الولد البكر في العائلة

صورة , أطفال , الولد البكر , طفل صغير


ما التغيرات الشعورية التي يحملها قدوم الابن البكر في كل أسرة؟

قال “أحمد يوسف” الاستشاري النفسي والاجتماعي. قدوم الابن البكر إلى الحياة يغير شكل الأسرة من مجرد ثنائي متزوج إلى أهل وأب وأم عليهما مسئوليات تجاهه، ويتبع ذلك ولا شك العديد من التغيرات، فأما عن التغيرات فكلها إيجابية تتمثل في شعور بالفرح والحنان والحب، لكن هذا لا ينفي أن كلها مشاعر يُصاحبها ولا شك الخوف والقلق والتوتر والمسئولية.

والشاهد أنها تجربة جميلة وحالمة ومبهجة، إلا أنه يتمخض عنها تحديات كبيرة جديدة، وتتمثل أولى التحديات وأبلغها في تحول الثنائي من إسعاد الذات إلى نسيان الذات وصب الإهتمام على الولد، خصوصاً وأن الطفل الأول تمثل سنواته الأولى والثانية صعوبة على الأهل في التعامل والتربية، لأنه بطبيعة الحال تجربة جديدة يبدأ الأبوان معها تجربة كل ما هو جديد عليهم، وهو يتزامن معه لا محالة الشعور بالقلق والخوف والحذر على الطفل.

وأضاف “يوسف” قائلاً: والجدير بالذكر أن الضغوط النفسية التي يسببها القلق والخوف من هذه التجربة الجديدة تزداد شدتها إذا جاء الطفل بشكل مفاجئ وبدون تخطيط مسبق، لأن ذلك مما يُصعب التجربة ويزيد من التوتر، كما يشتد التوتر بشكل أكثر ملاحظة وحِدة إذا ما جاء هذا الطفل إلى الحياة في وقت لا يرغب فيه الأبوين أو أحدهما في الإنجاب، لأن ذلك يزيد من توتر العلاقة واللوم والعتاب بين الطرفين، وهو ما ينعكس أثره على العلاقة بين الزوجين بصور أكثر تعقيداً.

لماذا يؤكد علم النفس على أن الأبوين يحتاجان إلى سنوات للتأقلم مع الطفل الأول؟

لأن ولادة الابن البكر تجعل التجربة من أولها لآخرها جديدة على الزوجين، كما أن كل مرحلة عمرية للابن لها طريقة تعاملها ومبادئها وخطواتها التنفيذية، إلى جانب أن شعور الخوف المصاحب للتجربة عادةً ما يلازمه الشعور بالذنب، أي أن الخوف على الطفل وحياته، وكذلك الخوف في التعامل معه لعدم الدُربة والخبرة المسبقة؛ فإن كل ذلك يجعل العلاقة مع الولد البكر حساسة إلى أبعد مدى، وخاصةً مع الأم المشتركة مع الابن في كل التفاصيل اليومية له، وتلك الحساسية في التعامل تقل حدتها نوعاً ما مع الطفل الثاني لسابق خبرة الأهل في الابن الأول عند المرحلة العمرية التي يعبرها الطفل الثاني.

والخلاصة أن الابن الأول هو حقل التجارب في كل شيء، بدءً من الصحة والمرض، ونهايةً بالصحيح والخاطئ في التعامل والسلوكيات والقول والفعل، بل إنه حقل تجارب لعلاقة الأسرة مجتمعة مع المحيط الإجتماعي ككل، وباعتبار أنه حقل للتجربة تزيد وتيرة لوم وتعنيف النفس عند الأب والأم مع كل موقف حياتي خاص بالابن، حيث ما زالا الوالدان يكتشفان صحة أو خطأ تصرفاتهما معه.

ما هي الأخطاء الشائعة التي يقع فيها الأهل مع الابن البكر؟

أشار “أ. أحمد” إلى أنه في البداية لابد من التأكيد على أن الأخطاء التربوية البسيطة واردة الحدوث مع الابن البكر، وهذا لا يعيب الوالدين مطلقاً، ومن جانب آخر لا يمكن القول بوجود أخطاء شائعة متشابهة في تربية الطفل الأول، لأن كل بيئة وكل أسرة لها قيم ومعايير خاصة، وبالتالي حَيْدِها عن تلك المعايير يعتبر خطأ تربوي، في حين أن المعايير في أسرة أخرى أو في مجتمع آخر مختلفة تماماً، وبالتالي ما قد يعد خطأ في المجتمع الأول قد يعد أسلوب تربوي صحيح في المجتمع الثاني.. وهكذا دواليك.

وجدير القول أن ليست المشكلة في الخطأ نفسه، ولكن تكمن المشكلة في تكرار الخطأ أو استمراريته، لأن التكرار هو الذي سيؤثر سلباً على تربية الابن وسلوكياته، لكن تحسين ومراجعة الأب والأم لطريقتهما التربوية باستمرار مع دوام تجنب الوقوع في نفس الخطأ مرة أخرى يساعد الابن على تجاوز مثل تلك الأخطاء ولا تؤثر عليه نفسياً أو سلوكياً على المدى الطويل.

ما أسباب اختلاف شخصية الولد البكر عن شخصيات أخوته الأصغر؟

من أهم العوامل التي تشكل شخصية الابن أو الابنة البكر هو تحمله لقدر من المسئولية تجاه أخوته الأصغر في مرحلة ما من حياته، وهذا لا يعد إقراراً بضرورة تحمل الابن البكر لمسئولية أخوته، لأن بعض المسئولية الزائدة قد تمثل خطورة على تكوين شخصيته وحياته أو قد تمثل خطورة على تكوين شخصية كل أخ من أخوته أو على حياتهم.
ومن أسباب اختلاف شخصيته أيضاً – وهذا مذموم ولا نُطالب به – أن وجود ابن صغير قد يكون ذريعة عند الأهل لتناسي الحاجات العاطفية أو المادية للابن البكر والذي ما زال طفلاً أيضاً، وهو ما يضع الولد البكر تحت عبء نفسي يساهم في تشكيل وجدانه وتفكيره، لذلك لا ننادي بإستمرارية تحمل الولد الأكبر عبء المسئولية، ولا ننادي بإعطاءه المسئولية المطلقة على أخوته، لأن ذلك سينعكس على شخصيته سلباً وبالمشكلات على المدى البعيد.

ولابد من الإشارة إلى أن وجود الطفل الأول يساهم في خلق مجموعة من الصراعات الوجدانية النفسية الداخلية عند كلٍ من الأم والأب على حِدة، حيث إن كل فرد فيهم يبدأ في مواجهة صورة ومكنون الأبوة أو الأمومة الذي يحمله بداخله، ليكتشف كلٌ منهما مع ابنه الأول نقاط الضعف ونقاط القوة في هذا الشيء الوجداني وفي تلك الصورة المرسومة داخلياً عن العلاقة مع الأولاد، وعدم السيطرة على تلك الصراعات وتهذيبها قد يظهر في صورة أفعال وممارسات على الولد، وقد تكون واحدة من عوامل تشكيل شخصيته.

واختتم “أ. أحمد يوسف” والخلاصة أن تربية الطفل الأول مُرهِقة ومؤلمة وتحتاج إلى الكثير من المجهود البدني والنفسي، حيث تبدأ تربيته بتغيير الصفات المذمومة في الذات أولاً قبل توجيه الطفل الصغير إلى تركها، لأن الطفل بطبيعة الحال يتشرب سمعياً وبصرياً كل مزايا الأهل وعيوبهم.

رأي واحد حول “الولد البكر في العائلة”

أضف تعليق

error: