للعبادة خلقنا

صورة , مسلم , الدعاء , العبادة
الدعاء

الله صل وسلم وبارك على حبيبك الطيب المبارك، المصطفى من بين الخلق لحمل الرسالة، وعلى أزواجه وصحبه ومن اتبع سنته واهتدى بهديه، إلى يوم يرث الله الأرض ومن عليها.

يقول عز وجل في محكم التنزيل: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)، فسبحان الله خلق الإنسان وسخر له الكون بأسره، يجول فيه ويصول، وزلل له من القوى ما تفوق قدرته وما لا يستوعبها عقله، وجعل بين يديه سبل الرفاهية والمتعة والسعادة بتفاصيلها المختلفة وصرها المتباينة، ثم بعد كل هذا تجد من القلوب والعقول والأبصار ما عمي عن رؤية الحقيقة، وإدراك العلة من وجوده، ويسول له شيطانه أنه خلق عبثا، وأنه جاء إلى هذه الحياة فقط ليفرح أحيانا ويشقى أحيانا، ويمر بالحياة مرور الكرام ثم تدركه النهاية بسلام، فينسى أو يتناسى أنه مسئول ومحاسب وأن له رسالة محددة مطالب بأدائها وأن من وراء خلقه مقصد وغاية ربانية ينبغي تحقيقها، فبعض الأشقياء يختصر الحكاية في جملة واحدة: (ما هي إلا أرحام تدفع وأرض تبلع)، وما أشقاهم وأبعدهم عن الصواب.

فعلة الخلق أعظم وأجل وأكبر من تصورهم، وسنة الله في الكون اقتضت أن لا يقع في كونه عز وجل شيئا على سبيل العبث، أو الصدفة، فإن كان هذا شأن أصغر التفاصيل وأدق الأحداث فما بالنا بخلق الإنسان؟

لم يترك الله عز وجل الإنسان يفني عمره في البحث عن سبب وجوده أو الغاية من خلقه، فاختصر القرآن الكريم الجهد، وقدم لنا الإجابة على طبق من ذهب، واضحة جلية لا لبس فيها ولا خفاء، فقال: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ).

فالعبادة هي سر خلق الإنس والجن، وهي الغاية منه، فأين نحن من الغاية الأساسية من خلقنا؟؟ أين نحن من عبادة ربنا؟؟ بل أين نحن من

فهم معنى العبادة ابتداءً؟

لو سأل كل منا نفسه كم من وقته مخصص للعبادة؟ فغالبا ستكون الإجابة مخجلة جدا ومؤسفة إلى ابعد الحدود. إلا من رحم ربي، وأحسن فهم معنى العبادة وشمولها.

المعنى الواسع لكلمة العبادة

العبادة هي التقرب إلا الله بكل ما افترض عينا وأمرنا به، وتشمل فعل كل واجب ومستحب ومندوب، وتشمل كذلك ترك كل ما نهانا الله عنه، من المحرمات ويضاف إلى ذلك ترك المكروه وغير المستحب، من الأفعال والأقوال والأفكار والخواطر وغيرها.

ومن ثم فإن لفظ العبادة لا يقتصر فقط على إقامة الصلاة والصيام وإيتاء الزكاة أو القيام بالحج أو العمرة ، فقط …، بل يتسع معنى العبادة ليشمل كل عمل خير وقول ونية يصدر عن الإنسان ويبتغي به ما عند الله، فالعبادة تشمل دائرة المعاملات والأخلاق، والآراء والأهداف وكل ما في حياة الإنسان.

فمثلا السعي على الأبناء عبادة، والعمل عبادة، وتربية الأبناء ابتغاء وجه الله عبادة، وبر الوالدين والإحسان إليهم عبادة، والاجتهاد في طلب العلم عبادة، والاجتهاد في سبيل تحقيق مستوي معيشة أفضل عبادة، والبسمة في وجه من تلقاه عبادة، والكلمة الطيبة وقول الحق عبادة، حتى راحة البدن بنوم أو نحوه من باب العبادة، والترفيه عن النفس والتسرية عنها عبادة، وإدخال السرور عليها عبادة، ومدار كل ذلك النية.

فالنية هي الفاصل بين العادات والعبادات، فقد يفعل شخصين نفس الأشياء ويمارسون نفس الأنشطة يوميا، أحدهما يفعلها تحت مسمى العادة أو الواجب أو المسئوليات أو غيرها من المسميات، وأحدهما يحتسبها عند الله، يرجوا بها وجه الله، فالأول لاه عن مفهوم العبادة وبعيد عنها مع أنه متلبس بها والثاني عابد طول وقته، راجيا ثواب ربه.

كن فطنا.. كن عابدا لله

إن الله خلقنا لنعبده، لا لنظل نلهث وراء متعنا ورغباتنا ولا نفني أعمارنا في جمع متع زائلة ومتاع منصرم، فيجب على المسلم الفطن أن يوازن بين عباداته واحتياجاته ومتطلبات حياته، وان يتعلم تجديد نيته واحتساب كل ما يفعل عند الله.

حين تخرج من بيتك قاصدا عملك، جدد النية لله، وحين تنفق من مالك ما تشتري به متطلبات بيتك وابنائك، فجدد النية لله، وحين تعود مرهقا وتقرر أن تأخذ قسطا من الراحة لتواصل عبادتك، جدد النية واحتسب ذلك عن الله، كن دائما مع الله وفي عبادة، فإنما خلقنا للعبادة!!

أضف تعليق

error: