خطبة عيد الأضحى مكتوبة كاملة بالعناصر ومعززة بالآيات والأحاديث والأدعية

لكُل الأئِمَّة والخُطباء والوعَّاظ؛ خطبة عيد الأضحى هنا ستجدونها مكتوبة كاملة بالعناصر المُنسَّقة، ومُعزّزة بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية؛ فضلاً عن الأدعية.

يُمكِن الاستعانة بهذه الخطبة في محطات مُتفرِّقَة ومواقِف عِدَّة؛ فسيكون الحديث فيها عن يوم عرفة وفضله وصيامه وعيد الأضحى وأحكام الأضحية وشروطها ومستحباتها وتقسيمها.

الخطبة الأولى

الحمد لله جعل صيام يوم عرفة كفارة للخطايا والذنوب وجعل ذبح الأضاحي تعظيمًا لشعائِره من تقوى القلوب. أحمده سبحانه حمدًا كثيرًا يليق بعلام الغيوب. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو بها النجاة يوم تشتد الكروب. وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله الذي بذكره تطيب القلوب؛ فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم تعظم فيه الخطوب.

أما بعد فاتقوا الله عباد الله حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى وتزود من الاعمال الصالحة فإن خير الزاد التقوى؛ (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون).

يوم عرفة

أيها المسلمون، يستقبلون بعد أيام يوم عظيم جليل، ألا وهو يوم عرفة؛ يوم تكفر فيه السيئات ويعتق الله فيه من النار الرقاب. فقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال (ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ، وإنَّه لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بهِمِ المَلَائِكَةَ، فيَقولُ: ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟). وصح عنه صلى الله عليه وسلم الله قال (صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده).

وثبت عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: ما من السنة يوم أحب إلي أن أصومه من يوم عرفة.

فهنيئًا للصائمين فيه هذا الأجر والفضل وهنيئًا لهم تكفير الخطايا والوزر؛ إنه عملٌ قليل لكن أجره كبير.

التكبير

أيها المسلمون يُسَن للرجال والنساء والكبار والصغار تكبير الله -عز وجل- وذلك بعد الانتهاء من صلاة الفريضة لمن صلاها مع الجماعة في المساجد أو في غيرها. وكذلك يُكبِّر من صلاها منفردا.

ومن صيغ التكبير: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

ويبدأ وقت التكبير المقيد لغير الحاج من بعد صلاة فجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق.

عيد الأضحى المبارك

أيها المسلمون؛ وكما هي سُنَّة الله -تعالى- بعد الانتهاء من الفرائض العبادات أن يجعل بعد إتمامها عيدا يفرح به العابدون ويذكره فيه الذاكرون، وإنكم أيها المسلمون تستقبلون بعد يوم عرفة عيد الأضحى المبارك، وهو يوم النحر، يوم الحج الأكبر.

ويُسَن للمسلم فيه عدة أمور، منها؛ أداء صلاة العيد وهي من أعظم شعائر الإسلام في هذا اليوم، وقد صلاها النبي- صلى الله عليه وسلم- وداوم على فعلها هو وأصحابه ومن بعدهم.

بل حتى النساء، كنا يشهدنها في عهده -صلى الله عليه وسلم- وبأمره. لكن المرأة إذا أخرجت لأدائها لا تخرج متطيبة ولا متزينة في نفسها ولا متبرجة في ملابسها.

ومن فاتته صلاة العيد أو أدرك الإمام في التشهد قضاها على نفس صفتها.

ومن أعمال يوم العيد الاغتسال للعيد والتجمل فيه بأحسن الثياب والتطيب بأحسن ما يجد من الطيب.

ومن الأعمال أيضًا ألا يطعَم شيئًا من الأكل بعد أذان الفجر حتى يرجع من صلاة العيد، ويستحب أن يأكل من أضحيته.

ومن أعمال العيد أيضًا إظهار التكبير مع الجهر به من حين الخروج إلى صلاة العيد حتى يأتي الإمام ليصلي بالناس صلاة العيد. أما النساء فلا يجهرن إلا بقدر ما يُسمِعن أنفسهن.

ومن أعمال هذا اليوم أيضًا أن يذهب المصلي إلى صلاة العيد ماشيا وأن يكون ذهابه إلى مصلى العيد من طريق ورجوعه من طريقٍ آخر.

ومن الأعمال أيضًا الجلوس لسماع خطبة العيد وعدم الانشغال عنها بشيء كالتهنئة أو الجوال وغيرها.

ومن الأعمال أيضًا تهنئه الأهل والأقارب والأصحاب والجيران بهذا العيد، واستقبالهم بالفرح والبشاشة وطيب الكلام. وأفضل ما يقال صيغ التهنئة: تقبل الله منا ومنكم، لثبوتها عن الصحابة رضي الله عنهم.

ولا يجوز لأحدٍ أن يصوم يوم العيد، لا تطوعًا ولا نذرًا ولا قضاء فرض. وذلك لما صحَّ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن صيام يومين؛ يوم عيد الأضحى ويوم عيد الفِطر.

ولا يجوز كذلك صيام أيام التشريق، وهي الأيام الثلاثة التي بعد يوم العيد، إلا لحاجٍ لم يجد الهدي؛ وذلك لِما صح عن عائشة وابن عمر -رضي الله عنهما- أنهما قالا: لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن، إلا لمن لم يجد الهدي.

ذبح الأضاحي

إن من العبادات الجليلة التي يتأكد فعلها في يوم عيد الأضحى التقرب إلى الله تعالى بذبح الأضاحي؛ فالأضحية من أعظم شعائر الإسلام، وهي النسك المقرون بالصلاة، كما قال تعالى (فصل لربك وانحر).

وهي من ملة إبراهيم -عليه السلام- الذي أُمِرنا باتباع ملته، وهي مشروعة لقوله وفعله -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد ضحَّى وضحى المسلمون معه ومن بعدهم؛ بل ضحَّى -صلى الله عليه وسلم- حتى في السفر، فقد صح عن ثوبان -رضي الله عنه- أنه قال: ذبح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضحيته ثم قال (يا ثوبان أصلح هذه)؛ فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة.

ولم يأتي عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه تركها، فلا ينبغي لموسرٍ تركها وهو قادر على فعلها.

وقد أجاز بعض العلماء لمن لم يجدهم ثمنها أن يقترض قيمتها بشرط قدرته على رد المبلغ، فلا بأس أن يقترض ويضحي لفضل الأضحية.

أحكام الأضحية

وللأضحية أحكام منها؛ أنها لا تُجزئ إلا من بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والمعز والضأن، ذكورًا وإناثا؛ ولا يجزئ غيرها؛ لقوله تعالى (ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام).

ولا يجزئ منها إلا ما بلغ السن المحددة، لقوله –صلى الله عليه وسلم– (لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم، فتذبحوا جذعة من الضأن).

والمسنة هي الثنية فما فوق والجذعة ما دون ذلك.

فالثنيّ من الإبل ما تم له خمس سنين، ومن البقر ما تم له سنتان، ومن الغنم ما تم له سنة، والجذع من الضأن ما تم له نصف سنة.

ويستحب في الأضحية أن تكون سمينة.

ومن أحكام الأضحية أيضًا أن الشاة تجزئ عن الرجل وأهل بيته ولو كان بعضهم متزوجا، ما دام أنهم يسكنون في نفس البيت وطعامهم وشرابهم مشتركٌ بينهم.

فقد ثبت عن أبي أيوب -رضي الله عنه- أنه قال: كان الرجل في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون.

أما إذا كان لكل واحدٍ شقة منفردة لها نفقة مستقلة ومطبخها مستقل فلكلٍ أضحية تخصه.

ويبدأ أول وقت الأضحية ضُحى يوم العيد بعد الانتهاء من صلاة العيد، وبعد الخطبة أفضل؛ وهذا الوقت هو أفضل أوقات الذبح، لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ ومن ذبحها قبل الصلاة وهو من أهل الحاضرة فلا تجزِئه، وذلك لما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال (من ذبح قبل أن يصلي، فليذبح أخرى مكانها، ومن لم يذبح، فليذبح باسم الله).

وأما من كان في مكان لا تقام فيه صلاة العيد، كالبدو الذين يتنقلون من مكان إلى آخر بدوابّهم لطلب العشب؛ أو ممن يعيدون في مخيماتٍ في البر أو من يعملون بعيدًا عن المدن والقرى، فإنهم ينتظرون بعد طلوع شمس يوم العيد مقدار صلاة العيد وخطبته ثُم يذبحون أضاحيهُم.

وأما آخر وقتٍ لذبح الأضحية فهو غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق، فتكون أيام الذبح أربعة، وهي يوم العيد و ثلاثة أيام بعده، اليوم العاشر والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر إلى غروب شمسه.

والسنة في الأضحية أن تكون سليمة من العيوب، فلا تجزئ العمياء ولا العوراء البيّن عورها ولا المريضة البيّن مرضها ولا العرجاء البين ظلعها ولا مكسورة الرجل أو اليد أو الظهر، والمشلولة والهزيلة شديدة الهزل ومقطوعة الأذن كلها أو أكثرها أو التي خُلقت بلا أُذنين والتي لا أسنان لها، والجرباء، ومقطوعة الإلية؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- حين سُئِل ماذا نتقي من الضحايا فقال: العرجاء البين ظلعها –ويروى: عرجها– والعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقي.

ومن العيوب التي لا تؤثر في إجزاء الأضحية التي لا قرن لها خِلقه أو مكسورة القرن والمخصي من ذكور الأضاحي، وما لا ذنَب له خلقة والقطع اليسير أو الشق أو الكي في الأذن.

ويستحب في لحم الأضحية أن تُقسم إلى ثلاثة أقسام؛ ثلثٌ يتصدق به، وثلثٌ يهديه وثلثٌ يأكله هو وأهله.

فقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال في شأن لحم الأضحية (كلوا وادخروا وتصدقوا).

عباد الله، قد قُلت ما سمعتم، فإن خيرًا فمن الله وحده، فله الحمد وله الشكر، وإن غير ذلك فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله منه واستغفروه إنه كان للمستغفرين غفارا.

الخطبة الثانية

الحمد لله مُعِز من أطاعه واتقاه ومُذِل من خالف أمره وعصاه، الذي وفَّق أهل طاعته للعمل بما يرضاه، وحقق على أهل معصيته ما قدَّره عليهم وقضاه؛ والصلاة والسلام على عبده ورسوله ومصطفاه، وعلى آله وأصحابه ومن اتبع هداه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم لقاه.

أما بعد فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الله قد أمركم بأمر وهو في عليَّ سماه فقال -جل في علاه- (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئِمَّة الحنفاء الذين قضوا بالحق وبه كان يعدلون؛ أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي، وأرض اللهم عن بقيّة الصحب والآل ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآل، وسلم تسليما كثيرا.

الدعاء

  • اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين.
  • اللهم آمِنّا في أوطاننا، اللهم آمِنّا في الأوطان والدور، وأصلح أئِمتنا وولاة الأمور واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك في جميع الأمور، يا عزيز يا غفور.
  • اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.
  • اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
  • ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين، إنك غفور رحيم.
  • اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وأدخلنا الجنة مع الأبرار، يا عزيز يا غفار.

عباد الله؛ إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على عموم نعمه يزدكم؛ ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

قدَّمنا لكم خطبة عن يوم عرفة وعيد الأضحى المبارك للشيخ أسامة حسين مشاط؛ فجزاه الله كل خير ونفع به.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top