحة في أكثر الأغاني الشعبية التي نسمعها اليوم، ورغم أن تلك الأغاني فيها من الانحدار ما يصعب أن نحكم عليه أنه فن، لكن بطريقة ما تعبر عن مكنون الإنسان، وقضية غدر الصحاب، قد شغلت المجتمع في الفترة الأخيرة، ولا سيما بين أصدقاء السوء.

من أشكال الغدر، أن يبيع الصاحب صاحبه، بأن يفشي أسراره التي ائتمنه عليها بين غيره من الأصدقاء، أو أن يدفعه إلى طريق معوج، ومن ثم يتركه في منتصف الطريق ولا يبالي به، أن يدفعه إلى المصيبة ثم يتركه يغرس في الوحل دون أنيمد يديه للمساعدة.

من أشكال الغدر أن يكون سببًا في تدمير حياة صاحبه، أو ياخذه تسلية له في طريقه المعوَج، ويدفع به إلى الهلاك، مستغلًا صديقه أسوأ استغلال، وفي النهاية يتركه ولا يبالي به، ويعيد الكرة على غيره.

إن أشكال غدر الصحاب كبيرة، وأسبابها واضحة، ونتيجتها جلية، السبب يكمن في اختيار الصديق الخطأ، وعدم اتباع قانون الأخلاق في مصاحبة هذا الصديق، والنتيجة: الهلاك الذي لا عودة منه، وتدمير الذات والحياة.

صدمة الصحاب

إن فروع الحب كثيرة، وأشهرها حب الصديق لصديقه، حينما يأتمنه على كل حياته وأسراره، ويأكلان سويًا من طبق واحد، ويتشاركان كل مظاهر الفرح والترح، لذا هو حب تفرضه العشرة والأيام، وحب العشرة من أرسخ العلاقات في القلوب.

لذلك إذا غدر أحد الصديقين بصديقه، فإنه سرعان ما يتولد في نفس المغدور به الحزن العميق، والألم الدفين، كأن كل أيام العشرة قد تحولت إلى أشواكٍ وصدمات تدمي القلب.

والصديق الذي يعاني من غدر صديقه، يعود على حياته بالسلب:

  • لا يثق في أحد من الناس، بل يصير منبوذًا بينهم، لا يأمن جانبهم وينتقدهم.
  • يظل في لوم كبير لنفسه، وتغلف الكآبة حياته، والكآبة تؤثر سلبيًا على الصديق إلى درجة قد تصل إلى النوم في الفراش لمدة كبيرة.
  • غدر الصحاب يولد عقد نفسية كبيرة، لا يتخيل أحد أنها قابعة في نفس الإنسان الذي غدر به صاحبه.

وغيرها من المظاهر السلبية التي تؤثر في حياة الإنسان الذي تركه صاحبه، وباعه وغدر به، بأي شكل من الأشكال، سواء بإهماله، أو إفشاء أسراره، أو أن يلقي به في هوة السوء ولا يساعده فيها، أو يحتال على ماله، ويستغله أسوأ استغلال حتى يستنفذه ومن ثم يتركه وحيدًا.

إن الصداقة علاقة لابد أن ننظر لها بعين الاعتبار، قد تؤثر على الإنسان بالإيجاب او بالسلب، ونصيحتي في النهاية، أن يأمن الإنسان جانب صاحبه، حتى يأمن غدر الحياة.

أضف تعليق

error: