خطبة عن المشاكل الزوجية.. تحت عنوان «وجعل بينكم مودة ورحمة»

إنّ الناظر إلى حياة المصطفى ﷺ يجِد أن اختيارنا اليوم أن نطرح لكم خطبة عن المشاكل الزوجية هو من أهم الأولويات في كل زمان. فما أجَلّ الوصايا التي حثّنا عليها الشَّرع الشريف متمثلا في آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي المختار ﷺ التي تناولت أسباب الخلافات الزوجية وكيفية العمل على حلها.

ولا عجب أن نجِد أحد الزملاء الأكارم من الخطباء يبحث عن أعظم خطبة في المشاكل الزوجية؛ فلعلَّه وَجَدَ مؤخرًا أن البيئة التي تُحيط به يكثر فيها هذا النوع من الخلافات الأسريَّة، وأراد أن يكون له دور في تذكير الناس ببعض ما جاء في هذا الأمر في ديننا الحنيف. وللأسف؛ فإن مشاكل البيوت هذه الأيام تكثر بشِدة، وإن أكبر ما يدل على ذلك ما نراه في إحصائيات الطلاق في البلدان الإسلامية.

خطبة عن المشاكل الزوجية

الآن؛ وفي خطبة قصيرة؛ نتناول –بشكل مُبسَّط ويسيرأسباب المشاكل الزوجية وعلاجها؛ وذلك في ضوء ما ورد إلينا من كلام ربنا ﷻ وسُنَّة نبينا ﷺ.

مقدمة الخطبة

الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد على ما أنعم به ووهبه وأعطاه، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، خير الناس لأهله ونبيه ومصطفاه، ﷺ، وعلى آله وصحبه وأتباعه المهتدين بهديه والمقتفين آثاره وخطاه.

أما بعد، فاتقوا الله – عباد الله -، ﴿وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.

الخطبة الأولى

أيها المؤمنون؛ إن تلك العلاقة العظيمة التي تكون بين رجل وامرأة بعقد الزواج هي آية من آيات الله التي تدعو إلى التفكر، ولا عجب في العلاقة بين الوالد وولده، والولد والوالد، والأخ وأخيه، والرحم ورحمه، كالعجب من العلاقة التي تكون بين الزوجين؛ لأن الإنسان فتح عينيه على والديه أو على رحمه، وأحسنا إليه غاية الإحسان فوق إحسانهما إلى أنفسهما؛ فكانت نفسه تحمله عن طواعية إلى برهما والإحسان إليهما، والوالد رأى ولده صغيرا، فأخذ يكبر شيئا فشيئا في سنين، وحب أبيه له يكبر معه.

وأما الزوجان فقد يكون أحدهما لا يعرف الآخر قبل الزواج، فيكون الزواج فينشأ ذلك الشعور العجيب بينهما الذي يكون وليد تلك اللحظة؛ فمن الذي ألف بين ذينك القلبين! ومن الذي خلق تلك العلاقة في تلك اللحظة! إنه الله ﷻ الذي قال: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.

وانظروا في تصوير تلك العلاقة في كتاب الله – عباد الله – في قول ربنا ﷻ: ﴿خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾، فما أشبه هذا بقولهم: ولد الإنسان قطعة من قلبه أو بضعة منه. وانظر كيف يتعامل الإنسان مع من يكون قطعة من قلبه أو بضعة منه؛ فإنك تجده يقدمه على نفسه، ويؤثره عليها، مهما كان حاله، ويحرص أن يكون أحسن منه علما وأدبا ومنزلة ومقاما، وإذا أخطأ وجهه وتجاوز عنه، وإن عاد إلى الخطأ نصحه مرة أخرى وعفا عنه، ولا يمكن أن ينفك منه أو يتخلى عنه، إن هذا التصوير الكريم في قول الله ﷻ: ﴿خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾، مراد به أن تكون معاملة الزوج لزوجته مملوءة حبا وإيثارا وإكراما.

وإذا ما وقف الإنسان – أيها المؤمنون – عند قول الله ﷻ: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾، أدرك أن المرأة مراد منها أن تعامل زوجها معاملة يملؤها حب وإكرام، ورغبة في أن تكون أحسن من كل حسن، واعتذار له إذا أخطأ، ونصح وتوجيه وأخذ له باللين والرفق، وإعانة له بكل وجوه الإعانة، مضحية من أجله، غير متخلية عنه في كل حال كما أنه لا يتخلى عنها؛ أخذا بوصية ربنا ﷻ: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَان﴾.

فهذه هي مقاصد الإسلام – عباد الله – وغاياته، ولو أودع الأزواج هذه المراشد الربانية قلوبهم لسهل كل صعب، ويسر كل عسير من هذه المشكلات التي تكون بين الأزواج، وليس الإشكال في المشكلات وسوء الفهم؛ فإن ذلك واقع لا محالة، ولكن الإشكال في عدم وجود نظام بين الزوجين لتجاوز تلك المشكلات، ونسيان أن كل ابن آدم خطاء، وأن خير الخطائين التوابون، وأنه ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾، وأن أولى الناس بقبول عذر الآخر والعفو والصفح هم الأزواج.

وهذا كله من وقوفنا عند قول ربنا ﷻ: ﴿خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾، فكيف بنا إذا وقفنا عند باقي الآية الكريمة: ﴿لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾، نعم ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ﷺ وعلى آله وصحبه وأتباعه البررة المتقين.

أما بعد، فاتقوا الله – عباد الله -، واعلموا أن النبي ﷺ كان خير الناس لأهله، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»، وليس هناك إنسان كامل لا يخطئ إلا من عصمه الله من أنبيائه ورسله، وإذا كان الإنسان – رجلا أو امرأة – يدرك هذه الحقيقة ويعمل بها في عمله مع مسؤوله وزملائه، وفي مجتمعه مع أصحابه، وفي أهله مع أبيه وأمه وأخيه وأخته، كان حريا به أن يعمل بهذه الحقيقة مع شريك حياته؛ فيبادر إلى الاعتذار، ويقيل العثرة، ويتجاوز عن الزلة، ويتغاضى عن بعض الأمور.

وما أحسن قول القائل: على المرء أن يفتح عينيه جيدا قبل الزواج، وأن يغمضهما نصف إغماض بعده، وقد قيل: الرجل الذي لا يعفو عن الهفوات الصغيرة للمرأة لن ينتفع بفضائلها الكبيرة، ويجب أن يقال أيضا: المرأة التي لا تعفو عن هفوات الرجل الصغيرة لن تنتفع بفضائله الكبيرة.

ولن نجد أبين لهذا المعنى من قول النبي ﷺ : «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر»، ومعنى «لا يفرك»: لا يبغض. فلو أخذ الناس بهذه الهدايات الربانية والإرشادات النبوية لتلاشت كثير من حالات الطلاق، تلك التي تحصل في كثير من الأحيان لسبب ليس معتبرا، فتنهدم بذلك أسرة، ويتشتت أمر الأولاد ويكونون ضحية ذلك الفراق، وقد قال ربنا ﷻ عند ذكره أحكام الخلاف بين الزوجين: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾، وقال الله ﷻ: ﴿وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾.

هذا، وصلوا وسلموا على رسول الله الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.


خُطب ذات صِلة بموضوع خطبة اليوم

وبعد أن قدَّمنا لكم أعلاه خطبة عن المشاكل الزوجية؛ وأدرجناها تحت عنوان -في ضوء قول ربنا ﷻ- «وجعل بينكم مودة ورحمة». نود أن نطرح عليكم بعضًا من الخطب المكتوبة الأُخرى في موقعنا؛ وهي ذات صلة وثيقة بموضوع خطبة اليوم.

نسأل الله ﷻ أن ينفعنا وإياكم، وكل المسلمين، بكل ما نوفره لكم من خطب الجمعة عبر موقعنا.

أضف تعليق

error: