خطبة: فضل شهر شعبان وليلة النصف منه

خطبة الجمعة , فضل شهر شعبان وليلة النصف منه

وتستمر الأطروحات الطّيبة العَطرة، والنفحات المنبرية الجميلة. والآن، نزيدكم خطبة مكتوبة جديدة؛ بعنوان: فضل شهر شعبان وليلة النصف منه. وهي أحد الخُطَب المكتوبة الجاهزة، والتي نسعى من خلالها إلى مساعدة الخطباء في كافَّة أرجاء المعمورة في تحضير خُطبهم.

عناصر الخطبة

  • الأدلة على فضل شهر شعبان.
  • تحويل القبلة في شهر شعبان.
  • فضل ليلة النصف من شعبان.
  • تهيئة الناس لاستقبال شهر رمضان.
  • الحث على الإصلاح بين الناس وترك الشحناء والبغضاء.

الخطبة الأولى

الحمد لله وحده؛ وصلاةً وسلامًا على من لا نبيّ بعده.

ألا إنّ شهركم هذا شهر شعبان، شهر مبارك، وأيّامه أيامٌ مباركة، نتنسم فيها نفحات إيمانية من نفحات الله ﷻ، وسمّي شعبان بذلك لتشعّب الخير منه، وقيل من الشَعب وهو الجبر، فيجبر الله فيه كسر القلوب.

وفيه تهيج المشاعر شوقاً إلى رمضان، فرجب شهر بذر الثّمار، وشعبان شهر سقياها، ورمضان شهر قطف الثمار.

ففيه حصلت كثيرٌ من الوقائع والحوادث ومن ذلك تحويلِ القبلة، ففيه تم تغييرُ قبلة المسلمين من بيت المقدس – المسجد الأقصى المبارك، إلى الكعبة المشرفة في مكة المكرمة، وكان ذلك في ليلة النصف من شعبان في السنة الثانية من الهجرة، فاستجاب الله ﷻ دعاءَ نبيِّه الكريم، بتحويل قبلةِ الصلاة من بيت المقدس إلى الحرم المكي الشريف، قال ﷻ: ﴿قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾.

فكم لهذا الشهر من فضائل عظيمة، وردت بها أحاديث نبوية مطهرة، وكان النبي ﷺ يحض على صيامه فعن عائشة –رضي الله عنها–، قالت: كان رسول الله ﷺ ” يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، فما رأيت رسول الله ﷺ استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان “، فكثرة صيامه ﷺ في شعبان تدل على فضل هذا الشهر ومكانته العظيمة.

وفيه ترفع الأعمال إلى الله ﷻ، يقول ﷻ: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ فإنّ أعمال العباد ترفع يوم الخميس من كل أسبوع، وفي شهر شعبان من كل عام فينظر الله ﷻ أفعالَ عباده وهو أعلم بها، فيغفر ﷻ لمن شاء من عباده، وقد سُئل النبي ﷺ عن كثرة صيامه في شهر شعبان فأجاب «ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم»، فهذا توجيه نبوي لعموم المسلمين على أهمية التعرض إلى رحمات ونفحات الله ﷻ بالعبادة والطاعات، حتى ينالوا الجائزة الكبرى، وهي الفوز بقبول التوبة والمغفرة من الله ﷻ، فيظهر من هذا الحديث أن لشهر شعبان فضائل كثيرة منها: إنه شهر له ميزة وفضيلة على باقي الشهور، وقد غفل الناس عن الاجتهاد في العبادة فيه، وقد ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمٌ يَصُومُونَ رَجَبًا، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَأَيْنَ هُمْ مِنْ شَعْبَانَ؟».

وفيه دليلٌ على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله ﷻ، فقد يشتغل الناس بالعادات والشهوات، ويغفلون عن الطاعات، فجاء التذكير من النبي صلى الله على فضل هذا الشهر وأهمية عمارته بالطاعة.

والفائدة الثالثة: أن على الإنسان المسلم أن يكون فطناً مغتنماً للفرص، فيبادر إلى فعل ما يحبه الله ﷻ عندما يُرفع عمله إليه سبحانه، وهذا من التعرض إلى نفحات الله ﷻ، فقد قال ﷺ: «إِنَّ لِرَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا، لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُصِيبَهُ مِنْهَا نَفْحَةٌ لَا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا».

وليلة النصف من شعبان، ليلةٌ مباركة، يغفر فيها الله الذنوب لعباده التائبين، قَالَ رسول الله ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ، إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ»، وكفى بهذا الحديثِ الصحيحِ مُحَفِّزَاً على إحياءِ هذه الليلة الكريمةِ والاهتمامِ بها.

وكم ورد من أحاديث في المغفرة الإلهية، وعِظَم هذه الليلة، فكيف هو حالنا يا تُرى مع هذه الليلة العظيمة، ليلة المغفرة، ليلة التجلّي الأكبر من الله، يقول ﷻ: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾ فلنصدق فيها بالإقبال على الله ولنسامح كل من أساء إلينا فإنّ جزاء من يسامح ويقبل على الله مغفرة الذنوب.

وفي حديث ليلة النصف من شعبان أيضاً دعوة لكل مسلم، أن يبادر بإصلاح ذات البين، ويصالح إخوانه المسلمين بإزالة الشحناء، امتثالاً لقول الله ﷻ: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون﴾، ليكون من المقبولين المغفور لهم بإذن الله، فإن من يخاصم أخاه، ويصرّ على جفائه، وهجرانه، محروم من الأجر في هذه الليلة المباركة، وليكن عفوه عن الناس مقروناً بالنية الصادقة بمسامحتهم.

وهذه الليلة تأتي ضمن الأيام البيض التي أوصى النبي ﷺ بصيامها، وكان يواظب عليها، فيسن للمسلم أن يعقد نيته على صيام الأيام البيض من شهر شعبان، وأن يجمع إليها نية اختصاص ليلة النصف من شعبان بطلب العفو والمغفرة من الله ﷻ، وقد خص النبي ﷺ ليلة النصف من شعبان بالذكر وأوصى أصحابه بها فعنه ﷺ: أنه سأله – أو سأل رجلا، فقال: «يا أبا فلان، أما صمت سرر هذا الشهر؟ –أي وسطه–» يقصد شهر شعبان، قال الرجل: لا يا رسول الله، قال: «فإذا أفطرت فصم يومين».

وقد ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى نَدْبِ إِحْيَاءِ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، قال ابن رجب الحنبلي: وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان ومكحول ولقمان بن عامر وغيرهم يعظمونها، ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها.

فعليكم معاشر المسلمين أن تعظموا هذه الليلة وهي فرصة للعفو والتسامح وصلة الأرحام، وإعادة الأمور إلى مجاريها بين المتشاحنين والمتباغضين، حتى تكونوا أهلاً لمغفرة الله ﷻ.

فقم ليلة النصفِ الشريفِ مُصلِّيَاً
فأشرفُ هذا الشهرِ ليلةُ نِصفِه

فكم من فتى قد بات في النصف آمناً
وقد نُسخت فيه صحيفةُ حتفِه

فبادر بفعل الخير قبل انقضائه
وحاذِر هجومَ الموتِ فيه بِصَرفِه

وصُم يومَها لله وأحسِن رجاءَه
لتظفرَ عند الكربِ منه بلطفِه

الخطبة الثانية

الحمد لله..

ومن مزايا هذا الشهر أنه الشهر الذي نزلت فيه آية الصلاة والسلام على رسول الله ﷺ: وهي قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

ونقل الإمام شهاب الدين في “المواهب” قولاً لبعض العلماء بأن شهر شعبان هو شهر الصلاة على سيّد الأكوان لأن الآية نزلت فيه، وفي فضل الصلاة والسلام أحاديث كثيرة منها أنّ الله يصلّي عليه عشراً، وتدركه شفاعة النّبي عليه الصلاة والسلام وغيرها..

والحمد لله رب العالمين.

خُطَب أُخرى تتحدَّث عن شهر شعبان

أضف تعليق

error: