خطبة جميلة ومؤثرة عن حق الجار في الإسلام

خطبة جميلة ومؤثرة عن حق الجار في الإسلام

عناصر الخطبة

  • الجور والجوار كلمتان من مادة واحدة، فبألف الجوار يقع التآلف والتكريم وبإسقاطها يظهر التفرق والصدام.
  • للجار في الإسلام أحكام عامة وخاصة والجار المسلم نال العامة والخاصة معاً.
  • الإحسان إلى الجار سنة نبوية والمسلم يتقرب إلى ربه باتباع سنة نبيه ﷺ.
  • إحياء هدي النبي ﷺ بإكرام الجار يقتضي أن نتخلص من العزلة التي قطعت أوصال المحبة.
  • الذين يكرمون جيرانهم هم أهل الأخلاق وهم أقرب الناس إلى النبي ﷺ مجلساً يوم القيامة لحسن أخلاقهم.

الخطبة الأولى

إنَّ مِن أعظم ما تميزت به الشريعة الإسلامية هو دعوتها إلى تحقيق الأمن والسكينة والطمأنينة في المجتمعات الإنسانية كلها، وقد شرَعَ اللهُ ﷻ لتحقيقِ ذلك شرائعَ، وحدَّ حدوداً، ففرضَ ﷻ على المؤمنين واجباتٍ وحقوقاً لبعضِهم على بعضٍ، تُصلِحُ ذاتَ بينِهم، وتجمعُ قلوبَهم، وتؤلِّفُ بينهم، فكان من تلك الشرائعِ حقُّ الجوارِ، الذي أكّدت عليه الآيات الكريمة في كتاب الله عز وجل، والأحاديثِ النبوية الشريفة، قَالَ الله ﷻ: ﴿وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: 36].

فالإسلام يحرص على بناء العلاقات الاجتماعية لتبقى سوية قوية، حرصاً منه على قوة الأمة ونجاتها وسلامتها، فقد ورد الكثير من الآيات الكريمة في القرآن الكريم تدعو إلى الإحسان ومنها الإحسان إلى الجيران بالمودة والرحمة والحب والعطف، وكذلك جاءت الأحاديث النبوية الشريفة بالوصية بالجيران والإحسان لهم.

إن الإسلام يأمرنا بالإحسان إلى الجيران ولو كانوا غير مسلمين، فكيف إذا كانوا على دين الإسلام وهم من ذوي القربى فلابد عندها أن يتضاعف الإحسان، ففي ذلك قوة للمجتمع ومتانة في بنائه وتراص في صفوفه.

ولعظم حرمة الجار ومكانته في الإسلام قَالَ رَسُول الله ﷺ: «مَا زَالَ جِبْريلُ يُوصِيني بِالجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أنَّهُ سَيُورِّثُهُ» ← مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

فتضمن هذا الحديث الشريف بدلالات واضحة تعظيم حق الجار، والاعتناء به، والاهتمام بشأنه.

عباد الله: إن الجار أقرب الناس منزلاً من منزل جاره، وهو أكثر الناس اطلاعاً على أحواله، لذلك حث الرسول ﷺ الجار على تعاهد الجيران، وتفقد أحوالهم، وإكرامهم، وإعانة المحتاج منهم، لما يترتب على ذلك من المحبة والأُلفة، ولما يحصل به من المنفعة ودفع المفسدة.

فالمحبة والعلاقة القوية بين الجيران تزيد قي قوة المجتمع وتماسكه ومتانة بنائه، فعن أَبي ذر رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله ﷺ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فَأكثِرْ مَاءهَا، وَتَعَاهَدْ جيرَانَكَ» ← رواه مسلم.

والجيران على أنواع:

  • جار مسلم قريب، فهذا له ثلاثة حقوق: حق الجوار والإسلام والقرابة.
  • جار مسلم دون قرابة، فهذا له حقان: حق الجوار والإسلام.
  • وجار غير مسلم قريب، فهذا له حقان: حق الجوار وحق القرابة.
  • جار غير مسلم ولا قريب، فهذا له حق الجوار.

وقد ربط الرسول ﷺ الإحسان إلى الجيران بالإيمان، فقال رسول الله ﷺ بين الإيمان والإحسان الجيران فقَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بالله وَاليَومِ الآخرِ، فَلا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ» ← مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

قال العلماء: هذا الحديث من قواعد الإسلام وأصوله، لأن جميع آداب الخير تتفرع منه وآكدها حق الجوار لما في ذلك من منافع كريمة وآثار حميدة.

ونهى الإسلام عن إيذاء الجيران بأي نوع من أنوع الإيذاء، فعن أَبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قَالَ: «واللهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لا يُؤْمِنُ!» ← قِيلَ: مَنْ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: «الَّذِي لاَ يَأمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» ← مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. وفي رواية لمسلم: «لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ لاَ يَأمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» ← والمقصود بالبَوَائِقُ: الغَوَائِلُ والشُّرُورُ.

في هذا الحديث الشريف وعيد شديد، وتهديد أكيد، لمن أخاف جاره أو خادعه على أهله أو ماله، وعندما يقسم النبي ﷺ على أمر يزيده بيانا وتأكيداً، كما وينفي الحديث الشريف، كمال الإيمان عن جار السوء الذي يتعمد إيذاء جيرانه أو تخويفهم.

كما ينبغي الحرص على عدم تتبع عورات الجيران، وفضح أسرارهم، وبثّ عيوبهم، بل ينبغي الحفاظ على خصوصياتهم وغضّ البصر عند زياراتهم فيحرم النظر الذي يحصل به الاطلاع على ما في داخل البيوت؛ فقد قال الله ﷻ في محكم كتابه: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) النور:30، وقال النبي ﷺ: إِنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ، رواه البخاري، وقد قال العرب قديماً:

وأغضُّ طرفي إنْ بدتْ لي جارَتي
حتَّى يواري جارتي مأواها

إنَّي امرؤٌ سمحُ الخليفةِ ماجدٌ
لا أتبعُ النَّفسَ اللَّجوجَ هواها

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدا طيبا كما أمر والصلاة والسلام على نبينا محمد خير البشر ﴿يا أيها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون﴾ آل عمران:102

عباد الله: إن من أخلاق الإسلام في التعامل مع الجيران الهدية لهم وتعاهدهم بالصلة والمودة، فعن عائشة رضي الله عنها قَالَت: قُلْتُ: يَا رَسُول الله، إنَّ لِي جارَيْنِ، فإلى أيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: «إِلَى أقْرَبِهِمَا مِنكِ بَابًا» ← رواه البخاري.

وعن عبدِ الله بن عمرو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله ﷺ: «خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ الله ﷻ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيرُ الجِيرَانِ عِنْدَ الله ﷻ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ» ← رواه الترمذي. فالأخلاق الكريمة مع الجيران، وكف الأذى عنهم والانبساط إليهم من الإحسان الذي هو أعلى المراتب وارقأها وفيه ينتشر البر والخير بين الناس، واقتران الصاحب بالجار في الحديث الشريف يعني أن كلاهما قريب من الأخر فالصاحب الصادق والجار الفاضل منزلته ومكانته عند الله عالية.

وقد أرشدنا النبي ﷺ إلى ضرورة التحلي بالصبر ومكارم الأخلاق عند نشوب الخلاف مع الجيران، وعدم مبادلة الإساءة بمثلها، وأن يدفع المسلم سيئة جاره بالتي هي أحسن، فعن أبي هريرة، قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ يشكو جاره، فقال: «اذهب فاصبر» ← فأتاه مرتين أو ثلاثا، فقال: «اذهب فاطرح متاعك في الطريق» فطرح متاعه في الطريق، فجعل الناس يسألونه فيخبرهم خبره، فجعل الناس يلعنونه: فعل الله به، وفعل، وفعل، فجاء إليه جاره فقال له: ارجع لا ترى مني شيئا تكرهه. ← سنن أبي داود.

فاتقوا اللهَ عبادَ الله، وأحسنوا إلى جِيرانِكُم، مُرُوهم بالمعروفِ، وانهوهُم عن المنكرِ، ابذلُوا لهم الخيرَ ما استطعتم، وردُّوا عنهم الشرَّ ما استطعتم، تلطَّفوا إليهم بالهديةِ والزيارةِ والمودة والمحبة، فإن لم تجدوا خيراً تبذلونه فلا تؤذوهم.

والحمد لله رب العالمين..

خُطَب ذات صِلة «مُقترحة»

بالتوفيق لكافَّة الخطباء والأئمة في كل المساجِد..

أضف تعليق

error: