خطبة: لماذا خلقنا الله؟ «كاملة» مكتوبة

خطبة جمعة مكتوبة عن لماذا خلقنا الله؟

واحِدة من خُطَب الجمعة الهامة والجوهرية والمحورية، بل والأوَّلية في الدين الإسلامي. خطبة: لماذا خلقنا الله؟ والتي يجب أن تكون محور خُطب كثيرة وليست مجرَّد خطبة واحدة. فهذا السؤال والإجابة عنه يُمكِن أن يُتناوَل في مجموعة خُطب منبرية؛ فهناك الكثير من النقاط والمحاور التي سيجدها الخطيب ليُنهي خطبة مثل هذه؛ فهل ستكفيه مجرَّد خطبة؟

الآن؛ ونحن في ملتقى الخطباء بموقع المزيد؛ ندعوكم إلى الاطلاع على هذه الخطبة المبارَكة؛ وتنتظرونا في غيرها، بمشيئة الله ﷻ.

مقدمة الخطبة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا | يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

الخطبة الأولى

أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله ﷻ، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.

يسأل الإنسان نفسه في هذه الدنيا أسئلة إذا كان يعقل ويتفكر ويخرج عن مجرد كونه في هذه الدنيا، يعيش كما تعيش الأنعام يأكل ويشرب وينام.

إذا نظر إلي نفسه فإنه لا بد أن يسأل نفسه أسئلة ولا بد أن ينظر في أمور متعددة.

من هذه الأسئلة التي قد يقع من بعض الناس سؤالٌ وتردد وبحث فيها، خصوصا إذا كانوا ناشئين في غير بيئة الإيمان، سؤال من خلقنا؟ وكيف وجدنا في هذه الدنيا؟

سؤال ثان بعد هذا لماذا خلقنا ووجدنا في هذه الدنيا؟ السؤال الثالث ما الذي ينبغي أن نكون عليه في هذه الدنيا؟ وأن نكون له عاملين وصانعين في هذه الدنيا؟

السؤال الرابع ما آخر هذه الحياة الدنيا؟ وما نهاية الحياة الدنيا؟ وهنا يأتي سؤال أيضا تابع لهذا السؤال الرابع وهو ما بعد هذه الحياة الدنيا؟

ويتلخص هذان السؤالان في سؤال واحد وهو ما المستقبل؟ أي ما هو الشيء الذي يستقبل منا ولنا، ويكون فيما بعد لحظتنا وساعتنا ويومنا هذا.

من خلقنا؟

بالنسبة للسؤال الأول من خلقنا؟ فإن الناظر ينظر ويعلم أنه لا يمكن أن يكون خلق نفسه، فإنه لا بد له من خالق موجد، ولا يمكن أن يكون مخلوقًا من غير شيء.

فالإنسان الموجود فضلا عن غيره من المخلوقات والموجودات المصنوعات المحدثات لا يمكن أن يكون بهذا التكوين العجيب، وبهذا البناء، وبهذا الترتيب الذي يراه من نفسه فضلا عما حجب عنه، فضلا عما يجهله مما يمكن أن يعرفه عن نفسه وعن سائر المخلوقات.

يعلم أن هذه المخلوقات لا يمكن أن توجد من غير شيء، إذا هذه المخلوقات كلها لا يمكن أن يكون شيء منها خلق نفسه، فضلا عن أن يكون خلق غيره.

ولا يمكن أن تكون موجودة من غير خلق، من غير شيء. حاول الملاحدة محاولات كثيرة، واخترعوا نظريات عديدة، وتكلموا بكلام كثير، وخاضوا في أمر خطير لأجل أن يقولوا إننا قد وجدنا من غير شيء، أو وجدنا من أصل ليس له أصل، أو أو أو إلى آخره، فلم يستطيعوا أن يظفروا بشيء ولا أن يجدوا شيئا.

دلائل وجود الله ﷻ

والذي يتأمل في واقع الأمر يجد أن إنسان مفطور على أن يدرك وجود الله ﷻ، يجد أن فطرته تدله على وجود الله ﷻ.

وهذا الموجود الذي هو موجود قبل كل شيء هو خالق كل شيء.

البعر يدل على البعير وأثر الأقدام يدل على المسير، سماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، لا شك أنها غيرها من كثير من المخلوقات تدل على اللطيف الخبير ﷻ.

فالفطرة دالة على أن الله ﷻ موجود ثم هو موجود قبل كل شيء ثم هو الخالق لكل شيء فهو الأول الذي ليس قبله شيء وهو الآخر الذي ليس بعده شيء.

الفطرة تدل على هذا الحس وما يدرك بالحس يدل على هذا العقل دال على هذا.

ثم أرسل الله رسله، وأنزل كتبه، وجعل آيات ومعجزات، وجعل دلائل وبراهين مع رسله وأنبيائه، كلها تدل على أحقية ما جاءوا به، وأنه لا يمكن أن يكونوا وأنهم لا يمكن أن يكونوا قد جاءوا به من عند أنفسهم، ولا يمكن مهما نفذت قواهم الخارقة الدنيوية.

ومهما وجدت في الدنيا من قوى سحرية أو ادعاء أمر خارق للعادة المعتادة في قوم ما أو في بيئة ما على نحو ما لا يمكن أن يكون شيء من هذا مما يدعيه الناس من سحر وخرق للعادة عند السحرة وعند أصحاب الألعاب العقلية وما إلى ذلك.

لا يمكن أن شيء من هذا منتجا أي آية لنبي أو أي معجزة جعلها الله ﷻ برهانًا ودليلا على وحدانيته ووجوده وربوبيته وألوهيته وصدق رسله عليهم الصلاة والسلام.

فنحن قد خلقنا الله وأوجدنا في هذه الدنيا، والذي لا يؤمن بهذا فهو لا يعقل، فضلا عن أن يكون متبعا لما شرع الله ﷻ.

الله ﷻ ذكر مناظرات ومحاوراتٍ وردودا من الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- على أقوامهم الكافرين، حتى على الملوك الكفرة الجبارين كفرعون الذي قال ﴿وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾.

موسى عليه الصلاة والسلام يقول ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ | قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ | قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ﴾.

قال فرعون ﴿إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ | قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ﴾.

الله ﷻ يقول ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الأَلْبَابِ | الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.

فالله هو الذي خلقنا وهو الذي أوجدنا، وهو الذي أحيانا ثم يميتنا ثم يحيينا، بيده كل شيء وهو بكل شيء عليم، وهو بكل شيء محيط، وهو على كل شيء قدير، وكل أمر إذا شاءه وإذا لم يشاءه يكون عليه يسيرا، ولا حول ولا قوة إلا به ﷻ.

لماذا خلقنا الله؟

الله ﷻ خلقنا، لماذا خلقنا؟ بين ربنا الذي خلقنا وأرسل رسله وأنزل كتبه، بين في الوحي الذي أنزل على الرسول الذي أرسل لماذا خلقنا وأوجدنا في هذه الدنيا؟ فقال ﷻ ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾.

ما خلق الله الجن والإنس، ما خلق الله هؤلاء الذين يكلفون في هذه الدنيا إلا ليعبدوا الله ﷻ.

فأنت مخلوق أساسًا وابتداء، أولًا وآخراً لأجل أن تكون عبدا لله ﷻ في هذه الدنيا.

فالله ﷻ لم يخلقنا ولم يوجدنا في هذه الدنيا لنمشي كما نهوى ولا لنفعل ما نريد.

لم يجعلنا الله في هذه الدنيا موجودين حتى نحل ما نشاء ونحرم ما نشاء وحتى نضع لأنفسنا دساتير أو قوانين أو أُطرا ما أنزل بها من سلطان وندعي أن فيها سعادتنا وأن فيها هدايتنا فضلا عن أن يدعى إن فيها قيادتنا وريادتنا.

الله ﷻ ما خلقنا سدى، ولم يتركنا هملا، لم يتركنا هكذا ولم يخلقنا لا نؤمر ولا ننهى بل الله ﷻ أرسل إلينا رسولا.

نحن الأمة الخاتمة أمة محمد ﷺ، أرسل إلينا عبده ورسوله محمدا خير خلقه -صلوات الله وسلامه عليه- أمرنا الله ﷻ بأوامر، ونهانا عن أمور، عن أشياء ينبغي أن ننتهي عنها.

أحل الله لنا أمورا محللة وحرم علينا أشياء محرمة، لا بد أن نأتمر بأوامر الله، وأن ننتهي عن المناهي التي نهانا الله ﷻ عنها.

لا بد أن نحل ما أحل الله وأن نحرم ما حرم الله، وأن نعلم أننا موجودون في هذه الدنيا لعبادة الله.

وأن نعلم ما أشار إليه بعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية.

من أراد السعادة الأبدية الأخروية وأيضا من أراد السعادة الدنيوية فليلزم عتبة العبودية.

قبل أن تقدم على شيء، وقبل أن تفعل الشيء، وقبل أن تسير في شيء، وبعد أن تسير في الشيء، وإذا استمررت في الشيء، ثم بعد أن تنتهي من الشيء، وبعد أن ينقضي الشيء، في كل شيء لا بد من أن تستحضر العبودية، وأنك عبد لله، وأنك لا بد أن تكون طائعًا لله مؤتمرًا بما أمر منتهيا عما نهى، محللا ما حلل محرما ما حرم.

هذا الواجب عليك، هذا الذي خلقك الله ﷻ لأجله في هذه الدنيا.

تحقيق العبودية لله

لم يخلقنا الله لمجرد أن نعيش في الدنيا، نأكل ونشرب ونعيش ونلعب.

لم يخلقنا الله في هذه الدنيا لأجل أن نبني العمارات الكبيرة، ولأجل أن نصنع المصانع والأشياء العظيمة الكثيرة لنفس هذا، نعم قد نفعل هذا للسكنة، قد نعمل هذا للعيش، ولكن لماذا نسكن ولماذا نعمل؟ ولماذا نكتسب الأرزاق في الدنيا؟

ليس لنفس العيش وليس لنفس الطعام والشراب، وليس لذات الأعمال والشهادات الدنيوية، وإنما ينبغي أن يكون الهدف من وراء كل هذا، والذي لأجله قد يفعل منا ما يُفعل من هذا أن يكون تحقيق العبودية لله.

الهدف يجب أن يكون تحقيق العبودية لله ﷻ، فأنا أريد يا رب العالمين أن أعبدك، وأن أحقق العبودية لك، وأن انصر دينك وكتابك وسنة نبيك ﷺ.

واعلم يا ربي أنك لهذا خلقتني، فيا رب العالمين، لا بد حتى أفعل هذا أن أعيش، وأن يكون عندي مصدراً للكسب لأكل واشرب، وأن يكون عندي مسكن لأنام فيه، وأن يكون عندي زراعة وصناعة لأجل التقوّي على طاعتك وتحقيق عبوديتك.

فهذه كلها تكون لله، لا أننا نجعلها الأساس المقصود لذاته، ثم يأتي الدين إن أتاه في نهاية القائمة وفي ذيلها ولا حول ولا قوة إلا بالله.

كيف نكون عبادا لله؟

ولهذا السؤال الثالث مرتبط بهذا بهذا السؤال الثاني، السؤال الثاني لماذا خلقنا الله؟ خلقنا الله لعبادته؟ هذا قول ربنا ﷻ.

وكيف نحقق العبودية؟ كيف نكون عبادا لله؟ نكون عبادا لله بأن يكون كلام الله وكلام رسوله ﷺ مقدمًا ومحكمًا في كل شيء.

مقدما على وفي كل شيء، على كل شيء نقدم كلام الله وكلام رسوله، في كل شيء وفي كل أمر نقدم كلام الله وكلام رسوله.

نحكم القرآن والسنة في كل شيء من حياتنا وفي حياتنا من أصغر شيء يستصغره المرء ويتصوره إلى أكبر شيء يتصوره المرء كبيرا.

لا بد أن نكون في كل هذا محكمين لكتاب الله وسنة رسول الله ﷺ.

وديننا دين الإسلام وكتابنا القرآن وسنة نبينا العدنان ﷺ، لن تجد نقصًا ولا تفريطا ولا إخلالا بشيء، ولن تجد إهمالًا لشيء.

علمكم نبيكم كل شيء حتى القراءة قال أجل ﷺ.

هذا قول سلمان لمن سأله من المشركين: أن نبيكم علمكم كل شيء حتى ما يتعلق بآداب قضاء الحاجة، حتى بآداب قضاء الحاجة؟

نعم، قال: أجل، كل شيء من أول الإمارة، من تنظيم الاقتصاد، من رعاية الأمور الاجتماعية، من رعاية العلاقات الأسرية إلى إلى آداب قضاء الحاجة.

كل شيء تجده في كتاب ربنا، وتجد الدلالة عليه والإرشاد إليه وبيان ما يصلحه في كتاب ربنا وسنة نبينا ﷺ.

ولهذا لا بد أن نكون محكمين للقرآن والسنة، وهذا يكون بأمرين:

الأمر الأول: العلم، لأننا لن نستطيع أن نحكم القرآن والسنة، ولا أن نقدم القرآن والسنة، ولا أن نمشي على القرآن والسنة، ونحن جهلة بالقرآن والسنة.

أكثر الأمة عندهم، أكثر أبناء الأمة، أكثر رجال الأمة، أكثر نساء الأمة، أكثر شيوخ الأمة، أكثر شبان الأمة، أكثر أطفال الأمة عندهم جهل عظيم عميم بكتاب الله وسنة رسول الله ﷺ.

لا ننهى عن تعلم العلوم الدنيوية إذا ما قُصد بها وجه الله ﷻ. لا ننهى عن الأعمال الدنيوية التي بها قوام حياة العباد، ولكن لا بد أن تكون في كل هذا وبكل هذا مدركا أنت لماذا تعيش في هذه الدنيا؟.

وإلا فإذا كنت تبحث عن المال والشهادات، فهذا حصل العلوم الكثيرة وحصل على عشرات الشهادات ثم مات كافرا والعياذ بالله.

الآن من أثرى الأثرياء وفي بلادنا هذه من أثرى الأثرياء الذي عنده المليارات وعليه الضرائب التي يتهرب منها بالمليارات وهو كافر بالله عدو لله ورسوله.

بأي شيء نفعته ملايينه وملياراته وهو عدو لله ورسوله، كافر بالله ورسوله وإذا مات على هذا يخلد في نار جهنم.

بأي شيء تنفعه الأموال وتنفعه الدنانير وتنفعه كذا وتنفعه كذا.

ربي أولادك على عبادة الله وطاعته

أولادك على أي شيء تربيهم؟ تربيهم على أنه يا أولادي نحن ما خلقنا في هذه الدنيا إلا لنعبد الله، ولا بد أن يكون كل شيء في حياتنا في إطار شريعة الله حتى في اللهو واللعب المباح.

هناك لهو مباح ولعب مباح، في اللهو واللعب المباح لا نخرج عن الشريعة، تربيهم على هذا، تعلمهم هذا أنكم يجب أن تكونوا قاصدين في حياتكم نصرة الله ونصرة رسوله، نصرة كتاب الله وسنة رسوله ﷺ.

أنا أربيكم وأعلمكم وأطعمكم وأنفق عليكم حتى تكونوا عبادا لله صالحين خداما للإسلام والمسلمين.

هل أنت تُلقن أبناءك هذا؟ وتنشئ أبناءك على هذا أيها المسلم هذا الفرض الواجب عليك.

هذا الفرض الواجب عليك، أن يعلم الجميع أن دين الله ليس ذيل القائمة، ليس آخر شيء وإنما هو الذي لأجله خلقنا، ولأجله أوجدنا الله واختبرنا.

اختبرنا ﷻ في هذه الدنيا ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾.

﴿وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ | إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾.

وهنا كذلك: خطبة يوم الجمعة قصيرة «مكتوبة».. بعنوان: ساعة وساعة

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم وبارك على خاتم النبيين، وخير خلق الله أجمعين رسول الله محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.

ما هو المستقبل؟

أما بعد فالسؤال التالي والسؤال الأخير نهاية أمرنا ونهاية وجودنا في هذه الحياة الدنيا، وماذا بعد هذه النهاية؟ وماذا بعد هذه النهاية التي هي الموت؟ ما الذي سيكون؟ يعني السؤال عن المستقبل.

إذا كلمت كثيرا من الناس عن المستقبل ما هو المستقبل في نظرك؟

المستقبل في نظرك أن يكون في يوم من الأيام هذا غاية ما يتمناه وربما يعيش ولا يحصل نصفه.

الذي يتمناه في الدنيا أن تكون له أرض زراعية كبيرة، الذي يتمناه في الدنيا أن يكون له قصر كبير، أن يكون له بيت كبير، أن تكون له سيارة فارهة، أن ينال شهادة عالية، أن يعلم أبناءه حتى يخرج أبناؤه معهم الشهادات.

هذا بمجرده ليس حرامًا بل قد يكون قربة إذا ما قصد المرء بهذا وجه الله، وكانت عنده النوايا الصالحة أنني بكل هذا استعين على طاعة الله، وعلى البعد عن الذل في الدنيا لغير الله.

وحتى أكون بهذا ناصرًا لدين الله، محصلا خيرات فيما يتعلق بما فيه طاعة الله.

لكن المشكلة والمصيبة أن هذا هو المستقبل فحسب في أنظار كثير من الناس أن تكون عندي الأموال كثيرة، أن أجمع الملايين، وربما يجمع الملايين ثم هو بها يبخل مع الأيام، كلما جمع من المال أكثر كلما صار أشد بخلا.

يجمع الملايين ثم يجمع الملايين ثم يجمع الملايين، ولشدة حرصه لا يجد وقتا حتى ينفق هذه الملايين ولا أن يستمتع بها في الدنيا.

وكثير من الناس هو همه وحرصه أن يجمع الملايين ثم إذا به لم يجمع حتى الملاليم، لا حصل هذا ولا حصل هذا.

هذا هو المستقبل وهذا هو النظر الأمامي والفكر المستقبلي عند كثير من المسلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الآن ابنك هذا في سن العشرين في سن الثلاثين في سن الأربعين قدر الله أن أماته، كيف مشاريعك المستقبلية.

بعد أن وصلت إلى الخمسين وإلى الستين وإلى السبعين، حتى لو كنت إلى الثمانين والتسعين والمائة، لا بد أن تموت يوما.

ما الذي حصلته لمستقبلك؟ لما تستقبل بعد موتك، بعد أن انتهى عملك وانقضى أجلك في هذه الدنيا.

هذا الذي تستقبله بعد وفاتك بعد قبض روحك، استعدادك له كيف كان؟ تحب ابنك هذا؟ تحب ولدك هذا؟ تحب زوجتك؟ تحب أباك؟ تحب أمك؟ كيف كنت حريصا على مستقبلهم؟ على ما يستقبلون بعد وفاتهم؟ على ما يستقبلون إذا بُعثوا من قبورهم؟ وأخرجوا من أجدادهم؟

كيف كان الحرص عندك؟ كيف كان الأمر عندك؟

كنت حريصا كما كان يعقوب عليه السلام؟ ﴿أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي﴾.

﴿مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي﴾ هل يعقوب لم يكن عنده مال؟ لم تكن عنده دنيا كان عنده ما عنده من هذا -عليه الصلاة والسلام- كان عنده من هذا ما عنده، طبعا في بشيء يسير وفيما يليق بالأنبياء، لكنه لم يلتفت إلى هذه الأمور أولا، ولم يقدمها ولم يكن الذي ذكره الله ﷻ عنه ما هو؟

﴿مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾.

هذا الذي تحرص عليه في أبنائك، يا أبنائي أي نهج تنهجون؟ أي مسلك تسلكون؟ بأي دين تتدينون؟ على أي طريقة في الدنيا تسيرون؟

على طريقة المؤمنين الصادقين الصالحين المتسننين الذين يحرصون على المنهاج منهاج الحق المبين؟ أم على طريقة الفاسقين، طريقة المبتدعين، طريقة الزائغين، طريقة المتنطعين، طريقة الهالكين، طريقة الكافرين، طريقة المشركين.

هل كنت مهتما أو أنت مهتم بهذا في نفسك، حتى تكون مهتما به في أولادك، أم أن الدنيا أخذتك وجرتك.

وإن شئت فقل: أكلتك حتى صار الدين عندك في هامش الهوامش إن بقي له عندك هامش، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

نسأل الله ﷻ أن يردنا وأن يرد المسلمين جميعا إلى دينه ردا جميلا.

لا ينبغي لك أن تغتر، أن تغتر أيها المسلم بانصراف الناس حولك عما خلقوا لأجله، لأنك خلقت لمهمة وغاية.

وأكثر الناس قد انصرفوا عن التفكير في هذه الغاية، وعن التفكير في هذا الأمر، حتى في التفكير، حتى في النظر، حتى في الاعتقاد.

بل ربما بعض السفهاء والجهلة وأشباه المجانين إذا سمعوا مثل هذا الكلام يقولون: هذا من المتشددين، وإلى الله ﷻ المشتكى.

الله ﷻ يقول في كتابه الكريم ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾.

هذه أمة من؟ هذه أمتنا، كانت خير أمة أخرجت للناس، بأي شيء كانت خير أمة؟ ﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ | لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ | ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ﴾.

لما تخلوا عن كتاب الله، لما كفروا بوحي الله، لما كذبوا رسل الله ضربت عليهم الذلة أينما ثُقفوا.

ونحن ضربنا ورمينا بما رمينا به من الذلة، وتسلط الأعداء علينا لما تخلينا ولما ضعفنا ولما عصينا واتبعنا خلاف ما أنزل الله وغير ما أنزل الله ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ﴾.

ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.

وأَقِـم الصَّـلاة..

إخواني الخطباء؛ قدَّمنا لكم أعلاه خطبة: لماذا خلقنا الله؟ والتي ألقاها فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم المصرى -جزاه الله خيرا-. وهذه أيضًا خطبة يوم الجمعة مكتوبة عن: الشتاء والبرد. سائلين المولى العزيز الرحيم ﷻ أن يمنّ علينا بالعلم النافع؛ اللهم آميـن.

أضف تعليق

error: