بر الوالدين وتحقيق التوازن بين الأم والزوجة

تمت الكتابة بواسطة:

بر الوالدين , الأم والزوجة

ومع رياض الجنة ومع بر الوالدين ونعيم الجنة المُعجَّل يوم أن يرزق أحدنا أبوابها مفتوحة. 

أحيانا يقصر بعض الأبناء في بر الأمهات خاصة، لأنه يعتقد أن الحقوق بين الوالدة والزوجة قد تقاطعت بعد زواجه. فإذا أراد أن يبُر أمه كان على حساب زوجته. أو إذا أراد أن يحسن إلى زوجته، كان على حساب أمه. وهذا خطأٌ كبيرٌ وربما يوصل الابن إلى كبيرة من كبائر الذنوب.

الزوج والابن العاقل الحصيف

بعض الأمهات تغار، وكذلك بعض الزوجات. بعض الأمهات تشتكي، وكذلك بعض الزوجات.

تحتاج الأم إلى ابن عاقل حصيفٍ يستطيع أن يتوازن بين بره بها، وبين حقوق زوجته الشرعية التي أوجبها الله.

أُمك حلوة اللبن. نعم، حملتك كرها ووضعتك كرهًا. هي التي بفضل الله ثم بفضلها بلغتك هذه المنزلة، أن تكون رجلا يُنظَر إليه نظرة الاعتبار. فزوجوك الناس، لكن ما زوجوك إلا لأنك رجل من تربية تلك الأم. وعروق دمك في مجاريها هي دماء أمك، وحجرها كان بيتك، وثديها كان سقائك، وعينها كانت الرحمة والحنان في حياتك.

لذلك، إياك بعد الزواج أن تنقص من حقها. كمان لا يجوز لك أيضًا أن تظلِم الزوجة لإرضاء أمك.

استعمل ذكائك

كن متوازنا وافهم نفسية أمك. والابن إذا افهم نفسية الأم ارتاح. لكن البعض لا يستطيع ولا يفهم. يأتي بالحب بقضه وقضيضه، فيحب بعنف أو يبغض بعنف. إما أن يكون مع الزوجة بكُليته، أو يكون مع أمه فقط. نعم، لكن أيضًا أمك تريدك أن تكون سعيدًا، تفتح بيتا، تنجب أبناءً. لكن توازَن، فليس هناك تعارض بين الأم والزوجة.

والعاقل المؤمن يستطيع أن يتوازن.

رسالة للزوجة

وهنا نرسل رسالة إلى كل زوجة: إذا رأيتِ زوجك يحب أمه حبًا فهيئي له أبواب الحب. فإن الزوج المحب لأمه، البار بها، سيكون بارًا بكِ، وذريته ستكون بارّة.

سيبرك أبنائِك غدًا، إذا كان والدهم بارًا بوالديه، وإلا فإنك ستربين شوكًا.

رسالة للأم

ونقول للأم أيضًا رسالة ختامية: إذا رأيتِ الابن يعيش الحيرة، فهدئي عليه الوضع، وحاولي ألا تركزي على أخطاءه، ولا أن تشتكي له عند كل دخول، حتى لا يعيش في مفترق طريق، أمي أو زوجتي.

وتبقى الأم عيني وعينك، ونور الحياة وحاضنتها، وساقيه المعالي. رب ارحمهم كما ربونا صغارًا.

الخليل إبراهيم

إن المُتأمل في قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع أبيه، حوار توحيدٌ ووالده يريد الشرك. يريد أن يعبد الصنم، وإبراهيم يريده أن يعبد الله وحده. “إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا | يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا | يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا | يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا” ~  سورة مريم – الآية 42-43-44.

نداءات الأبوة، ما أجمل قول “أبتِ” ومع أن والده كان على الكُفر. فكان رد الوالد قاسيا “لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا | قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا”.

بعد هذا الرد العنيف والتقريع له يقول له سلام عليك!! نعم، إذا ارتفع صوت الأب أو الأم عليك أو تغيرت أخلاقهم وطباعهم، فقوله سلامٌ عليكم وتبسَّموا.

سيدنا إبراهيم، وهو النبي الخليل الحنيف الأواه المنيب، كان عليه الصلاة والسلام رحيما بأبيه. بل انه قال “سأستغفر لك ربي”، أي أنه وعده مع هذا أن يستغفر له، حتى نهاه الله عندما تبين له أنه من أهل النار وأهل الشرك.

وهذا إبراهيم قال الله عنه “إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ” ~ سورة النحل – الآية 120.

الصبر على الآباء والأمهات

ما أجمل أن نصبر على الآباء والأمهات ونبتسم ولو تغيرت طباعهم.

هذا قدرك، أن تجاهد تحت أقدامهم، وأن تبحث عن طريق الجنة عبر أقدامهم، وأن تكسِر حدة نفسك وتروض طباعك السيئة طاعة لهم ورحمة بهم واقتداءً بأنبياء الله.

قصة مؤثرة عن عن بر الوالدين

عاشت حياة اليتم، إخوانها في شغل، بقيت عند أمها فترة وفاة أبيها، خُطِبَت أكثر من مرة. لا ينقصها جمالٌ؛ لكنها اختارت القرار أن تمكث عند هذه الأم المريضة.

استمرت تمرضها، إلى أن بدأت الأم تفقد بعضًا من عقلها. حتى أتى رجلا فرضي أن تبقي عند أمها، ثم خطبت وتزوجت.

وما احتفلت كم احتفلت عرائس هذا الزمان، من ثاني ليلة وهي تحت أقدام أمها، وهي تخدمها، تحميل الأذى عنها.

استمرت، وكانت الأم أحيانًا تفيق وتطلب الصلاة، فتُيممها إلى القبلة ثم تُذكرها أحيانًا بعدد الركعات “أمي: يتبقَّى ركعة، باقي ركعتين، توضأتِ يا أمي..”.

تحملها إلى دورة المياه، في ثقلت هذه الأم، باتت تقضي حاجتها على فراشها. وما تأففت هذه البنت الصالحة.

تركها الزوج عند أمها، فأنجبت ابنين صالحين. فكانت، وهي في المخاض وفي تمام التعب، تخدم الأم وهي تحتاج بعد الإنجاب من يخدمها.

وكانت آلامها لا يُسمع لها أنين ولا شكوى. حتى ماتت أمها.

فلما ماتت، أتى إخوانها الذكور، فقالوا هذا البيت ميراث، اخرجي. وكان زوجها رقيقُ حال، ليس عنده مال.

فأخرجوها، فتعاونت مع زوجها واستأجرت بيتا بجوار مسجد. لا تريد إلا المسجد حتى تخرج أطفالها الاثنين إلى بيت الله.

تنتهي القصة بأن هذه المرأة الصالحة أخرج الله من رحمها شابين صالحين تقيين حافظين عابدين من طلبة العلم الكبار.

بعد موت أمها تقول: والله ما رأيت كُربة، ولا أغلِق في وجهي باب.

وإذا تذكرت أمها، وقبل ذلك والدها، تحشرجت بالبكاء شوقا.

ماتت أمها وهي على ذراعها، وتتذكر تلك الأيام الخوالي، سنين طوال من الصبر. ولكن عاقبة الصبر الجميلِ جميلةٌ.

فما أجمل البر، يجعل الحياة حديقة غنَّاء.


التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: