خطبة قصيرة مكتوبة عن الجليس الصالح والجليس السوء

للكبار والصغار، الرجال والنساء، الآباء والأبناء؛ إنها خطبة قصيرة «مكتوبة» عن الجليس الصالح والجليس السوء. وهي من أهم الخطب التربوية في كل زمان ومكان. ولعل من أهم ما يُمكِن أن نتذكَّره يُبيّن مدى أهميتها، قول رسول الله ﷺ «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل».

فتأملوا خطبة اليوم وانتفعوا بها، وانفعوا بها المسلمين.

خطبة قصيرة مكتوبة عن الجليس الصالح والجليس السوء

مقدمة الخطبة

الحمد لله رب العالمين، أمر عباده أن يكونوا مع الصادقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أرشدنا إلى ما فيه ثواب الدنيا والآخرة، وهو أحكم الحاكمين، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، ذو الخلق العظيم المبعوث رحمة للعالمين ﷺ، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فاتقوا الله- عباد الله- ﴿وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ تنالوا ثواب الدارين وتكونوا عند الله من المقبولين.

الخطبة الأولى

أيها المؤمنون؛ إن الصحبة شيء عظيم لا يستغني عنه أي إنسان، ولو كان لأحد أن يستغني عن الصحبة لاستغنى عنها الأنبياء والمرسلون؛ فقد خلق الله البشر على هذه الصفة، لا تقوم الحياة إلا بالاجتماع البشري، وقسم المواهب والحظوظ فيما بينهم ليتحقق ذلك الاجتماع البشري؛ فتجد هذا محتاجا إلى هذا، وتجد الآخر محتاجا إلى ذاك.

وما أجمع تلك الآية العظيمة التي تجمع هذه المعاني وتبين هذه الحقيقة العظيمة! فاسمعوا – عباد الله- قول الله ﷻ ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾. فلم يكن أحد أكثر من أحد معرفة لأنه أكرم عند الله، ولم يكن أحد أكثر مالا ولا أوسع جاها ولا أعلى منصبا ولا أرفع نسبا لأنه أكرم عند الله، بل ميزان التفاضل عند الله التقوى، وقد قيل [كم من إنسان منكور في الأرض معروف في السماء].

وقد نادى الله الناس في كل زمان ومكان فقال لهم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.

يا أيها الذين آمنوا؛ لما كانت الصحبة أمرا ذا بال لم يتركها ربنا ﷻ للناس في أوصافها؛ فإن الله جل جلاله يريد من المؤمن أن يصحب ذا صفة مخصوصة، وما كان ذلك إلا لعظيم تأثير الصاحب على الإنسان، وقد قيل: [إن الصاحب ساحب]. فكم من إنسان نال مقامات عالية عند الله وعند الناس، والسبب أصحابه الصادقون.

وكم من إنسان تبدلت حاله من هداية إلى غواية، ومن عز إلى ذل، ومن غنى إلى فقر، ومن قوة إلى ضعف بوسوسة أصحابه وتزيينهم الباطل له، فتشتت أمره، وذهبت ريحه، وتفرقت أسرته، فكان نسيا منسيا بعد أن كان شيئا مذكورا، ولذلك حذر الله من قرين السوء وسماه شيطانا قبل أن يذكر شيطان الجن؛ فقال الله ﷻ ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾.

وبين بعد هذه الآية – أيها المؤمنون- أن الذين يتبعونهم عندهم خلل في الإيمان باليوم الآخر، فلو كان الإيمان باليوم الآخر حاضرا لما تبعوهم واقتدوا بهم، فقال الله جل جلاله ﴿وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ﴾.

والإيمان باليوم الآخر ليس ادعاء يجري على اللسان فحسب، بل هو منهاج حياة يظهر في أقوال الإنسان وأفعاله، وشؤونه ومعاملاته، وذلك الإيمان باليوم الآخر الذي يظهر أثره في أحوال الإنسان هو الصدق الذي أراده الله فيمن يصحبه المؤمن، فقال أحكم الحاكمين في ندائه للمؤمنين في سورة التوبة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ﴾.

ومن تأمل في تأديب الله لنبيه ﷺ، أدرك معنى الصدق والصادقين؛ فلننظر ماذا يقول الله لنبيه، يقول له وهو المؤيد المسدد من ربه -في سورة الكهف– ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، فالصادقون لم يكونوا أهل غفلة، بل ﴿يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾، فقلوبهم إلى الله موجهة، وأكفهم إليه مرفوعة، وألسنتهم بحمده مسبحة، قدوتهم في ذلك الأنبياء والمرسلون الذين ﴿يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه البررة المتقين.

أما بعد، فاتقوا الله – عباد الله- واعلموا أن ربكم ﷻ بعد أن ذكر ﴿الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ ذكر الفريق الآخر، فريق قرناء السوء، فإن كان من دأب الصادقين أنهم ﴿يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ فإن من دأب هؤلاء الغفلة عن ذكر الله، وليس الذكر الذي غفلوا عنه هو جريان اسم الله على ألسنتهم فحسب، بل إنهم ﴿نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ﴾، فقد غفلوا عن الله في أقوالهم وأفعالهم، وبيعهم واشترائهم، وأخذهم وعطائهم، وشؤونهم ومعاملاتهم؛ ولذلك نهى الله نبيه عن طاعتهم فقال له: ﴿وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾.

وإن من أوجب الواجبات على الآباء والأمهات والمربين تحري القرين الصالح لأولادهم، ذكورهم وإناثهم، وإعانتهم على الاختيار؛ فإن كثيرا من سلامة الأولاد مترتب على صلاح الأصدقاء، وكثيرا من فسادهم مترتب على فساد الأصدقاء، وقد صور النبي ﷺ، ذلك تصويرا ماديا يقربه إلى الأذهان، وكم حري بنا أن نضع ذلك التصوير مكتوبا في مجالس البيوت التي تجتمع فيها الأسرة؛ فإن ذلك أدعى إلى رسوخه وذكره ﴿فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾، فقد قال النبي ﷺ، في أثر القرين: «إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة».

هذا، وصلوا وسلموا على رسول الله الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

الدعاء

  • اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.
  • ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
  • اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما.
  • اللهم أعز الإسلام واهد المسلمين إلى الحق، واجمع كلمتهم على الخير، واكسر شوكة الظالمين، واكتب السلام والأمن لعبادك أجمعين.
  • اللهم اغفر لكل من آمن بك، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعاء.
  • اللهم أنزل علينا من بركات السماء وأخرج لنا من خيرات الأرض، وبارك لنا في ثمارنا وزروعنا وكل أرزاقنا يا ذا الجلال والإكرام.
  • اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت سبحانك بك نستجير، وبرحمتك نستغيث ألا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أدنى من ذلك، وأصلح لنا شأننا كله يا مصلح شأن الصالحين.

هنا أيضًا من أجل أئِمَّتنا وخطبائنا الأكارِم الأجِلاء: خطبة عن قيمة الاحترام والذوق العام – مكتوبة، منقحة ومعززة بما يلزم

أضف تعليق

error: