الإسلام دين الوسطية والاعتدال

صورة , مسلم , الحج , الوسطية

إن الحمد لله .. نحمده ونستعين به ونستغفره ونعوذ به من سيئات أعمالنا، وشرور أنفسنا من يهده الله فلا مضل له من يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده، ونصلي ونسلم على من لا نبي بعده، أما بعد.

فقد كثرت حولنا الفتن وتاهت الحقيقة بين معالم الضلال، وأصبحت معرفة الحق حرفة البقاء عليه يتطلب علما وإرادة قوية وبصيرة لا تزيغ، فالبدع تتلاحق والفتن يتبع بعضها بعضا، ولا يبقى لنا إلا ان نتمسك بكتاب الله وسنة المصطفى
والعودة إلى منهج الإسلام الحنيف ومذهبه المعتدل.

الإسلام دين الوسطية الاعتدال

من فضل الله علينا أن جعل أمة محمد أمة وسطا، ووصفها بأنها خير الأمم مادامت قائمة على منهج الله وسائرة وفق أوامره، وما دامت باقية على ثغر الجهاد الذي لا ينقطع وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعل كل ذلك يدور في فلك الوسطية ولا يحيد عن حدود الاعتدال.

والوسطية في الفكر والفعل والقوال والاعتدال في المشاعر والميول والانتماءات هما سر النجاح والمثالية، وهو العامل الذي تتحقق معه الراحة والسكينة.

فكل شيء يزيد عن الحد المسموح به يخرج به عن هدفه وغرضه، ويفوت تحقيق مقصده، ومن ثم فإننا لا نكاد نجد أمرا من أمور الشريعة في المعاملات أو العبادات أو العقائد يخلو من الوسطية أو يجانب الاعتدال. ومن بعض مظاهر الوسطية والاعتدال في دعوة الإسلام ما يلي:

الاعتدال في العبادة

لا شيء أفضل وأحب إلى الله من اقبال القلب على العبادة والحرص عليها ومداومتها، ومع ذلك فقد حث النبي على الاعتدال فيها والقيام بها بما لا يطغى على حق الانسان في الراحة، أو بقية الحقوق الأخرى المتعلقة بالإنسان، ومن ذلك الحديث الشهير لثلاثة من الصحابة أعلنوا تمسكهم بالطاعة وغلوهم فيها بشكل يقدح في تمامها وقد يضيع بعض مقاصدها، فنهاهما النبي عن ذلك وأمرهما بالاعتدال ولزوم سنته والسير على دربه بلا إفراط ولا تفريط وفي ذلك روي عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي ، يسألون عن عبادة النبي، فلما أخبروا كأنهم تقالوها وقالوا: أين نحن من النبي قد غفر له تقدم من ذنبه وما تأخر؟! قال أحدهم: أما أنا فاصلي الليل أبداً، وقال الآخر: وأنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال الآخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله إليهم فقال: ( أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟! أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) متفق عليه(170).

الاعتدال في حب النبي وآل بيته

الأمر بحب النبي وآل البيت والصحابة المكرمين قضية لا تحتمل الجدل ولا التشكيك، ولكنا نرى هذه الأيام كم الفتن والشبهات والإفراط والمغالاة في حب آل البيت، والتفرقة والتشرذم الذي لحق بالأمة جراء هذا الفكر المتطرف، فالبعض يحبهم لدرجة التقديس والبعض الأخر ينكر عليهم ذلك ويقلل من مكانتهم بما يقدح فيها، وكلاهما جانبه الصواب، فنحن مأمورين بحبهم وتكريمهم باعتدال وعلى الوجه الذي يرضي الله ورسوله عنه.

الاعتدال في الإنفاق

تعتبر قضية الانفاق في الإسلام من القضايا التي تجسدت فيها معاني الوسطية وتجلت فيها قيم الاعتدال، فقد أمر الإسلام بالإنفاق وحض عليه وبين أن إنفاق المال هو السلوك السوي والوسيلة المشروعة إلى تعمير الحياة بما يفيد الإنسان وعائلته ومجتمعه بأسره، ومع ذلك فقد جعل للإنفاق ضابط يضعه في موضع الاعتدال، وهذا الضابط حاصله أن لا يمسك الإنسان يده عن الأنفاق فيصير بخيلا، ويتهم بالشح والتقتير، وأن لا يترك يده تنفق بلا حساب فيصير مبذرا مسرفا فكلاهما ممقوت مرفوض، وأفضل الإنفاق ما كان بحساب وحكمة.

وقد مدح الله عباده الذين ينفقون باعتدال في كتابه الكريم، حيث يقول جل وعلا: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) الفرقان، وفي موضع أخر من القرآن أمر واضح بالتزام الاعتدال في الإنفاق وعدم التطرف عن حدود الاعتدال حيث يقول عز وجل في سورة الإسراء: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29).

أضف تعليق

error: