قصائد مختارة للشاعر الهندي طاغور

تمت الكتابة بواسطة:

«مهلا يا قلبي، ليكن وقت الفراق عذبا، لا تدعه يصبح موتا بل تتمة».

حكاية الملاذ الإنساني إلى الأعماق ليست معنية بوصف أشعار رابندرانات طاغور. ربما كان أكثر بساطة مما ألبسنا لنصوصه من هالة ضوء أشك أنه أرادها لشعره. ما قرأته له كان انكسارات ضوئية متكررة لكنها لا تفقد الإيمان: «مهما يكن من شيء فإنني لن أرتكب الخطيئة الخطيرة: خطيئة فقدان الإيمان بالإنسان، والرضوخ للهزيمة التي حاقت بنا أخيرا على اعتبارها نهائية وحاسمة».

النور الهادئ الذي يأتي من المشرق هو ما تجده في أشعار طاغور، الشعر الذي يحمل الصورة الكاملة، كل نص يتكامل لرسم صورة بإطار محدد لكنها تمتد إلى خارجه. في نصوص الشعر الحديث يكثر أن تتجزأ الصور، حتى في نص واحد، لتحصل في النهاية على مجموعة صور قد لا تنسجم جميعها لتكوين نص مؤثر: «وصلت المنزل عند منتصف الليل بيدين فارغتين/ وأنتِ لدى الباب تنتظرين في يقظة وصمت، وفي عينيك الرغبة / وكعصفورة وجلة طرت إلى صدري، يدفعك حب تواق/ آه يا إلهي. إن شيئا كثيرا لا يزال باقيا معي، لأن حظي لم يخدعني، ويسلبني كل شيء».

في رواية «البيت والعالم» أتذكر توصيف طاغور للسرقة على أنها فعل كوني يقوم به شخص ولو في زاوية قصية من الأرض ليزيد من بؤس العالم كافة، فـ«تشوتا» ترى في سرقتها للمال سرقة كونية حين تجلس لتأمل النجوم في شرفتها: «كانت سماء الشتاء خلوا من الضباب، والنجوم تلمع، فقلتُ لنفسي وأنا راقدة هناك: لو كان علي أن أسرق هذه النجوم كالقطع الذهبية واحدة واحدة من أجل بلادي، هذه النجوم المحفوظة بعناية في حضن الظلام، إذا لعميت السماء، وترمل الليل أبدا، ورزأت سرقتي العالم كله. لكن هذا الذي فعلته.. أليس هذا أيضا سرقة للعالم كله، لا سرقة للمال فحسب.. بل للثقة والأمانة».

المدهش في طاغور هو أن تفاصيل كتاباته ليست أكثر من انكسارات متتالية حين يتم قراءتها في إطارها العام، الشعر الذي يلهث حول فكرة عامة، يمكنك أن تدرك أن الفن هو الملاذ الذهبي لهذا العالم كي يرى طريقه نحو المستقبل، وكيف أن مفردة «المشرق» جعلته مفتونا بأن على الشمس أن ترسل أشعتها الذهبية مرة أخرى من جهة الهند لتشرق على العالم.

حديثنا اليوم ليس منصبًا على رابندرانات طاغور لشخصه، وانما هي بعض قصائد مختارة مما كتب. ومن باب العِلم؛ فهو أول كاتب من أصول غير غربية يحصل على جائزة نوبل للآداب. وفي عام 1912 يقوده الملل على متن سفينة تقله إلى انجلترا؛ إلى ترجمة آخر أعماله الشعرية إلى الإنجليزية؛ بعنوان: قرابين الغناء.

بعد هذه المقدمة البسيطة.. أُقدم لكم ما اخترته من أشعاره..

لقد جاء الحب.. وذهب
ترك الباب مفتوحا ولكنه قال إنه لن يعود

لم أعد أنتظر إلا ضيفا واحدا
أنتظره في سكون

سيأتي هذا الضيف يوما
ليطفئ المصباح الباقي

ويأخذه في عربته المطهمة بعيدا.. بعيدا
في طريق لا بيوت فيه ولا أكواخ

ذكراي..

حين تسمعين الضحكات
ستذكرين دموعي..

وحين ترين الغدر
ستذكرين وفائي..

وحين تشعرين بقسوة البشر
ستذكرين شفقتي

وستبكين..
كما بكيت أنا من قبل

وسيغدر بك الزمان
كما غدرتِ أنتِ بي

وسيقسو عليك البشر
كما قسوتِ عليّ

تلك نبوءتي
يا طفلتي المسكينة

فليتها كاذبة
وليتك لا تذكرينني

فإن في ذكراي
شقاء وحسرة


التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: