خطبة: فضل يوم عرفة وسنة الأضحية – مكتوبة

خطبة: فضل يوم عرفة وسنة الأضحية – مكتوبة

مقدمة الخطبة

الحمد لله ﷻ نحمده، ونستغفره، ونعوذ بالله ﷻ من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله ﷻ فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﷺ.

أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة.

الخطبة الأولى

أما بعد عباد الله، فقد أخرج البخاري في صحيحه، وأبو داود في سننه عن ابن عباس –رضي الله ﷻ عنهما– قال: قال رسول الله ﷺ «ما من أيامٍ العمل الصالحُ فيها أحب إلى الله ﷻ من أيام العشر»، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله يا رسول الله؟ فقال ﷺ «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء».

فهذا الحديث عباد الله، يدل على فضل هذه الأيام، وعلي مكانة هذا الموسم العظيم عند الله رب العالمين، فوالله إنها نعمة من أجل النعم، أن ندرك هذا الموسم الطيب المبارك، الذي هو أفضل الأيام عند الله رب العالمين، قال النبي ﷺ «أفضل الأيام عند الله، أيام العشر»؛ يعني أيام العشر الأول من شهر ذي الحجة.

أفضل الأيام عند الله، أيام العشر

فهذا هي أفضل الأيام عند الله رب العالمين، وأما أفضل أيام الآخرة، فهو يوم المزيد، يوم يتمتع أهل الإيمان بالنظر إلى وجه ربنا الكريم، فاللهم لا تحرمنا لذة النظر إلى وجهك الكريم.

أقسم الله رب العالمين بهذه الأيام في القرآن المجيد، فقال ﷻ ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾.

قال أهل العلم هي أيام العشر الأول من هذا الشهر الكريم الذي نحياه عباد الله، وأقسم الله ﷻ بها، وهذا يدل على مكانتها وفضلها، وعلى عظيم منزلتها، وعلى شرف قدرها عند الله رب العالمين، فالله ﷻ ما أقسم بها إلا لأن لها شرف عظيم وفضل كبير.

ينبغي على العبد الذي أحياه الله ﷻ، حتى بلغه هذا الموسم المبارك أن يُقبل فيه على الطاعات، وأن يستكثر فيه من أعمال الصالحات، وأن يقبل إقبالاً شديدًا على طاعة الله رب الأرض والسماوات.

فليقبل العبد على طاعة الله، وليحافظ على الفرائض التي فرضها الله رب العالمين، وليتزود من الصيام لوجه الله ﷻ.

فقد ثبت أن نبينا ﷺ كان يصوم هذه الأيام، فما كان يدع صيام عاشوراء، ولا ثلاثة أيامٍ من كل شهر، وما كان يدع أي؛ وما كان يترك صيام العشر الأول أو التسع الأول من هذا الشهر العظيم.

أكثروا من الطاعات في عشر ذي الحجة

فكان نبيكم ﷺ يصوم هذه الأيام طاعة لله رب العالمين، فينبغي على العبد أن يتوب فيها إلى الله، وإن يُكثر فيها من ذكر الله، وإن يكثر فيها من الصلاة والسلام على رسول الله، وإن يكثر فيها من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير لله رب العالمين.

إذا دخلت العشر وكان لأحدكم ذبحٌ يريد أن يذبحه، فلا يأخذن من شعره ولا من ظفره شيئا، كما أمر النبي ﷺ.

الأضحية عبادة عظيمة

والأضحية عباد الله، هي عبادة عظيمة، من العبادات التي يتقرب بها العبد إلى الله رب العالمين، هذه الشعيرة التي تذكرنا بما كان على عهد خليل الرحمن، عليه وعلى نبينا –الصلاة والسلام–، تذكر بما كان من أمر الذبيح، وتذكر بما كان من أمر تعظيم الخليل لأمر الله رب العالمين، فشرعها الله رب العالمين لنا.

ما هي الأضحية؟

فهي أي: الأضحية هي اسم لما يذبح في أيام العيد من بهيمة الأنعام تقربا إلى الله رب العالمين، ما هي الأضحية؟ الأضحية هي اسم لما يذبح من بهيمة الأنعام في أيام العيد تقرباً إلى الله رب العالمين.

هي عبادة جليلة، وهي عبادة عظيمة، شرعها الله رب العالمين وحثنا عليها النبي الكريم وفعلها الصحابة –رضي الله ﷻ عنهم– أجمعين، قال ﷻ ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾، أي: اجعل صلاتك لله، واجعل ذبحك لله رب العالمين، لأن هذا الذبح عبادة، والعبادة لا تكون إلا لله ﷻ، فالعبد المسم الذي شرفه الله ﷻ بالانتساب لأمة محمد ﷺ، لا يذبح لولي، ولا يذبح لجني، ولا يذبح إلا لله رب العالمين.

﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي﴾، قال أهل العلم أي: ذبحي، ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، لا شريك له، فصلاتي لله، وكما أن صلاتي لله فذبحي أيضًا لله رب العالمين.

الذبح عبادة

الذبح عبادة، فلا يكون إلا لله، فالعبد يذبح أضحية أو عقيقة أو نذرًا، هذا يجعله لوجه الله رب العالمين وحده، لا يذبح لأحد من الخلق كما يفعل بعض الناس.

إذا ما أستحدث بيتاً يريد أن يذبح حتى يطرد الجن من بيته، وهذا لا يجوز، وإنما يذبح لله رب العالمين، شكرًا لله على نعمه على عبده.

وكالذين يذبحون عند حفر بئر، حتى يدفعون الجن عنها، فهذا محرم في دين الله رب العالمين، وكالذبح الذي يكون في حفلات الزار، وكالذي يذبح إذا طلب الكاهن منه ذبيحة فكل ذلك محرم في شريعة محمد ﷺ.

إنما تذبح لتطعم نفسك وأولادك، وإن كنت جزارًا تذبح حتى ينتفع الناس منك، وإن كنت متقربًا لله، فتذبح أضحيتك أو عقيقتك ابتغاء مرضاة الله رب العالمين، فهي عبادة.

ومن ذبح لغير الله فهو ملعون على لسان رسول الله ﷺ، إن ذبحت لغير الله، فاعلم أن الذي لعنك هو رسول الله ﷺ، قال «ملعون من ذبح لغير الله» لأن من ذبح لغير الله فقد أشرك بربه، وقال ﷺ «لعن الله من ذبح لغير الله رب العالمين»، والملعون: هو المطرود المبعد عن رحمة الله رب العالمين.

فما الذي يجعل العبد يطرد عن رحمة الله وعن مغفرته، الشرك بالله رب العالمين، ومن ذبح لغير الله فقد أشرك بربه، فالذبح لا يكون إلا لله، فعلها النبي ﷺ أي ذبح الأضحية، فلما صلى ﷺ العيد، أتى بكبشين أملحين، وسمى وكبر، وذبح بيده الشريفة.

طريقة الذبح

فالنبي ﷺ بعدما فرغ من الصلاة ذبح بيده، فعلى العبد إن كان يجيد الذبح أن يذبح بيده سنة عن النبي ﷺ.

ومن لم يكن للذبح مجيدا فليستأجر، وإذا ذبح الذابح فليسم الله وليكبر، بسم الله والله أكبر كما فعل النبي الأكرم ﷺ، وليضع قدمه على جانب العنق، حتى يتمكن من الذبح مسرعا، وحتى يريح الذبيحة، وحتى لا تتحرك فتؤذي الذابح كما فعل ﷺ.

وكان الصحابة على عهد النبي ﷺ يضحون لله رب العالمين، فلقد أقام ﷺ في المدينة عشرة، يذبح لله ويضحي لله رب العالمين، فهذه سنة مسنونة عن رسول الله ﷺ، وأجمع علماء الإسلام على مشروعيتها، وأنها شعيرة من شعائر هذا الدين العظيم، وأن فضلها عند الله عظيم.

فيجب القادر ألا يحرم نفسه من فضل الله رب العالمين، فإذا قلت يا عبد الله على من تجب قال أهل العلم: تجب على العبد القادر، لقول النبي ﷺ «من كانت له سعة» أي من كانت عنده قدرة، من وسع الله عليه وأفاض عليه من خيره وأعطاه من نعمه «من كانت له سعة فلم يضحي»، ومع ذلك مع هذا الخير ومع هذا الفضل، ومع هذا الإنعام لم يضحي تقربًا إلى الله رب العالمين يقول له النبي الكريم ﷺ «فلا يقربن مصلانا».

إذا كان الله أعطاك من فضله، ومع ذلك لم تضح تقربا إليه، وكنت واجدًا غنيا مستطيعا، فلا تقربن مصلانا، أي فلا حاجة أن تأتي لتصلي معنا لله رب العالمين.

أيهما أفضل؟ أن يضحي العبد لله؟ أم أن يتصدق بالثمن لوجه الله رب العالمين؟

فالعبد القادر ينبغي عليه أن يفعل هذا تقربا إلى الله رب العالمين، هل الأضحية أفضل؟ أم أن يتصدق العبد بثمنها لوجه الله رب العالمين أفضل؟ أيهما أفضل؟ أن يضحي العبد لله؟ أم أن يتصدق بالثمن لوجه الله رب العالمين؟

إجماع أهل العلم؟ على أن الأضحية أفضل من التصدق بثمنها ولو كان الثمن أكثر؟ هذا هو فعل النبي الأكرم ﷺ، النبي ﷺ مع حاجة الناس، ومع فقر الصحابة –رضي الله ﷻ عنهم–، ومع ذلك كان يضحي، وكان يأمر بها ﷺ، حتى في عام الجدب، حتى في عام القحط، حتى في عام المجاعة، ما قال للصحابة رضوان الله عليهم تصدقوا بثمنها فإخوانكم أحوج إلى المال، وإنما أمرهم بذبحها، وأمرهم أن يعطوا منها الفقراء والمساكين والمحتاجين من أمته ﷺ.

ولو تصدق الناس بثمنها، وتركوا الأضحية لله رب العالمين، لتعطلت شعيرة من شعائر هذا الدين العظيم، الله ﷻ أمر بها، فهؤلاء الذين يستحسنون بعقولهم، ويزنون الأمور من جهة آرائهم ينبغي عليهم أن يعرضوا أفكارهم وآراءهم على كتاب الله وعلى سنة رسوله.

فما وافق الكتاب والسنة قُبل، وما لم يوافق رُد على قائله ولا كرامة، فنبيكم ﷺ ضحى وأمر بها حتى في عام الجدب والقحط والمجاعة، وأمر بالتصدق منها ﷺ.

فهذه شعيرة الأضحى، فينبغي أن نحافظ عليها، كشعيرة الفطر، ففي الفطر نقول للناس: أيها الناس رسول الله ﷺ أخرج حبوبًا وأمر بإخراجها حبوبًا، فيتعللون، إن المال أنفع للفقير، والفقير يحتاج إلى المال، كذلك يقولون ها هنا: المال أنفع، والفقير يحتاج إلى المال، قل أأنتم أعلم أم الله، الله ﷻ هو الذي شرع ذلك على لسان نبيه.

فالعبد منا الطائع لله، العبد الطائع لله المتبع لنبيه ومصطفاه لا يتحرك إلا بقال الله، وقال رسول الله ﷺ، يقولون هنالك: إن الناس يبيعون الحبوب بثمن بخس، وكذلك ها هنا يبيعون اللحم بثمن بخس، فيريدون أن يعطلوا شعيرة الفطر كما يريدون أن يعطلوا شعيرة الأضحى، بحجة أن الناس يبيعون، والناس يبيعون إما لأننا أعطينا من لا يستحق، أو أعطينا من يستحق أكثر مما يستحق.

وماذا عليك؟ أنت تفعل ما به، والفقير يفعل فيها ما يشاء، لا إثم عليك ولا حرج، وإنما أنت تفعل ما أمرت به، وما شُرع لك، ولا تزن الأمر بعقلك وهواك، فتهلك، وإنما عظم ما جاءك عن الله، وعظم ما جاءك عن رسول الله ﷺ.

مما تكون الأضحية؟

مما تكون الأضحية؟ إذا أردت إن تضحي، فمن أي شيء تكون الأضحية؟ لا تكون إلا من بهيمة الأنعام، وهي الإبل، وهي البقر يشمل الجاموس، وهي الغنم؛ شياة وضأن، هذه هي الأنواع، التي يجوز لك أن تضحي منها، ولا يجوز لك أن تضحي بغير ذلك أبدا، لأن الناس يشتهر عند بعض العوام أن تكون الأضحية بذوات الأربع حتى ولو كان أرنبا، وهذا أمر لا يشرع في دين الله رب العالمين.

إنما اذبحه وكله وأطعمه أهل بيتك، ولكن لا يكون أضحية أبدا، إنما الأضحية لا تكون، ولا تجزئ، إلا من الإبل، والبقر والغنم شياة وضأن كما سن لنا ذلك النبي ﷺ.

وأما ما هو مشهور عند العام أن بلالاً –رضي الله ﷻ عنه– ضحى بديك، ثم جاء إلى النبي ﷺ، فقال «يا بلال بماذا ضحيت لله الكبير المتعالي؟» قال ضحيت بديك يا رسول الله فقال ﷺ «مؤذن ضحى بمؤذن» فهذا لا أصل له في كتب الحديث عن رسول الله ﷺ، لا أصل له، لا في الأحاديث الصحيحة، ولا حتى في الأحاديث الضعيفة، إنما هو مما اشتهر على ألسن الناس ولكنه لم يرد على لسان سيد الناس ﷺ.

فإذا أردت تضحي فلا تخرج عن هذه الأنواع ﴿الإبل والبقر والغنم﴾.

ما هو السن؟ جعل لنا النبي ﷺ سناً معلومًا، وجعل لنا سنًا محدودا، فلا يجوز لك أن تذبح أقل من هذا السن، وإلا لم تكن أضحية، وانتبه لهذا جيدًا، يقول النبي ﷺ «لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فلا تذبحوا إلا جذعة من الضأن» لا تذبحوا إلا مسنة، وهذا الأسلوب يعرف عند أهل اللغة، بأسلوب الحصر والقصر، كما تقول: لا إله إلا الله، أي لا معبود بحق إلا الله، كذلك «لا تذبحوا إلا مسنة» أي لا يجوز لكم، إذا أردتم أضحية أن تذبحوا إلا ما بلغت السن.

وما هو السن؟ الجذعة من الضأن، من الضأن خاصة ما تم لها ستة أشهر وكانت سمينة عظيمة، والشاة أي الماعز لا يجوز لك أن تذبح إلا ما كمل لها سنة، ودخلت في الثانية.

والبقر والجاموس، لا يجوز لك أن تذبح إلا إذا بلغت سنتان، ودخلت في الثالثة، أما أقل من ذلك فلا يجوز لك، ولو كانت ثمينة عظيمة، فإن هذا السن حدده النبي ﷺ.

وأزيدك، جاء الرجل إلى النبي ﷺ يريد أضحية، ولا يملك إلا شاة ما تمت سنة، فقال: يا رسول الله عندي شاة أي: شاة لبن، ما بلغت سنة، ولكنها أسمن وأفضل من شاتين يا رسول الله، يعني هي أسمن وهي أكثر لحماً وهي أعظم من شاتين مما بلغت السن، فقال له النبي ﷺ «اذبحها ولن تُجزئ عن أحد بعدك» وفي رواية «لن تجزئ عن أحد غيرك» فكان ذلك خاصًا بهذا الصحابي المبارك من النبي ﷺ.

يقول لن تنفع لأحد من الأمة إلى يوم القيامة بعدك، ولن تنفع لأحد من الناس غيرك، فدل ذلك على أن السن معتبر.

أما الذين يفتون، على الهواء مباشرة، لأنه ينبغي أن تكون سمينة عظيمة ولا تلتفت إلى السن أقول: قال النبي ﷺ «لا تذبحوا إلا مسنة» فإذا لم نجد ماذا نصنع يا رسول الله؟ قال «فإن عُسر عليكم فاذبحوا جذعة من الضأن» فأباح لنا في عدم وجود السن ألا نذبح إلا جذعة وهي ما بلغت ستة أشهر على قول بعض أهل العلم من الضأن خاصة، فهذا هو السن المعتبر شرعا فانتبه إليه، واجعله أمامك، ولا تلتفت إلى ما خالف ذلك، وهذا كلام نبيك وأمامك ﷺ.

متى يكون الذبح؟

متى يكون الذبح؟ متى اذبح؟ الذبح لا يكون، إلا بعد صلاة العيد، فمن ذبح قبل الصلاة فهو لحم قدمه لأهله كما قال النبي ﷺ «من ذبح قبل الصلاة، فهو لحمٌ قدمه لأهله» لم يصب فيه سنة النبي ﷺ، هو صدقة من الصدقات، ولا يكون أضحية.

أما من ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه، وأصاب سنة المسلمين كما قال النبي الكريم ﷺ.

والأولى أن تبدأ بالذبح بعد الصلاة وبعد سماع الخطبة، فإن رسول الله ﷺ كان يصلي بالناس، وكان يخطب بهم، وكان يأخذ أضحيته ليشهدها الناس لإظهار شعيرة الله رب العالمين فيذبحها بعد أن يخطب ﷺ، فيذبح واحدًا أي: كبشًا أملحاً أقرناً، «اللهم هذا عن محمد وعن آل محمد ﷺ، وهذا عن من لم يضحي من أمة محمد ﷺ».

فمن لم مستطيعًا ولم يكن قادرًا فقد ضحى عنك رسول الله ﷺ، فتذبح بعد سماع الخطبة كما هو هدي رسول الله ﷺ، وينتهي الذبح بغروب آخر يوم من أيام التشريق، وهو اليوم الثالث عشر.

فيكون للذبح أربعة أيام، يوم العيد وثلاثة أيام بعده كما حدد النبي ﷺ، فهذا هو الوقت.

فمن ذبح قبله فهو لحم قدمه لأهله، ومن ذبح بعد هذه الأيام فلم يُصب هدي النبي الإمام ﷺ.

والشاة تُجزئ عن الرجل وعن أهل بيته، فعن عطاء بن يسار –رضي الله ﷻ عنه–، قال: يا أبا موسى كيف كانت الأضاحي فيكم؟ على عهد رسول الله ﷺ، فقال –رضي الله ﷻ عنه–: كان الرجل منا يذبح الشاة عنه وعن أهل بيته كما دلهم على ذلك النبي ﷺ.

فالشاة التي كمل لها عام ودخلت في الثاني تُجزئ عنك وعن أهل بيتك أحياءً وأمواتا، فإنك إن ضحيت، تقول عند ذبح أضحيتك: اللهم هذا منك وإليك أضحية فلان ابن فلان عنه وعن أهل بيته، فتقبل مني يا رب العالمين.

والبقرة تجزئ عن سبعة، والبعير يجزئ كذلك عن السبعة، كما بين النبي ﷺ، فعن جابر –رضي الله ﷻ عنه–، قال: كنا مع النبي ﷺ، عام الحديبية، فأمرنا أن ننحر البقرة يشترك فيها سبعة، والبعير يشترك فيه السبعة، فأشركهم ﷺ، كل سبعة في بقرة أو كل سبعة في بعير.

وما يفعله الناس في هذه الأيام من أن يكون الأربعة في بقرة فهذا أمر حسن إن شاء الله رب العالمين، وإما أن يشترك اثنان في ربع، فهذا لا يجزئ، إذا دخل الاثنان في ربع، هذا لا يجزئ، وإذا دخل الثلاثة في نصف فهذا يجزئ.

ينبغي أن يكون في هذه الأضحية السبع، ولا ينزل منه إلى الثمن، فإذا دخل اثنان في الربع فقد أفسدها بعضهم على بعض، فلا تكون إلا على سبعة، بالتساوي بينهم، وإن كانت على أربعة فلا بأس، وإن دخلت ثلاثة في نصف فلا حرج، لأن أقل نصيب سيكون السدس، وهو جائز إن شاء الله رب العالمين.

ينبغي على العبد إذا ضحى لله ﷻ، إن يأكل منها، وأن يتصدق على الفقراء من أمة رسول الله، وأن يُهدي منها للأقارب، ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾، وقال النبي ﷺ «كلوا وأطعموا وادخروا» فتأكل، وتعطي صدقة للفقراء مساكين، الهدية للأقارب والأغنياء، والصدقة للمساكين والفقراء من أمة النبي ﷺ.

وينبغي عليك أن تلحظ أمرا عظيما، أن هناك عيوب، إذا وجد منها عيب فلا تكون الأضحية مقبولة عند الله رب العالمين، يقول النبي ﷺ «أربع لا تُجزئ في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين عرجها، والهزيلة التي لا تنقي» العجفاء كما قال النبي ﷺ، وهي الهزيلة التي أصابها الضعف من شدة الهزاز.

ينبغي أن تكون سمينة، كما قال بعض الصحابة –رضي الله ﷻ عنهم– أو بعض التابعين، قال: كنا نثمن الأضاحي، تنبغي تكون سمينة عظيمة، فإن كانت عوراء فلا تُجزئ في الأضاحي، وإن كانت عرجاء فلا تجزئ في الأضاحي، العرجاء البين عرجها، وإن كانت مريضة بين مرضها أي؛ ظاهر واضح، فلا تجزئ في الأضاحي، لأن العبد قد يُعين أضحية عنده في بيته، وإذا بالمرض يأتي على أختها فيبادر بذبح المريضة ويترك السليمة، ويقول هذه بدلا من هذه.

ينبغي عليه أن يعلم أن المريضة البين مرضها نهى عنها النبي ﷺ، والهزيلة الضعيفة نهى عنها النبي ﷺ.

ضحوا تقبل الله ضحاياكم

عباد الله، ضحوا تقبل الله ضحاياكم، واحرصوا أن يكون الذبح لله، وأعطوا منها من الأقارب والفقراء والمساكين، وتعهدوا بها الجيران، ولا تنسوا اليتامى والأرامل.

واسألوا الله ﷻ أن يتقبل منكم، واعلموا أن أجرها عظيم، وأن ثوابها كبير، عند الله رب العالمين، فهي من أعظم شعائر الإسلام.

ولا ينبغي لعبد قادر أن يفرط أو يقصر في فعلها، وفقنا الله رب العالمين جميعا، إلى ما يحبه ويرضاه.

أقول قولي هذا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ﷺ.

⬛️ وهنا خطبة: مفهوم العمل الصالح وفضائل العشر – مكتوبة

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده، وصلاة وسلاما على من لا نبي بعده، نبينا وإمامنا محمد ﷺ وعلي صحبه ومن تبعه إلى يوم الدين.

عباد الله وقف النبي ﷺ على عرفات، وقال لبلال –رضي الله ﷻ عنه– «يا بلال أنصت لي الناس» فقال بلال: أيها الناس أنصتوا لرسول الله ﷺ، فأنصت الناس، فقال النبي ﷺ «إن جبريل –عليه السلام– قد جاءني آنفا» أي من وقت قريب، جاءني من وقت يسير «فأقرأني من ربي السلام، وأخبرني أن الله ﷻ قد غفر لأهل عرفات، ولأهل المشعر الحرام، وتحمل عنهم التبعات» فقال عمر: يا رسول الله أهذا لنا خاصة؟ أي هذه المغفرة، وهذا الفضل من الله رب العالمين، لنا خاصة أي؛ لهذا الجمع خاصة، قال النبي ﷺ «بل لكم، ولمن جاء بعدكم إلى يوم القيامة» فقال عمر: يا رسول الله كثر خير الله وطاف، كثر خير الله وطاف، أي؛ هذا خير كثير، وفضل من الله عظيم، أن يغفر الله لأهل عرفات، ولأهل المشعر الحرام من أيام النبي ﷺ إلى قيام الساعة، فاللهم لا تحرمنا الوقوف على عرفات يا رب العالمين.

يوم عرفة يوم المباهاة

يوم عرفة، يباهي الله رب العالمين بأهل عرفة ملائكته، يتباهى بأهل عرفة، يباهي بهم الملائكة، يقول لملائكته، انظروا إلى عبادي شعثا غبرا، قد جاءوني من كل فج عميق، أفيضوا عبادي مغفورا لكم ولمن شفعتم فيه.

فيوم عرفة هو يوم المباهاة، وهو يوم المغفرة، وهو من أكثر الأيام التي يعتق فيه الله العباد من النار، كما قال نبيكم المختار ﷺ ما من يوم أعظم من أن يعتق الله ﷻ فيه عبيده من النار، من يوم كما قال النبي ﷺ، فيوم عرفة يوم عظيم، يوم جليل القدر عند الله رب العالمين.

فينبغي علينا إن لم نكن على عرفات، من كان على عرفات، فهنيئا له فضل الله رب العالمين، وأما نحن فيجب علينا عباد الله، إن نكون في هذا اليوم صائمين لله رب العالمين، يقول ﷺ عن صيام عرفة «صوم يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر بصيامه ذنوب سنة فائتة وسنة قادمة» كما أخبركم النبي ﷺ.

يا له من ثواب عظيم، ويا له من شرف كبير، لأمة رسول الله، يعملون قليلاً ويؤجرون كثيرا بفضل الله رب العالمين، فيصومون لله يوما، يغفر لهم بصيامه ذنوب سنتين، والله رب العالمين هو صاحب المن والفضل.

فالفضل فضله، والمن منه، والكرم كرمه، ذنوب سنتين، بصيام يوم لله، فإن كنت في الأيام العشر في الصيام مقصرا، وعن الصيام متكاسلا، فإياك أن يفوت منك عرفة.

احرصوا على صيام يوم عرفة

عباد الله، احرصوا على صيام هذا اليوم، واحتسبوا ثوابكم وأجركم على الله، فإن رسول الله وعدنا أن يغفر الله لنا ذنوب سنتين، وأكرم به من فضل عظيم، كثر خير الله وطاب.

صيام عرفة يكون لغير من وقف بعرفة، وأما من كان بعرفة واقفا فلا صيام هنالك، لما سُئل بعض أهل العلم عن ذلك، قال: لأنهم أضياف الرحمن، والرحمن لا يشيع أضيافه، لما سئل الرجل لماذا نصوم؟ وهم هنالك على عرفات لا يصومون، قال: لأنهم زوار الله وفد الله، أضياف الله، والرحمن –جل في علاه– لا يشيع أضيافه، لأنه كريم –عز وجل–.

خير الدعاء دعاء يوم عرفة

فينبغي أن نصوم وينبغي أن نكثر من الدعاء لله رب العالمين، قال النبي ﷺ «خير الدعاء، دعاء يوم عرفة»، فعليك بالإكثار من الدعاء فيه، وما أن تكون في كل ساعة ترفع أكف الضراعة إلى الله، وتسأل ربك من خيره وفضله، فهو الذي قال ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ فأمرنا بالدعاء ووعدنا الإجابة.

فارفعوا إليه أكف الضراعة، في هذا اليوم العظيم، فخير الدعاء دعاء يوم عرفة، وعلينا أن نُكثر فيه، من قول: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، قال عنها الرسول ﷺ «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير» فأكثر فيه من شهادة التوحيد لله، وأكثروا فيه من التكبير عقب الصلوات وفي الطرقات، وفي البيوت والخلوات.

كبروا الله كثيرا، واذكروا الله فيه ذكرا كثيرا، وسبحوه بكرة وأصيلا.

وينبغي على العبد أن يحفظ فيه جوارحه، وأن يملك سمعه، وأن يملك لسانه، وأن يملك بصره، وأن يحفظ الجوارح، لأن العبد مع صيامه وإقباله على ربه، قد يفعل ذنبا يُحبط به عمله.

فعلى العبد أن يحافظ على صيامه، وعلى العبد أن يحافظ على طاعته وأفعاله، وعلى العبد أن يصون يومه من اللغو والرفث، وما أكثر اللغو، وما أكثر الرفث.

من أعظم أنواع اللغو أي؛ الكلام الفاحش هو أن يسعى العبد في الإفساد بين الناس، وأعظم أنواع الإفساد الإفساد بين الأخ وأخيه، أو بين المرء بين الرجل وامرأته، يقول النبي ﷺ «ليس منا، من خبب امرأة على زوجها» يتبرأ النبي ﷺ ممن سعى بالإفساد بين الناس وبين الزوجين، لأنه ساعٍ في خراب البيوت، وهذا لا يرضاه الله رب العالمين.

من أراد لنفسه خيرا فليسعى بالإصلاح بين الناس، فهذا من أفضل الأعمال عند الله رب العالمين، وأما من يسعى بالإفساد بينهم فقد برئ منه الرسول ﷺ.

فليتأمل العبد في صالحه، وليحرص العبد على ما ينفعه، وليقبل العبد على ربه، وليتبع هدي نبيه وليري ربه منه خيرا، إقبالا على الطاعات، وصوناً للجوارح عن المحرمات والمنكرات، وذكرًا ودعاءً لله رب الأرض والسماوات، لأنك يا عبد الله ستخرج من الدنيا وحدك، وتبعث بين يدي الله وحدك، وتقف يوم القيامة وحدك، وتحاسب بين يدي الله وحدك، فاحرص، فاحرص على نجاتك، واحرص على خلاصك، وانظر في عاقبة أمرك، فهذا موسم عظيم مبارك.

أحمد الله الذي أحياك، حتى بلغك إياه، فاشكر الله على هذه النعمة، وأرِ الله رب العالمين منك خيرا، لعل الله ﷻ أن يطلع عليك، فيغفر لك ما كان، ولعل الله أن يطلع عليك فيعفو عن جميع الخطايا والأوزار، لعل الله أن يطلع عليك فيكتب لك رضوانه، فلا يسخط عليك أبدا.

أقبل، فماذا تنتظر يا عبد الله؟ أقبل على الله، فأيام قلائل، ويرحل الموسم إلى الله رب العالمين، فتعرضوا لنفحات الله في مواسم الخيرات، لعل الله ﷻ أن يتقبل منا، ولعل الله ﷻ أن يغفر لنا، ونسأل الله ﷻ في عليائه أن يغفر لنا وأن يرحمنا.

الدعاء

  • اللهم اغفر لنا وارحمنا، اللهم عافنا واعف عنا، اللهم تجاوز عن سيئاتنا.
  • اللهم أصلح لنا أحوالنا، اللهم كفر عنا سيئاتنا.
  • اللهم اغفر لنا خطايانا، اللهم اغفر لنا وارحمنا.
  • اللهم اكتب لنا حج بيتك الحرام، اللهم اكتب لنا حج بيتك الحرام، اللهم احملنا إليه حجاجا ومعتمرين.
  • اللهم لا تحرمنا فضلك العظيم.
  • اللهم لا تفرق جمعنا إلا وقد غفرت لنا، وعفوت عنا، وسترت عيبنا، وغفرت ذنبنا، وقضيت ديننا، ويسرت أمرنا، وفرجت كربنا.
  • اللهم حرم أجسادنا على النار، اللهم لا تشوي خلقنا بالنار، اللهم نجنا من النار ومن عذاب النار، اللهم اجعلنا من عتقائك من النار.
  • اللهم استرنا في الآخرة كما سترتنا في الدنيا.
  • اللهم اجعل هذه الأيام أيام خير وبركة على أمة الإسلام، اللهم أهلها علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام والتوفيق لما تحب وترضى.
  • اللهم اجعلنا آمنين مطمئنين، اللهم اجعل ديارنا أمنا أمانا، وسائر المسلمين.
  • اللهم احفظ مصرنا وشعبها، واحفظ مصر وجيشها، ووفق ولي أمرها.
  • اللهم عليك بالمفسدين، وعليك بالخونة يا رب العالمين، وعليك بالمفجرين، وعليك بالخائنين.
  • اللهم سلمنا ونجنا من المهالك يا رب العالمين، اللهم عليك بمن عادانا، وعليك بمن آذانا، وعليك بمن ظلمنا، اللهم أرنا فيهم آية، ولا ترفع لهم راية.
  • اللهم إنا نسألك حسن الختام، والوفاة على ملة الإسلام، وأدخلنا الجنة بسلام، واجعل آخر كلامنا من الدنيا، لا إله إلا الله، محمد رسول الله ﷺ.

وأقم الصلاة.

أضف تعليق

error: