بذخ المراهقين السعوديين

بذخ المراهقين السعوديين

لم تكن الدراسة التي قاست معدل صرف المراهقين في عدد من البلدان، هي المؤشر الوحيد على ارتفاع معدل الصرف للمراهق السعودي؛ فالمراكز التجارية والأسواق ومحال الوجبات السريعة والانتشار السريع وتضاعف عددها، كل ذلك كفيل بتوضيح الأمر.

لكن المعدل الذي أعلنته الدراسة وأكدت من خلاله أن المراهق السعودي يصرف أكثر من ضعف المتوسط العام الذي يقدر بـ21 دولارا أمريكيا «78.7 ريال» في الأسبوع الواحد، حيث يصرف ما مقداره 46 دولارا «نحو 172 ريالا سعوديا»، ربما لا يكون معيارا للتأكيد على بذخ المراهقين السعوديين، إذا قارنا معدل الدخل القومي للمواطن السعودي، بنظيره في البلدان الأخرى محل الدراسة، سواء كانت مصر أو الإمارات أو الهند.

وبالرغم من أن الجميع يتفق على ارتفاع معدل الدخل للسعودي، إلا أن ارتفاع الصرف اليومي للمراهق يجعلنا نتوقف عند أهمية أخذ الحيطة خوفا من تمادي الصرف إلى ما يخرج عن قائمة الطعام والشراب إلى قائمة الممنوعات، في ظل التباري العالمي لتضليل الشباب السعودي، ولفته عما يحفظه من مقومات إسلامية، ويمثله من آمال وتطلعات للشعوب الإسلامية، فهل آن الأوان لتقليل الإنفاق، أم أننا نفتخر بأن أولادنا مرفهون؟

طلبات واستجابة

فارس الوايلي، 19 عاما، لم يحرمه أهله منذ صغره من أي شيء كان يطلبه، وكلما تمنى شيئا وجده أمامه، كأنه يحرك العصا السحرية؛ ما انعكس على نفسه عندما أصبح بالغا، فقرر ألا يحرم نفسه مما تشتهيه، حتى لو كان هذا الطلب عسيرا، وما إن انخرط في الصفوف الجامعية، وبدأ يتسلم مكافأة الدراسة نهاية كل شهر، حتى ساعده هذا الأمر على تلبية جميع متطلباته وحاجاته، وإن احتاج إلى مزيد من المال، فإن وجهته تتحول سريعا إلى والده الذي لا يقصر معه في شيء «أغلب الطعام الذي أشتريه يكون من مطاعم معروفة ووجبات سريعة، تصل تكلفة وجبة الغداء فيها إلى متوسط 20 ريالا، في حين متوسط وجبة العشاء 15 ريالا، فلم أعتد أن أرى والدتي تطبخ أكلا في البيت، فهي تعمل وكذلك والدي يعمل، وأنا أدرس بالجامعة وكذلك إخوتي، ما يضطرني إلى أن أشتري أكلي من الخارج، إضافة إلى أن أغلب وقتي أقضيه في محال الكوفي شوب مع أصدقائي الذين لا أجدهم في غير ذلك المكان، فالأسعار هناك تتفاوت حسب الطلب، ومتوسط ما أدفعه في تلك الجلسة 25 ريالا».

لكن لم تكن هذه الأمور وحدها هي ما تشغل بال فارس، فهناك حاجات أخرى يزداد الطلب عليها يوما بعد يوم «فآخر صرعات الجوالات لا تكاد تخفى علي، إضافة إلى التقنيات الجديدة في عالم الكمبيوتر، كما أن الأوقات الترفيهية التي أحرص على اغتنامها في أماكن خاصة تتميز بالهدوء أو الصخب أحيانا».

الجديد والتفاخر

وفي اتجاه آخر، فإن كثيرا من حاجات الشباب أصبحت لا تفارق حياتهم اليومية، حتى لو لم يجد المراهق طريقا للوصول إليها تجده يحتال بشتى الطرق من أجل تحقيقها لمباهاة الشباب الآخرين بها، سلطان العويني يرفض ذلك التصور، الذي يجعل المباهاة والتقليد الأعمى ديدن الشباب «أصبح من الواجب على الشاب أن ينظر إلى غيره ممن حوله من الشباب، ليحاول أن يقاربهم في كل شيء، فالشاب اليوم يحتاج إلى ملابس تحمل أسماء ماركات معروفة عالميا، كما أن الجوال أصبح من الضروريات التي يحكم على الشخص من خلالها، فشراء آخر ما استجد من الجوالات لا يغني الشاب، إذ إن احتياجه إلى شراء اكسسوارات الجوال يجعله في مرتبة عالية من الفخامة، حتى لا يتفوق عليه أحد من أقرانه».

إلا أنه يرى أن «طبيعة الحياة أصبحت معقدة أكثر من السابق، ومعدل ما يصرفه المراهق شهريا مقبول نوعا ما نظرا إلى طبيعة الحياة المعقدة، كما أن التنافس بين المراهقين يجعل حركة التغيير والتحديث في كل شؤونهم واجبة، فتجد الشاب الذي اشترى سيارته قبل عامين، يحرص على تغييرها أو استبدالها بأخرى تحمل موديلا جديدا وهكذا في جميع حاجاتهم».

ليست «فشخرة»

وينظر محمد الدوسري، 17 عاما، إلى متوسط ما يدفعه المراهق السعودي الذي يصل إلى 172 ريالا أسبوعيا «يتوافق مع ارتفاع الأسعار على كل المستويات، سواء من الملابس والوجبات والمشتريات، بل أجد أن المبلغ قليل جدا، فأنا مثلا من عشاق الحضور للملاعب، وأسبوعيا مضطر لدفع ثمن التذكرة، وكذلك أنا من رواد المقاهي والمتنزهات، فأعتقد سواء كان مصروفي الفردي يعادل مصروفات تسعة مصريين، أو حتى 50 هنديا، ليس ذلك مهما بالنسبة إلي؛ لأن المهم أن ما أصرفه ليس تبذيرا ولا فشخرة».

عادة سيئة

وربما تؤثر طبيعة المرأة الفطرية من حب التجمل والتعلق بالزينة في زيادة معدلات إنفاق الإناث بشكل عام، وفي حين ارتفع المعدل بالنسبة إلى الفتاة خلود عبدالرحمن، إلا أنها حاولت التخلص من تلك العادة فلم تستطع «مشترياتي تزيد على 400 ريال، وقد حاولت كثيرا تغيير هذه العادة ولم أستطع، في ظل استمرار ارتياد معارض مستحضرات التجميل المنتشرة بالمملكة، وكثيرا ما أذهب للمجمعات التجارية لشراء غرض معين، أو لمجرد التسلية وأتجه إلى معارض التجميل لمتابعة الجديد وأخذ نظرة عامة على المنتجات وليس بنية الشراء ولكن أجد نفسي رغما عني أخرج بمشتريات كثيرة».

وتعترف الجامعية شذى الغالبي، 18 عاما، أن مصروفها الأسبوعي يقارب 200 ريال «أحتاج إلى أدوات وأغراض شخصية من أدوات تجميلية والعطورات ومشتريات خاصة مثل الملابس وغيرها، أضف إلى ذلك أنني ممن يعشقن وجبات المطاعم، لذا ما أصرفه أسبوعيا لا أعتبره مبلغا مرتفعا».

توجهات السلوك

ويربط الباحث في القضايا الاجتماعية والأسرية محمد رضا، مقدار المصروف اليومي للأطفال والمراهقين، بالمؤشرات التي تنبئنا بتوقعات السلوك سواء إيجابا أو سلبا «يعتبر ما يملكه الطفل أو الشاب من الموارد المالية محددا رئيسيا لتوجهات سلوكه، بجانب محددات أخرى مثل الميول البيئية (الأسرة، الصحبة، زملاء الدراسة)».

ويعدد رضا أسباب ارتفاع معدل الصرف للمراهقين «أولا ارتفاع مستوى المعيشة، وارتفاع دخل الفرد في بعض المجتمعات خاصة في الخليج العربي، وهذا يشجع على انخفاض قيمة المال لدى الأفراد ما يجعل منح المال الكثير للأبناء من الأمور المألوفة، ثانيا عدم دراية الكثير من الآباء والأمهات بضوابط الإنفاق على الأبناء، إذ يعتبر البعض من ذوي الدخل المرتفع أن إغداقهم على أبنائهم بلا ضابط أو تحكم من مظاهر الفخر، حيث يعتبرون ما يملكه الابن من مال مؤشرا على موقعه الاجتماعي بين زملائه، وكذلك الحب الزائد عن الحد للأبناء (خاصة لو كان الابن وحيدا)، وهذا يجعل الأب أو الأم يخشى من غضب ابنه فيعطيه كل ما يريد».

رقابة مفقودة

ويشدد رضا على أن انخفاض معدل الرقابة الأسرية ملاحظ جدا «في المجتمعات صاحبة الدخول المرتفعة بسبب دخول عنصر الخدم والسائقين إلى الأسرة، ما أدى إلى اعتماد الآباء والأمهات على وجود الخادمات والسائقين لتوفير حاجات الأبناء المراهقين، وهذا يؤدي إلى تستر هؤلاء الخدم على تجاوزات المراهقين والمراهقات، وبصراحة الرفاهية والمصروف الزائد تؤديان إلى ما يسمى بالإسراف من خلال التوسع في الكماليات والثانويات، ثم الدخول في دوائر خطرة أمام المراهق؛ مثل المخدرات، أو المسكرات، أو الانحراف الأخلاقي، والصحبة السيئة، ويؤدي المصروف الزائد إلى سهولة دعم التجمعات والأفكار المشبوهة من خلال الاستجابة لأنشطتها التي تهدف إلى هدم الإنسان».

ويرى أن «دور الأسرة دور كبير منذ الطفولة لا بد من تقديم نموذج للقدوة للأبناء في طريقة التعامل مع المال بالحرص على الظواهر النافعة والإيجابية أمام الأبناء من الصغار والمراهقين في أحوال صرف المال، وغرس قيم مثل التكافل والادخار والاستثمار منذ الصغر، وعلى الأسرة غرس الاهتمام بكل ما هو نافع ومفيد في المشتريات، وكل ما يصرف فيه المال من أولويات في صرف المصروف، مثل: (الأطعمة المفيدة – الكتب والقصص النافعة – ألعاب تنمية الذكاء)، وتفعيل ضوابط لمنح المصروف الزائد وتحديد القيمة تماشيا مع حاجات كل مرحلة عمرية على حدة، كما أن على المجتمع توفير المؤسسات الترفيهية النافعة والفعاليات الهادفة التي تستقطب المراهقين لتنمية المواهب وغرس القيم مثل قيم التطوع والمساهمة في الهيئات التنموية والخيرية».

ليس تبذيرا

ولا يعتبر الخبير والمستشار الاقتصادي الأستاذ المساعد في قسم الاقتصاد بكلية الاقتصاد والإدارة في جامعة الملك عبدالعزيز، الدكتور علي الدقاق، معدل صرف المراهق السعودي غير طبيعي «هناك مؤشرات مرتبطة بمستوى المعيشة والتطور العلمي والصحي والتعليم وغيرها، كلها تعكس زيادة في الصرف، وحتى الصرف يكون نوعيا، لذلك لا أستغرب إطلاقا أن يصرف المراهق السعودي 172 ريالا، أي ما يعادل تسعة مراهقين مصريين و27 هنديا، وسواء كان معدل الصرف على مستوى الأفراد، أو على مستوى الأسرة فأرى أنه طبيعي جدا، ولا يعتبر رقما مهولا أو مبالغا فيه، مستوى الدخل في السعودية الآن يعادل 27–30 ألف دولار سنويا لكل مواطن، في حين في الهند لا يتجاوز 1000 أو 2000 دولار على مستوى العام».

وأشار إلى أن المبلغ لا يوحي بأن المراهق السعودي مبذر «فمثل هذه الأرقام محسوبة حسابات وعمليات قد تثير غرابة البعض، ولكن لو نرجع للأرقام سنجد أن مستوى الصرف طبيعي، ولا يمكن أن أعاتب أو أعاقب كأب أو رب أسرة ابني أو أبناء الآخرين على ما ينفقونه من مصروفهم الأسبوعي في حفلات ومباريات أو مسرحيات أو مقاهٍ أو مراكز تجارية، لأن هذه لا تعتبر من ضمن معدل الصرف، وإنما نسبة من الترفيه فقط، وعلى ضوء هذه المعطيات ونظرا إلى مستوى الصرف العادي فأعتقد أن ما طرح من نقاط بأن ما يصرفه المراهق السعودي يعادل تسعة مصريين و27 هنديا، وقياسا على معدل الدخل الفردي، فأعتقد أن المعلومات والدراسات قريبة من الصحة».

ويشير الدقاق إلى أن ارتفاع معدل الأسعار ليس هو السبب الرئيسي في ذلك «ارتفاع الأسعار يأتي لعدم مماشاة الإنتاج لارتفاع نسبة الدخل، ولعلي أضرب مثالا فلو كان دخل الفرد 1000 ريال، سيصرفها في الأكل والشرب، ولو صار الدخل 3000 ريال، حتما ستصرف على الأكل والشرب، لأن من الطبيعي أن ترتفع الأسعار، لأنها لا ترتفع إلا بارتفاع معدل الدخل».

ويرفض إمكانية تقليص المعدل «إذ يعتبر ذلك من الاستحالة، لأن معدل الدخل الفردي، أو نصيب كل فرد، يأتي من قسمة الناتج القومي الإجمالي، على عدد السكان».

دخل مرتفع

ويعتقد أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبدالعزيز أسامة فلالي، أهمية الربط مع ارتفاع الدخل في السعودية، عن مستوى الدخل في مصر والهند ودول عديدة في أنحاء العالم «ربما يكون ذلك مبررا لصرف الشباب المراهقين الذين يعتمدون على مصروفهم من آبائهم وأسرهم أعلى من أمثالهم في دول كثيرة، وتكلفة المعيشة من الأسباب الرئيسية في ارتفاع معدل الصرف بالنسبة إلى المراهقين، وهناك سلع ومشتريات تباع في السعودية، بأضعاف أسعارها في دول كثيرة مثل مصر والهند».

الخوف من الخطر

ولا يتخوف من أن يكون المعدل بابا للجوء لخيارات أخرى كالمخدرات «من يرتاد ذلك الأمر هم من الشباب الذين يفتقدون الرقابة الأسرية، ولديهم قلة في الوعي، والمطلوب تكثيف الرقابة، حتى فيمن يتقاضون ويصرفون معدلات ضعيفة، لأن أصدقاء السوء وأبواب الشر ليست مرتبطة بشكل تام مع معدل الصرف، وإن كانت أحد نوافذه».

تحقيق/بقلم: علي بن حاجب وذيب الروقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top