هل التخطيط جزء من الغرور البشري؟

كنت أجلس على كرسي الحلاق التركي بعد انتظار دام عشر دقائق، أعطيته وجهي وأغمضت عيني وأنا أشعر بفرشاة الصابون تتحرك على خدي، تنهد الحلاق قليلا وقال: «مين يصدق أني الآن حلاق في السعودية؟».

كان يريد أن يفتح معي دردشة عابرة تقطع عليه ملل العمل والروتين، ولكني لم استجب له وسرحت في كلماته التي قالها. فعلا غريب أمر الإنسان، قد لا يعرف أين مستقبله ولا إلى أين ستأخذه الدنيا، وكيف ستصنع به الظروف، وماذا سيقابله في حياته؟

نستطيع نحن في لحظات الغرور أن نخطط ونفكر في مستقبلنا، نفكر في نوع التخصص الذي سندرسه، واسم الجامعة التي سننتمي إليها، وشكل المكان الذي سنكون فيه، نخطط لما بعد الجامعة، نخطط للعمل وطبيعته ونوعه، نخطط لزواجنا ونحلم أن يكون بشكل معين وترتيب معين وتنسيق معين، نخطط للمنزل وأثاثه، ونخطط لأطفالنا وكيف سيكونون وكيف نربيهم وكيف نتعامل معهم، نخطط لمبادئنا وأخلاقنا ونخطط في تغيير سلوكياتنا وأشكالنا وردات فعلنا، نخطط لتفاصيل كثيرة وكثيرة.

ونشعر بالفرح حينما نسمع من يحثنا على التخطيط، والترتيب للمستقبل والحاضر، ونعقد الدورات والمؤتمرات واللجان للتخطيط، ونضع الخطط ونرسم المسودات ونحسب التكاليف ونبقى نسير خلف مخططاتنا وأحلامنا، بل أحلامنا ما هي إلا مخططات نتمنى أن نحققها في يوم من الأيام، لكن أليس في كل هذا الذي نفعله غرورا؟

نعم غرور، بل قمة الغرور البشري، نحن حينما نضع خططنا وآمالنا دائما نتناسى أن الكون لا يمشي وفق أهوائنا ووفق خططنا دائما، وأن المخاطر في هذا الكون احتمالاتها لا نهائية وواردة في كل لحظة.

لا أعرف إذا كانت جيناتي تحتوي على احتمالية وجود خلايا سرطانية في جسمي مستقبلا، ولا أعرف إذا كنت سأموت في حادث سيارة غدا أو بعد أسبوع أو بعد أعوام، أم سأموت بورم سرطاني، أو حتى بإنفلونزا الخنازير، لا أعرف في المستقبل سأكون غنيا أم فقيرا؟ جائعا أم شبعان؟ مريضا أم معافى؟ معاقا أم صحيح البدن؟

لا أعرف إذا كنت سأتعرض لمشكلة نفسية ستدفعني لمستشفى الأمراض العقلية، أم سأكون مديرا في إحدى الدوائر الحكومية أم سائق شاحنة على الخط السريع، فكل شيء جائز.

وتزداد طموحاتنا أكثر وأكثر، فنحن نريد أن نحارب الاحتباس الحراري، ونريد أن نحرك السحاب ونستمطر الغيوم، نريد أن نخفض ثاني أكسيد الكربون، وأن نحافظ على سلالة الحوت الأزرق، ونخطط لزيادة مسطحات الغابات في الأمازون، نريد أن نتحكم بالتيارات المائية ونغير مساراتها، نريد أن نقاوم الأعاصير، ونمنع الزلازل، نريد أن نحافظ على هوياتنا وثقافاتنا، نريد أن نحصل على موارد طبيعية أكثر، نريد أن نعمم الديموقراطية على كل دول العالم، نريد أن نحصل على امتيازات في المطارات وفي الفنادق، نريد أن نرفع منسوب بحيرات السدود، نريد أن نغير من عاداتنا الغذائية، ونريد أن نشرب عصير بالثلج، وقهوة منزوعة الكافيين، نريد أن نتعلم لغة برمجة، ونريد أن نمتلك مدونات وحسابا على الفيسبوك، نريد جوالا جديدا ولاب توب جديدا، ونظارة ماركة، نريد أن نتعلم كيف نصنع دبوسا وغواصة حربية ودراجة هوائية، نريد مكيف هواء يعمل باللمس، ونريد هامبرجر بالكاتشب ودون مايونيز، نريد شواطئ بحرية، وقطع أراضٍ جديدة، ومخططات سكنية، ومدنا صناعية واقتصادية، وصحفا وإعلاما، وقضايا اجتماعية، علاجات جديدة ومراكز أبحاث كبيرة، نريد باحثين وعمالا وصناعا ومهندسين وفلاسفة ومدرسين، نريد فنانين وممثلين، نريد سينما ومسرحا وعيدا وطنيا وإجازة في رمضان، نريد عدلا وشورى ومساواة وديموقراطية وبرلمانا وانتخابا وغرفة تجارية، نريد محاكمة ومحاسبة وقوانين واشتراطات ورخصة قيادة، ولمبة سهاري! والقائمة طويلة لا تنتهي.

نحن نريد كل شيء ولكن علينا أن نتذكر أن الكون لا يسير وفق أهوائنا، لأننا في النهاية لا شيء في هذا الكون، نحن مجرد كائنات حية على كوكب لا يساوي شيئا بالنسبة إلى الكون، لن يكترث المستعر أو الطارف بكوكب الأرض إذا اصطدم فيه مذنب ودمره، صدقوني لن يكترث فهناك ملايين النجوم تتفجر كل لحظة وملايين الكواكب تختفي أو تتفتت ونحن لا نشعر بها.

إن كل شخص فينا يعتقد بأنه هو مركز الكون وأن كل الحياة تدور حوله، والبشر عموما يعتقدون بأنهم أهم ما في الكون والوجود.

انتهى الحلاق من عمله، وقال: نعيما يا معلم.

الله ينعم عليك.. كم حسابك؟

دفعت الحساب ورجعت أخطط!

بقلم: محمد الطويرقي

وهذا: مقال عن الثقافة والدين

وأيضًا؛ هذا: مقال عن الحرية والمسؤولية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top