خطبة: شعبان شهر النفحات الإيمانية والفضائل النبوية – مكتوبة

تمت الكتابة بواسطة:

خطبة الجمعة مكتوبة , شهر شعبان ,النفحات الإيمانية , الفضائل النبوية

ومع دخولنا الأيام الثلاثين الأخيرة قبل شهر رمضان، وجبت علينا هنا وقفة، وهي حول هذه الفترة، وهي شهر شعبان؛ وما جاء عنه وفيه من نفحات إيمانية وفضائل نبوية سنتطرَّق للحديث عنها في خطبة اليوم.. فتابعوا معنا القراءة.

عناصر الخطبة

  • شعبان شهر النفحات الإيمانية يسبق شهر رمضان الفضيل، شهر القرآن والتوبة والغفران.
  • ليلة النصف من شعبان من الليالي المباركة التي يستحب قيامها والإكثار من ذكر الله ﷻ فيها لما لها من فضل عظيم.
    يتخلى المسلم في هذا الشهر عن السلبيات ليقبل على شهر القران شهر التحلي بالإيجابيات.
  • وجوب نظافة القلوب في هذا الشهر من الضغائن والأحقاد وإخلاص العمل لله ﷻ وحده لا شريك له.
  • هذه الأيام المباركة تجعلنا في هذا البلد الطيب دعاة نخوة ورجولة، وعزة وعطاء في جميع مناحي الحياة.
  • إماطة الأذى عن الطريق صورة من شعب الإيمان، وحريٌ بنا أن نعمل بها في شهر شعبان قبل رمضان لتعم النظافة في أردننا ظاهراً وباطناً.

الخطبة الأولى

الحمد لله، زرع في قلوب المؤمنين الخشية والوجل، أحمده ﷻ وأشكره، في حال الغنى والوسن، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، نزع بالقرآن عن الصدور السآمة والملل، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، حث على التفاؤل والأمل، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، الذين نصروا الدين وقت الرخاء والأمر الجلل.

إن من حكمة الله ﷻ أنه اختصّ بعض الأمكنة والأزمنة والأشخاص بالتفضيل، فأشهر السنة الهجرية عند الله ﷻ اثنا عشر شهراً، كما قال الله ﷻ: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ [التوبة: 36]، ومن هذه الأشهر شهر شعبان المبارك الذي نتنسم في أيامه نفحات إيمانية من نفحات الله ﷻ، وسمّي شعبان بذلك لتشعّب الخير منه، وقيل من الشَعب وهو الجبر، فيجبر الله فيه كسر القلوب.

وفيه تهيج المشاعر شوقاً إلى رمضان، فرجب شهر بذر الثّمار، وشعبان شهر سقياها، ورمضان شهر قطف الثمار. ففيه حصلت كثيرٌ من الوقائع والحوادث ومن ذلك تحويلِ القبلة، ففيه تم تغييرُ قبلة المسلمين من بيت المقدس –المسجد الأقصى– المبارك، إلى الكعبة المشرفة في مكة المكرمة، وكان ذلك في ليلة النصف من شعبان في السنة الثانية من الهجرة، فاستجاب الله ﷻ دعاءَ نبيِّه الكريم، بتحويل قبلةِ الصلاة من بيت المقدس إلى الحرم المكي الشريف، قال ﷻ: ﴿قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾.

وقد كان الرسول ﷺ يكثر من صيام شهر شعبان المبارك، تقول السيدة عائشة –رضي الله عنها– «لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ ﷺ يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ» — متفق عليه، وقد سئل النبي ﷺ عن كثرة صيامه في شهر شعبان، فقال: «ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى ربّ العالمين، فأحبّ أن يرفع عملي وأنا صائم» — رواه النسائي، وفي شهر شعبان ترفع الأعمال إلى ربّ العالمين، قال الله ﷻ: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُه﴾ [فاطر: 10].

فكم لهذا الشهر من فضائل عظيمة، وردت بها أحاديث نبوية مطهرة، وكان النبي ﷺ يحض على صيامه فعن عائشة –رضي الله عنها–، قالت: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ» — متفق عليه، فكثرة صيامه ﷺ في شعبان تدل على فضل هذا الشهر ومكانته العظيمة.

وفي شهر شعبان ليلة مباركة ليست كباقي الليالي هي ليلة النصف منه، يطلع الله ﷻ فيها على بالمغفرة، وتتنزل فيها الرحمات، لذلك فقد ذهب جمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة إلى استحباب إحياء هذه الليلة الفاضلة، ويدلّ على ذلك قول النبيّ الكريم ﷺ: «يطّلع الله ﷻ إلى خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لعباده، إلا لاثنين: مشاحن وقاتل نفس» — رواه أحمد، وفي رواية الطبراني: «إلا لمشرك أو مشاحن».

وفي هذا الحديث الشريف، علّق الله ﷻ مغفرته لعباده على شرط أساسي هو تطهير القلب من الخصومة والشرك والمشاحنة، فهي دعوة للتصالح مع الله ﷻ أولاً بترك الشرك والمعاصي والتوبة لله ﷻ والإقبال عليه سبحانه وحده لأنه هو الإله الحق المتصرف بجميع أمور عباده، وهي دعوة ربانية كذلك لجميع الناس للتصالح فيما بينهم، ونبذ خلافاتهم، وعصبياتهم، وأحقادهم، وتطهير قلوبهم من الحسد والبغضاء، فتكون مغفرة الله ﷻ ودعوته للتصالح وتجميع القلوب، دليل محبة منه ﷻ ورحمة لجميع الناس.

فإذا أردنا المغفرة والرحمة والرضوان من الله ﷻ علينا أن نجتهد في أن ترفع أعمالنا إلى الله ونحن صائمون، قائمون، ذاكرون، تالون للقرآن الكريم، وأن ترفع أعمالنا إلى الله وقلوبنا طاهرة خالية من الأحقاد والضغائن.

والجدير بالمسلم الذي يطلب مغفرة الله ﷻ أن يحرص على وجوده حيث أمره الله ﷻ حينما يطلع عليه في هذه الليلة المباركة، وأن يجتهد في الابتعاد عمّا نهاه الله ﷻ عنه، فإذا اطلع الله ﷻ عليه _وهو أعلم بحاله_ وجده حيث يحب، وقد قيل: ” التقوى إلا يفقدك الله حيث أمرك، ولا يجدك حيث نهاك”.

وذكر الإمام الشافعيّ –رضي الله ﷻ عنه– أنّه يستحب القيام والدعاء والذكر في ليلة النصف من شعبان، وذلك لمزيد فضلها على غيرها من الليالي، وذكر ابن رجب الحنبلي رحمه الله أنّ التابعين كانوا يعظّمون ليلة النصف من شعبان ويجتهدون فيها في العبادة.

فلنتعرض أيها الإخوة المؤمنون لنفحات هذه الليلة بعدة أمور:

  • منها: أن نحيي هذه الليلة بالقيام والدعاء وقراءة القرآن، وسائر أعمال البرّ والخير.
  • ومنها: أن نخلّي قلوبنا من أي ضغينة لمسلم، فنبادر بالصلح والمصالحة، ونبتعد عن المشاحنة رجاء مغفرة الله ﷻ
  • ومن الأمور التي يندب فعلها في ليلة النصف من الشعبان أن نخلص النية لله ﷻ في العبادة فنخلصها لله وحده لا شريك له، ابتغاء ثوابه سبحانه لا لعرض من الدنيا أو غرض عند الناس.
  • ومن أفضل الأمور التي يواظب عليها المسلم في هذه الليلة المباركة هو الإكثار من الصلاة على النبي ﷺ، فشهر شعبان هو الشهر الذي نزل فيه قول الله ﷻ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) الأحزاب: 56، فيكون التقرب إلى الله ﷻ في هذه الليلة بالامتثال للأمر الإلهي الذي نزل في هذا الشهر وهو الصلاة على النبي ﷺ.

وفي ليلة النصف من شعبان كذلك تُعرض الأعمال على الله ﷻ ويطلع الله ﷻ على عباده فحري بالمسلم أن يُرفع عمله وهو صائم لله ﷻ، ومن المعلوم أنّ هذا اليوم من الأيام البيض التي يسنّ صيامها أصلاً، وهي: اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر عربيّ، فهذا اليوم الرابع عشر يسنّ صيامه، لأنه من الأيام البيض.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

عباد الله؛ أيام قليلة بيننا وبين شهر رمضان شهر القرآن، فعلى من كان عليه قضاء أيام من شهر رمضان الماضي أن يسارع بقضاء هذه الأيام قبل أن يحلّ شهر رمضان المقبل فيأثم لتأخير أداء حق الله ﷻ، وقد ورد عن السيدة عائشة –رضي الله عنها– أنها قالت «كان يكون علي الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، الشغل من رسول الله ﷺ، أو برسول الله ﷺ» — متفق عليه، فلم تكن السيدة عائشة تؤجل قضاء صيامها عن شهر شعبان حتى يدخل عليها رمضان، وما أخرها عن القضاء إلا اشتغالها بحق رسول الله ﷺ عليها.

شعبان الخير شهر الاستعداد لشهر رمضان المبارك الذي فيه ليلة خير من الف شهر هي ليلة القدر والليالي العشر، وهو شهر عظيم يحتاج منا إلى استعداد وتهيئة، تتمثل في نظافة القلوب من الضغائن والاحقاد، والبيئة من خلال إماطة الاذى عن الطريق ليصبح اردننا نظيف الظاهر والباطن. قال رسول الله ﷺ: «الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» — رواه مسلم

ولنغتنم موسم شعبان بما يرضي الله ﷻ من القيام والصيام والدعاء وتلاوة القرآن، فإنّ ذلك بشارة بالقبول في رمضان والعتق من النيران والفوز بجنان الرحمن.

والحمد لله رب العالمين..

وهنا المزيد من خطب الجمعة لشهر شعبان:

موفَّقون إن شاء الله.


التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: