خطبة صلاة عيد الأضحى مُجَهَّزَة ومُدَقَّقَة

نعم، هي تلك المُجَهَِّزَة والمُدَقَّقَة؛ هي خطبة صلاة عيد الأضحى المبارك التي وفَّرناها لكُم هنا. حيثُ يُضاء ملتقى الخطباء هنا بكُم، داعين المولى -عزَّ وجل- أن يجعل خطبكم على المِنبر سبيلاً لنفع كُل مسلمٍ ومُبيَّنة لسبيل الحق والرشاد.

مقدمة الخطبة

الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الحمد لله نحمده، الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه ولعظيم سلطانه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله وصفيّه من خلقه وخليله بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة، وجاهد في الله حق الجهاد وتركنا على محجّة بيضاء ليلها كنهارها لا يبتغيها إلا سالك ولا يزيغ عنها إلا هالك اللهم فصل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد إخوة الإسلام، فأوصيكم ونفسي المخطئة المذنبة بتقوى الله بالسر والعلن، وأحثكم على طاعته وأنهاكم عن معصيته.

الخطبة الأولى

يقول الله -عز وجل- في القرآن الكريم (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون). أيها الأحبة، إنه يوم العيد، يوم الفرحة بطاعة الله -عز وجل-؛ يوم نستحضر فيه معانِ الحج، تلك المعاني العميقة التي تعيدنا إلى فِطرتنا وإنسانيَّتنا.

فحجاج بيت الله الحرام عندما أحرموا لله -عز وجل-، وعندما طافوا، وعندما وقفوا في عرفة وفي مزدلفة وفي منى، أحيوا في أنفسهم وحرَّكوا فينا مشاعر الافتقار إلى الله -عز وجل-، ومشاعر الاستسلام له -سبحانه وتعالى-. ففي الحج يعود الإنسان إلى تواضعه وإلى إنسانيته والي فطرته السليمة، هناك حيث يستوي الجميع؛ القوي والضعيف، والغني والفقير، الرئيس والمرؤوس؛ جاءوا من بلادٍ بعيدة، ومن أماكن متعددة، جاءوا ليوحدوا الله -عز وجل-، ليلبوا نداءً قديمًا.

قال -تعالى- (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق).

ذلك النداء الممتد في سلسلة الأنبياء إلى زمن النبي المصطفى -صلى الله عليه وسلم- حتى قيام الساعة، يأتي الناس ملبين الله -عز وجل-، يستحضرون معاني الإيمان والرحمة والتآخي والافتقار الحق إلى الله -عز وجل-.

نعم أيها الأحبة، ليس الحج نُسكًا يؤدَّى فحسب، بل هو تغيير لنمط الحياة وتغيير لطبيعة حجاج بيت الله الحرام من نمطيَّاتٍ يومية اعتادوا عليها ليعودوا بعد الحج إلى دورة الحياة من جديد، فيحملون معهم الخير وطاقة الخير، ويحملون معهم كُتلةً نورانيَّة من العطاء والرحمة.

قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج). وقال عليه الصلاة والسلام أيضًا (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه).

نحن بحاجةٍ أن نُحيي في حياتنا هذه المعاني، أن نخرج من نمطياتٍ اعتدنا عليها ومن روتينٍ يوميٍّ اعتدنا عليه أدخلنا في غفلات وحياة عبثية، لنعود إلى تلك المعاني السامية الراقية، لنعود إلى تلك المعاني التي بها تؤسس الحياة الطيبة، وتكون السعادة التَّامة بين الناس.

ومن حكمةِ الله -عز وجل- أن جعلنا رمضان، أن جعل لنا موسم الحج، أن جعل لنا هذه الأيام العظيمة لنعود إلى تلك الجذور الطيبة التي تركها فينا المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.

عِباد الله، إن رسالتنا هي رسالة الرحمة؛ قال الله -عز وجل- في القرآن الكريم، في سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). هذه هي دعوة الأنبياء جميعا، دعوة المرسلين، دعوة الرحمة والخير والحب والعطاء، هكذا تستمر الحياة بنبضٍ صادقٍ، وبإيقاعٍ طافٍ. هكذا تستمر دورة الحياة اليومية، عندما يكون الإنسان مغلفا بالسلوك الطيب والأخلاق الحسنة.

مشروعنا أن نعمر هذه الدنيا على هديٍ من الله -عز وجل-؛ قال -جلَّ شأنه- (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها). أي طلب منكم عمارتها، وفي هذه الآية دليل واضح على أن الإنسان ينبغي عليه أن يكون إيجابيا، أن يبني حضارة الإنسان المعاصرة، أن يبني المجتمع، أن يبني العائلة، أن يكون إنسانًا معطاء مقدمًا لعائلته ومجتمعه وبيئته.

لا مكان للقعود، ولا لأن يكون الإنسان على هامش الأحداث والحياة، بل الإنسان المؤمن الذي عرف حكمة وجوده وحكمة هذا الكون هو الذي يحمل رسالة بنّاءةً في إعمار هذه الدنيا.

ولكن أيها المسلمون؛ في ظِل الواقع الذي تعيشه الإنسانية المتحضرة اليوم، واقعٌ مملوءٌ بالصراعات وبالحروب، وبالجشع وبالطمع؛ واقعٌ مليءٌ بتسلُّط الظالمين على المظلومين؛ في هذا الواقع يبرز الدور الذي نتكلم عنه لأهل الحق بقوة.

لا ينبغي لصاحب رسالة الحق، ولا لكلمة الحق والنصح والسلام والواقع الطيب الحسن أن ينكفئ. بل إن الله -تبارك وتعالى- كلفنا أن نحمل هذه الرسالة -رسالة الخير- في كل الظروف، لا سيما في هذه الظروف التي تشهدها حضارتنا في هذا الزمن.

لا بد لأهل الحق أن يأخذوا دورهم، وأن يقولوا كلمتهم لأهل النصيحة، أن يكونوا حاضرين في كل المجامع، وفي كل المواقف. بذلك يتحقق الإصلاح في المجتمع، ويتحقق الإصلاح في هذه الدنيا.

عباد الله؛ لقد علمنا إسلامنا وقراننا أن نحمل الخير لكل الناس، قال الله -عز وجل- في القرآن الكريم (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير).

الدعوة إلى الخير الذي يبرز بالعمل الصالح؛ قال الله -عز وجل- في القرآن الكريم (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا).

العمل الصالح هو الضمانة والخير والباب الذي تتغير فيه المجتمعات.

أن نعمل صالِحًا، ليس في نطاق العبادات فقط، بل نعمل صالحًا في كل الميادين، في السياسة والاقتصاد والفكر والتربية والحياة الاجتماعية. قال الله -عز وجل- (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة).

أن نتعلم كيف يكون العمل الصالح، وكيف تكون حقيقة العمل الصالح. ثم نعيش ونمارس هذا العمل الصالح في كل حياتنا.

سبب خراب الإنسان اليوم هو العمل المفسد والضار والسيئ. قال -تعالى- (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون | ألا إنهم هم المفسدون ولٰكن لا يشعرون).

الله -عز وجل- يقول في القرآن الكريم (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا).

أيها المؤمنون؛ نحتاج للعمل الصالح في كل الميادين، في كل النواحي، في كل دوائر هذه الدنيا؛ أن نعمل صالحًا. قال -جلَّ شأنه- (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون).

بالعمل الصالح يزول الفساد والمفسدون. الله -عز وجل- يرى هذا العمل، ويكون هذا العمل على هدى نبيه المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وعلى هذه الأنبياء، برأيٍ عامٍ من المؤمنين.

أيها الناس؛ في موسم العيد هذا، في فرحتنا هذه، لا ننسى قضية فلسطين ولا ننسى المسجد الأقصى، فلنحول فرحتنا بالعيد، ولنحول هذه الطاقة الإيمانية في موسم الحج إلى نفحات نُحيي فيها ومن خلالها معاني استحضار قضية فلسطين والمسجد الأقصى، لا سيما أن هذه الأيام يوافقها ذكرى أليمة؛ ذكرى إحراق المسجد الأقصى.

فينبغي على كل مسلمٍ وعلى كل مؤمن، وعلى كل إنسان حر، ألا تغيب عنه قضية فلسطين ولا قضية المسجد الأقصى، مهما كانت الظروف ومهما كانت الأحوال.

في العيد فرحة، نعم، ولكن هذه الفرحة تحرك فينا كل هذه المعاني نحو فلسطين ونحو المسجد الأقصى، لنحولها طاقةً قويّة في الفكر والسياسة والإعلام، وتربية الأجيال على قضية فلسطين وأهمية فلسطين.

عِباد الله؛ بالعمل الصالح تُبنى الأوطان، ووطننا يبني بالعمل الصالح، لا تبنى الأوطان بالأحقاد ولا بالكراهية ولا بمولاة الظالم على حساب المظلوم. تبنى الأوطان بالمحبة والمسامحة وبتقديم المنفعة والمصلحة العامة على الخاصة، هذا الذي يعلمنا إياه قرآننا، وديننا ونبينا -صلى الله عليه وسلم-.

هذا القرآن الذي يُلِّمنا معايير الإيمان والجمال والحب والخير والإنسانية؛ في هذا القرآن كل هذه المعاني العظيمة والمفاهيم الرائعة، وللأسف الشديد يبرز في هذا الزمن من يغمز في قناة القرآن نفوسٌ حاقدة وأفكار شاذة تُجرِّئ البعض على آيات كتاب الله -عز وجل-.

بجهلهم ما فقِهوا القرآن وما عرفوه، فيشككون في آياته، وهذا كله مرقص لا تقبله أي معايير ولا يقبله أي قانون.

أيها المُسلِمون؛ في موسم العيد فلنُكثِر الابتسامة ولنوزع الحب والسلام على من حولنا، فلنرحم الآباء والأمهات، ولنكرم الكبار والصغار ولنصِل الجيران في موسم العيد، فلنكُن منفقين في سبيل الله، نجود على من حولنا في موسم العيد، نجود على جيراننا ومعارفنا، على من يعيش معنا على هذه الأرض وفي هذه الدنيا، نحمِل رسالة الخير والحب والرحمة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

الخطبة الثانية

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر؛ الحمد لله نحمده، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله.

عِباد الله؛ اتقوا الله فيما أمر، وانتهوا عما نهى عنه وزجر، واعلموا أن ربكم قد صلى على نبيكم قديمًا، قال تعالى ولم يزل آمِرًا حكيما، تعظيما لقدر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وتكريما (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما). اللهم صل على سيدنا محمدٍ صلاة ترضيك وترضيه وترضى بها عنا، واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما.

الدعاء

  • اللهم اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار.
  • اللهم عافنا وأعف عنا وتب علينا يا غفار.
  • اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.
  • اللهم تقبل من حجاج بيتك الحرام، اللهم تقبل من حجاج بيتك الحرام، اللهم تقبل من حجاج بيتك الحرام، وردهم سالمين غانمين يا رب العالمين.
  • اللهم أحسِن ختامنا، ويمِّن كتابنا، واجعل إلى الجنة مآلنا.
  • اللهم لا تدع لنا في مجلِسنا هذا ذنبًا إلا غفرته، ولا همّا إلا فرجته، ولا كربا الا نفسته، ولا مريضًا إلا شفيته وعافيته يا رب العالمين.
  • اللهم فرِّج عن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
  • اللهم يا ربنا هيئ لنا من أمرنا رشدا.
  • اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، المؤمنين والمؤمنات.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وتقبل الله الطاعات، وكُلّ عامٍ وأنتم بخير.


كانت تِلك خطبة عيد الأضحى المبارك لسماحة أمين الفتوى في الجمهوريّة اللبنانيّة؛ فضيلة الشيخ أمين الكردي. وإذا أردتم الخطبة بصيغة PDF فاطلبوها في التعليقات حتى نزوِّدكُم بها.

وهذه الخطبة القيِّمة يُمكن لأي خطيبٍ وإمامٍ أن يُلقيها على المصلين في صلاة العيد، في أي بلد عربي؛ مثل: تونس، ليبيا، موريتانيا، الأردن، السودان، العراق، اليمن، المغرب، عمان، البحرين، لبنان، الإمارات، السعودية، فلسطين، الجزائر، سوريا، مصر، الكويت، قطر. أو حتى في المساجد في دولٍ غير عربيَّة لكن المصلون فيها عَرَب.

أضف تعليق

error: