قصة بوليسية تحبس الأنفاس.. بعنوان: لغز ملكات الجمال

قصة بوليسية تحبس الأنفاس.. بعنوان: لغز ملكات الجمال

ساد الذعر أنحاء الفندق الكبير الواقع على كورنيش الإسكندرية الجميل… فقد ذاعت إشاعة بوجود حالات تسمم نقل بعضها إلى المستشفى… وقد وقعت هذه الحالات بعد تناول طعام الإفطار.

وأخذ مدير الفندق ومساعدوه يطمئنون العملاء ويؤكدون أنها حالات قليلة ووقعت في دور واحد من أدوار الفندق وأنها حالات بسيطة لا تستدعي الخوف أو الذعر.

كان المفتش سامي نزيل الفندق منذ يومين وهو يقود حملة سرية لمطاردة عصابة دولية لتهريب الهيروين دلت التحريات على أن زعيمها ينزل في الفندق الكبير… وبالطبع كان المفتش ينزل تحت اسم مستعار وقد غير من بعض ملامحه وصبغ شعره باللون الأبيض… وأدعي أن بصره ضعيف خلف نظارته السوداء… وحمل عصا بيضاء مما تميز فاقدي البصر.

والتقطت أذناه المرهفتان شائعة التسمم… وعرف أن آثار الشائعة ممكن أن تضرب سمعة الفندق الكبير في الصميم خاصة إذا تسربت إلى الصحافة… وذهب المفتش إلى شرفة الفندق المطلة على البحر… ولم يكن اختيار هذا المكان بالصدفة… فقد قام بعمل تنظيم دقيق للالتقاء بأعوانه بطريقة لا تلفت الأنظار… وجاءه فنجان القهوة… وبعده بقليل ظهر بائع الجرائد وأخذ يعرض على المفتش ما عنده من صحف ومجلات وكتب… وأخذ المفتش يتصفح هذه المطبوعات بعناية، وهو في نفس الوقت يستمع إلى التقرير الأمني اليومي الذي يحمله بائع الجرائد الذي لم يكن إلا أحد ضباط الحملة التي نزلت بالفندق للقبض على زعيم العصابة.

وبعد الانتهاء من شراء صحف اليوم وبعض المجلات قال المفتش للضابط: كلف أحد الضباط بمتابعة موضوع التسمم وهل هو حقيقة أم إشاعة لضرب سمعة الفندق وربما السياحة في الإسكندرية.

وابتعد الضابط وهو ينادي على صحفه ومجلاته واستغرق المفتش في التفكير في التقرير الأمني الذي استمع إليه… والذي يؤكد أن زعيم العصابة شديد الحذر… وإنه يلتقي بعملائه في أماكن متباعدة خارج الفندق وأنه قد تم تصوير حقيبته وما بها من أوراق

… ووجد ضمن محتوياتها مبلغ ضخم من الدولارات… ومسدس من طراز مولت الأتوماتيكي… وبضعة جوازات سفر مزورة.

كانت محتويات الحقيبة تكفي للقبض على زعيم العصابة… ولكن ذلك لم يكن مركز اهتمام المفتش… ولكن القبض عليه متلبسا وعلي أفراد العصابة في نفس الوقت هو مركز اهتمام المفتش.

كان يسير ببطء مستخدما عصاه بحذر، ولكنه كان يري كل شيء ويلاحظ كل شيء… ولفت نظره إعلان عن مسابقة ملكة جمال الصيف التي ستقام في الفندق في المساء حيث تفوز الأولي بلقب الملكة… ومبلغ 100 ألف جنيه ورحلة إلى إنجلترا للاشتراك في مسابقة ملكة جمال العالم التي تقيمها الشركة التي ترعى مسابقات ملكات الجمال عالميا.

وتناول المفتش الغداء… ولاحظ قلة عدد المترددين على مطعم الفندق الذي كان مزدحما أمس… وبعد الغداء مر باستقبال الفندق لأخذ المفتاح حيث وجد في انتظاره مظروفا يحمل اسمه.

صعد إلى غرفته، وفض المظروف… كان من الضابط الذي يقوم بدور بائع الجرائد… وأخذ يقرأ التقرير الذي كانت به بعض المعلومات عن تحرك زعيم العصابة وجاء فيه أن زعيم العصابة أقام حفل عشاء فاخرا للمشتركات في مسابقة ملكة الجمال… وقضي وقتا طويلا يتحدث معهن… وليس من المستبعد أن يحاول استمالة بعض الجميلات المشتركات للعمل معه… وكان أعوانه البودي جارد يحرسون حفل العشاء الباذخ من المتطفلين… ثم تقرير عن إشاعة التسمم التي انتشرت في الفندق… وسبب قلة الرواد في الفندق والمطاعم والكافتيريات كانت المعلومات تؤكد وجود عدد خمس حالات تسمم بين الفتيات المرشحات للقب ملكات الجمال.

ويقول التقرير: تنزل في الفندق 12 فتاة من مختلف أنحاء الجمهورية… وأكثرهن من القاهرة والإسكندرية ويقمن جميعا في دور واحد… كل فتاتين معا… وبعد تناول طعام الإفطار اليوم أحست خمس فتيات بآلام شديدة في المعدة… وأصيبت اثنتان منهن بالإغماء… وقد نقلن جميعهن إلى المستشفى ويتم التحقيق حاليا في سبب هذا التسمم… وهل هو من طعام الإفطار الذي قدمه الفندق لهن في غرفهن أم من مأكولات أو مشروبات خارجية؟

ظل التليفون المحمول مشغولا طول الوقت فقد بدأ زعيم العصابة يكثف اتصالاته ولقاءاته وقد ازدحم الفندق بالذين حضروا لمشاهدة إعلان نتيجة مسابقة ملكات الجمال مما جعل المتابعة صعبة.

في المساء كانت ساحة الفندق قد غصت بالسيارات التي أتي بها المدعوون إلى الحفل… وأخذت الموسيقي تعزف وباقات الورود تنهال على الفندق… وانتظر المفتش حتى الثامنة ثم نزل إلى صالة الفندق المزدحمة بالناس وباقات الورود الفخمة الضخمة… واختار المفتش مقعدا بعيدا عن الزحام يسمح له بمشاهدة الحفل على المسرح.

وفي التاسعة تماما خرج مدير المسابقة إلى المسرح وألقي كلمة اعتذر فيها عن عدم مشاركة بعض الجميلات لإحساسهن بالتعب… وقال إن لجنة التحكيم قررت الاكتفاء باختيار ملكة الجمال من الموجودات… ولم يشر مدير المسابقة إلى حالات التسمم ومضت الأمور بشكل طبيعي… ثم أخذت الموسيقي تعزف على المسرح وأضيئت الأنوار واتخذ المحكمون أماكنهم في انتظار ظهور الجميلات.

كان رجال المفتش منبثين في كل مكان… وأشار المفتش إلى أحدهم وتبادل معه حديثا قصيرا وانصرف الرجل لأداء المهمة التي كلفه بها المفتش… وأخذ المفتش ينظر حوله في انتظار ظهور المقدم حسام الذي كان متنكرا أيضا… كانت مهمته خارج الفندق في متابعة حركات أفراد العصابة فإذا حصل على معلومات مهمة فعليه أن يحضر لمقابلة المفتش وفعلا ظهر حسام بطولة الفارع… وسار وسط الزحام لحظات ثم دخل إلى كابينة التليفون الخاصة بالفندق… وكان المفتش قد تحرك ناحية الكابينة فلم يكد حسام يخرج منها حتى دخلها المفتش وكانت ثمة ورقة مطوية في انتظاره.

لم يكن في الورقة أكثر من ملاحظتين… الأولي أن ثمة علاقة بين العصابة وحادث التسمم… وإن بعض بوكيهات الورد التي دخلت الفندق خرجت مرة أخرى… كانت معلومات في غاية الأهمية… ولكن ما علاقة العصابة بحالات التسمم… وما معنى خروج بوكيهات الورد من الفندق مرة أخرى؟

بدأ المفتش يتحرك بسرعة… التقي ببعض رجاله وألقي إليهم بتعليماته… وسرعان ما كان عدد منهم يخرج إلى ساحة الفندق حيث تقف سيارات المدعوين… ويلاحظون بوكيهات الورد التي تخرج وتوضع في شنطة بعض السيارات الواقفة… وصدرت التعليمات إلى بوابة ساحة الفندق التي تقف فيها السيارات بمنع أي سيارة من الخروج لبعض الوقت بدعوى تعطل البوابة.

كان الصخب والموسيقى تملأ جنبات الفندق والتصفيق يرتفع عند ظهور إحدى المرشحات تخطو في ملابس البحر الضيقة… لم يكن أحد من الحضور يدرك أن ثمة مطاردة مثيرة بين رجال الشرطة وعصابة من أعتى عصابات تهريب الهيروين في العالم… وإن بعض المدعوين في ثياب السهرة هم إما من رجال الشرطة أو رجال العصابة.

وكان زعيم العصابة الضخم الجثة والذي يلبس ثيابا بألوان فاقعة وهو منهمك في التصفيق والضحك لا يدرك أن ساعته قد حانت… وقد كان من الممكن أن يصدر المفتش أوامره بالقبض عليه في هذه اللحظة فحركة دخول الورد وخروجه مرة أخرى لم تكن إلا وسيلة تهريب مبتكرة ولكن المفتش كان قد أدرك الحقيقة منذ سمع بهذه الحركة… وأدرك أن بوكيهات الورد الضخمة هي مخازن متنقلة للهيروين وقد جاءت كلها من محل واحد كما هو واضح من التيكت الموضوع عليها… وقد صدرت الأوامر بتفتيش محل الورد واتخذت الإجراءات القانونية اللازمة للقبض على صاحبه.

انتهى استعراض الجميلات… وانهمك أعضاء لجنة التحكيم في المناقشة وإعطاء الدرجات تمهيدا لإعلان الفائزة في المسابقة… وقد كانت نتيجة المسابقة مفاجأة للجميع ليس لأن الفائزة لا تستحق الجائزة فقط… ولكن لأن صور المتسابقات المعلقة في بهو الفندق كان فيها أكثر من واحدة تستحق الفوز… ولكن رئيس لجنة التحكيم أعلن أن عدم وجود الجميلات يعود لأن المصابات الأربع كن أجمل الجميلات… ولكن المرض منعهن من الحضور وكان لا بد من إجراء المسابقة في موعدها ففازت سامية حلمي بالجائزة الأولى لأنها أجمل الموجودات.

وأدرك المفتش على الفور أن تلاعبا قد تم في إجراء المسابقة لمصلحة سامية حلمي… ودار في رأسه سيناريو الأحداث… وكان لا بد من التصرف السريع مع بدء الحاضرين في الانصراف… وبهدوء وحسم تم احتجاز رجال زعيم العصابة (البودي جارد) بعيدا عنه، وظهر ضابطان طويلا القامة أحاطا بزعيم العصابة وطلبا منه أن يأتي معهما بهدوء.

حاول زعيم العصابة التملص وهدد وتوعد ولكن الضابطين اقتاداه رغما عنه بين دهشة الحاضرين… وادخلاه إلى غرفة مدير الفندق حيث كان المفتش سامي يجلس هادئا، وكان أمامه أمر النيابة بالقبض على زعيم العصابة وأعوانه… وبجواره بوكيه ورد ضخم في جانب الغرفة.

لم يكد زعيم العصابة يدخل حتى قال المفتش: يوسف حيدر!

صاح رئيس العصابة: أنا لست يوسف حيدر!

المفتش: إذن أنت منصور شلهوب!

زعيم العصابة: نعم… أنا منصور شلهوب!

المفتش: هذا ليس اسمك الأصلي يا حيدر… وجواز سفرك مزور!

حيدر: من أنت؟

المفتش: أنا المفتش سامي من إدارة البحث الجنائي!

حيدر: أنت لست المفتش سامي… فعندي صورة له حصلت عليها مقابل مبلغ كبير!

قام المفتش ودخل إلى دورة المياه فأزال تنكره، وعاد إلى الغرفة مرة أخرى فصاح حيدر: ما هذا؟

المفتش: دعك من كل هذا الكلام!!

وأشار المفتش إلى أحد رجاله فقام بفك بوكيه الورد الضخم، وسرعان ما ظهرت لفائف الهيروين البيضاء… كانت أربع لفافات كل منهما وزنه ربع كيلو!

بدأ زعيم العصابة يفقد توازنه وقال المفتش: لقد أدخلت إلى الفندق عشرة بوكيهات من الورد كل منها: كيلو من الهيروين أي عشرة كيلو جرامات هيروين ثمنها أكثر من عشرة ملايين جنيه كانت ستدخل جيبك الليلة… وقد تم القبض على أصحاب وسائقي السيارات التي كانت ستتسلم الورد المحشو بالهيروين!!

ظهر الذعر على وجه زعيم العصابة ومضي المفتش يقول: ثم نأتي إلى حادث تسمم ملكات الجمال… لقد طلبت من إدارة الفندق موافاتي بصور الملكات… واتضح أنه قد تم وضع السم في طعام أو شراب أجمل الفتيات لإخلاء الطريق لتفوز سامية حلمي وقد تم تصوير فيلم فيديو لك أثناء العشاء الذي أقمته لملكات الجمال… وقد بدا واضحا أنك تخص سامية حلمي بعنايتك وأنك تبادلت معها حديثا مطولا بعد انتهاء العشاء… لقد وافقت سامية حلمي على التعاون معك إذا استطعت أن تبعد من هن أجمل منها… وقد قام أحد رجالك بوضع السم في طعام أو شراب الجميلات اللاتي طلبت سامية… إبعادهن عن حفل إعلان النتيجة.

حيدر: أنا…

المفتش: لا داعي للحديث… فكل ما قلته لك تم تصويره وكل حواراتك ومكالماتك الهاتفية مسجلة… وسنحصل على اعتراف من أعوانك وصاحب محل الورد… فهل لديك أقوال أخرى!

حيدر: أريد محاميا!

المفتش: من حقك… وتستطيع إحضاره في الصباح عندما تعرض على النيابة!

وأشار المفتش لرجاله فسحبوا حيدر خارجا وهو لا يكاد يستطيع المشي… لقد خذلته ساقاه بعد أن انتقل من حالة النشوة والانتصار إلى حالة الذل والانكسار.

وهنا أيضًا تجِد.. القصة البوليسية: لغز اللص الصامت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top