ماذا يحدث بين إيران وإسرائيل؟ مشهد حرب يتشكل في الشرق الأوسط

ماذا يحدث بين إيران وإسرائيل؟ مشهد حرب يتشكل في الشرق الأوسط

بداية الحكاية: هجوم غير مسبوق وشرارة حرب كبرى

في فجر يوم الجمعة، 13 يونيو 2025، شهدت المنطقة حدثًا عسكريًا هو الأضخم منذ عقود. أكثر من 200 طائرة حربية إسرائيلية أقلعت قاطعة مسافة تقارب 1500 كيلومتر باتجاه العمق الإيراني، لتنفذ هجومًا جويًا واسع النطاق استهدف منشآت استراتيجية. في الوقت ذاته، نفذ جهاز “الموساد” عمليات اغتيال دقيقة داخل إيران، استهدفت قيادات عسكرية وعلماء نوويين بارزين.

لكن الرد الإيراني لم يتأخر، إذ أطلقت طهران في الليلة نفسها أكثر من 500 صاروخ باليستي ومئات الطائرات المسيّرة تجاه تل أبيب، مُوقعة دمارًا واسعًا لم تشهده إسرائيل منذ تأسيسها عام 1948. هذه الهجمات المتبادلة ما زالت مستمرة حتى لحظة كتابة هذا المقال، مما دفع معظم المحللين العسكريين إلى الجزم بأن ما يجري ليس مجرد مناوشات، بل حرب مفتوحة كاملة الأركان.

خلفية تاريخية: عداوة متجذرة منذ الثورة الإيرانية

العداء بين إيران وإسرائيل ليس وليد اللحظة، بل تعود جذوره إلى عام 1979، حين أطاحت الثورة الإسلامية بالنظام الملكي الموالي للغرب. منذ ذلك الحين، أصبحت إسرائيل والولايات المتحدة في نظر النظام الإيراني الجديد “رمزًا للاستعمار والهيمنة”، واعتُبر وجودهم العسكري في المنطقة تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الإيراني.

نتيجة لهذا التصور، تبنت إيران استراتيجيتين أساسيتين لضمان أمنها:

  1. توسيع النفوذ الإقليمي: من خلال دعم حركات مسلحة تحت مظلة ما يسمى بـ”محور المقاومة”، مثل حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، وغيرها. هذا الدعم لم يكن بدافع الأيديولوجيا فحسب، بل لخلق طوق أمني حول البلاد.
  2. السعي نحو امتلاك السلاح النووي: وهو الطموح الذي يعتبره النظام وسيلة لردع أي عدوان خارجي وفرض مكانة إقليمية كبرى، الأمر الذي تعتبره إسرائيل تهديدًا وجوديًا حقيقيًا.

إسرائيل وهاجس النووي الإيراني: سباق مع الزمن

بحسب تقديرات غير معلنة رسميًا، تمتلك إسرائيل نحو 90 رأسًا نوويًا، لكنها ترفض السماح لأي طرف إقليمي بامتلاك سلاح مماثل. فامتلاك إيران لسلاح نووي يُعد في نظر صناع القرار في تل أبيب تطورًا لا يمكن قبوله بأي شكل، ومنذ عام 1979، تُصنف إيران كـ”العدو الأول” متقدمة حتى على خصوم إسرائيل التقليديين في العالم العربي.

وقد مارست إسرائيل ضغوطًا متواصلة على الولايات المتحدة لعرقلة البرنامج النووي الإيراني، ما دفع واشنطن على مدى عقدين إلى فرض عقوبات قاسية ومحاولة التفاوض على اتفاقات تقيّد هذا البرنامج.

من اتفاق لوزان إلى الانسحاب ثم الانفجار

في عام 2015، وُقّع الاتفاق النووي الشهير (اتفاق لوزان) بين إيران والدول الكبرى، والذي قضى بتقليص مخزون إيران من اليورانيوم المخصب، مقابل رفع العقوبات الاقتصادية. إلا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحب من الاتفاق عام 2018، ما أعطى إيران مبررًا لاستئناف التخصيب حتى نسبة 60%، وهي نسبة قريبة جدًا من المستوى المطلوب لتصنيع قنبلة نووية.

ومع عودة ترامب إلى الحكم في 2025، حاول استئناف المفاوضات، لكن خمس جولات لم تُثمر عن اتفاق جديد، مما أعاد إسرائيل إلى خياراتها العسكرية.

لماذا الآن؟ التوقيت لم يكن صدفة

رغم أن إسرائيل كانت تعلم منذ سنوات بتقدم إيران في تخصيب اليورانيوم، فإنها لم تكن قادرة على شن هجوم مباشر بسبب قوة “محور المقاومة” الداعم لإيران. لكن في الفترة الأخيرة، تعرض هذا المحور لسلسلة من الضربات أضعفته بشكل كبير:

  • النظام السوري لم يعد كما كان.
  • حزب الله تضرر من عمليات اختراق وتجسس.
  • الحوثيون يواجهون ضربات أمريكية متواصلة.
  • حماس مرهقة بسبب حرب غزة الطويلة.

وبالتالي، رأت تل أبيب أن هذه اللحظة هي الأنسب لضرب إيران، خاصة وأن نتنياهو كان يواجه ضغوطًا داخلية هائلة، من بينها ملفات فساد، وتراجع شعبيته، ومحاولات لعزله من داخل إسرائيل نفسها. الهجوم كان محاولة لإعادة فرض القيادة واستقطاب الدعم الغربي من جديد.

تفاصيل الهجوم: اختراق غير مسبوق للعمق الإيراني

الهجوم الإسرائيلي كان منسقًا بشكل دقيق، بدأ من داخل إيران نفسها، حيث نجحت الاستخبارات الإسرائيلية في زرع ما لا يقل عن 1500 عميل يعملون كخلايا نائمة، تمكنوا من تعطيل أنظمة الدفاع الجوي والرادارات قبيل الهجوم.

وبعد ذلك، أسقطت الطائرات الإسرائيلية نحو 330 قذيفة على أهداف نووية وعسكرية استراتيجية، أبرزها:

  • مفاعل نطنز: مركز تخصيب اليورانيوم الأهم في البلاد.
  • مفاعل آراك.
  • مقر الحرس الثوري ومطار تبريز.
  • منشآت صاروخية وسكنية.

كما نُفذت اغتيالات شملت قيادات من الحرس الثوري ورئيس الأركان وأكثر من 10 علماء نوويين. لكن رغم كل هذا، لم تنجح الضربات في تدمير البرنامج النووي الأساسي، إذ أن المنشآت الأكثر حساسية تقع تحت الأرض بعمق يصل إلى 100 متر.

الرد الإيراني: قوة نارية غير مسبوقة

الرد الإيراني فاجأ الجميع، إذ أطلقت طهران أكثر من 500 صاروخ، إلى جانب مئات الطائرات المسيّرة، واستمرت في الهجمات لثلاثة أيام متتالية، مستهدفة:

  • وزارة الدفاع الإسرائيلية.
  • وزارة الاقتصاد ومركز تل أبيب المالي.
  • قواعد عسكرية (تل نوف، نيفاتيم).
  • مقر الاستخبارات ومعهد وايزمان.
  • عشرات الأحياء السكنية في تل أبيب ومدن أخرى.

الخسائر كانت ضخمة: مئات المنازل والمنشآت دمرت، وأكثر من 3 ملايين إسرائيلي احتموا بالملاجئ، بمن فيهم نتنياهو نفسه، ما أدى إلى شلل تام في الحركة الاقتصادية والتعليمية.

من الرابح؟ ومن الخاسر؟

أهداف إسرائيل:

  • تدمير المشروع النووي الإيراني → لم يتحقق.
  • تحقيق انتصار سياسي داخلي → الرد الإيراني أضعف موقف نتنياهو.
  • دفع الشعب الإيراني للثورة ضد النظام → المعارضة الإيرانية تحالفت مؤقتًا مع النظام ردًا على الهجمات.

أهداف إيران:

  • إثبات قدرتها على الرد المباشر دون وسطاء → تحقق.
  • كشف هشاشة الدفاعات الإسرائيلية → بعض الصواريخ تجاوزت 4 منظومات دفاعية.
  • كسر هيبة الردع الإسرائيلي → تحقق بشكل غير مسبوق.

طالِع أيضًا ⇐ ما تأثير الحرب بين إيران وإسرائيل على الدول العربية؟ اقتصادياً وسياسياً؟

إلى أين تتجه الأمور؟

المشهد ما يزال ضبابيًا، لكن هناك سيناريوهان رئيسيان:

  1. المفاوضات: قد تقبل إيران بالجلوس إلى طاولة الحوار مع الولايات المتحدة وإسرائيل لتفادي تصعيد أخطر.
  2. التصعيد: إذا رفضت إيران، فقد يشهد العالم بوادر حرب إقليمية شاملة، وربما مقدمة لحرب عالمية ثالثة. إذ دخلت روسيا على خط الوساطة، وأعلنت باكستان دعمها الكامل لإيران، بينما تُراقب الصين الموقف عن كثب.

وبالنهاية يجب أن نتيقَّن أن… المنطقة على حافة الانفجار

ما يحدث بين إيران وإسرائيل لم يعد مجرد “صراع ظل” أو “حرب بالوكالة”، بل مواجهة مباشرة قد تعيد تشكيل خريطة القوى في الشرق الأوسط وربما العالم. وبينما تظل النتائج مفتوحة على كل الاحتمالات، فإن الأيام المقبلة ستحمل بلا شك مفاجآت أخرى.

تابعونا خلال الأسابيع المقبلة لتغطية مستمرة وتفصيلية لما ستؤول إليه هذه المواجهة الكبرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top