اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.. معناها والمراد بها

دعاء اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا

ومن جَديد، مع قضيّةٍ شغلت قلوب الملايين، إنَّهُ الدُعاء: اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا. فلا يلبث أن يجِد المَرء نفسَهُ مُحاط بالخبثِ والسّفه، وينزِل الوباء والبلاء وتعُم البلوى. فيلجأ إلى رَبِّهِ تبارك وتعالى، محاولاً النجاة من بين السُّفهاء الذين كانوا سببًا في ذلك.

اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا

قالها موسى عليه الصلاة والسلام مُخاطِبًا ربه عن بني إسرائيل لما جرى منهم ما جرى، فأنزل الله عليهم الرجفة قال “أتهلكنا بما فعل السفهاء منا”. نعم إن الذين فعلوا تلك الفعلة هم قلة من بني إسرائيل، لكن بسبب ذلك نزلت العقوبة من عند رب العالمين.

وهكذا أيها الإخوة فإنّ ترك السفهاء يعبثون في مجتمعات المسلمين ويُترك حبلهم على الغارب، يفسدون، وينشرون المنكرات، ويُسكَتُ عنهم. إنّ هذا السكوت مؤذنٌ بنزول العقوبات.

قال الله تبارك وتعالى “واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة”. ومن هنا، فهناك معادلة عجيبة في كتاب الله عز وجل، فكما أنه قد تنزل العقوبات الربانية بسبب القلة الظالمون. فكذلك أيضا قد ترفع العقوبات الربانية بسبب القلة الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.

يقول المولى تبارك وتعالى “فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم”. أي هلا كان قلة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.

فئات المجتمع من المفسدين والمصلحين

إذًا هذا المجتمع إنّما يكونوا بين فئتين، فئة تنشر الفساد، فالسكوت عنها قد يؤذِن بالهلاك، وفئة أخرى تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتقوم بما أوجَب الله عز وجل، فقد تكون بما تقوم به سببا لزوال المحنة من ربِّ العالمين والعذاب منه سبحانه وتعالى.

فيجب أن يُراعى المجتمع هذا الأمر، فيأخذ على أيدي السفهاء وينتصر للآمرين بالمعروف والنّاهين عن المنكر. يجب أن يكون المجتمع قائمًا على الاستقامة في طاعة الله عز وجل وأن يكون عنوان مراعاة هذه الاستقامة بفعل الأوامر واجتناب النواهي بإشاعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

اللهم احفظنا بحفظِك واجعلنا من الآمرِينَ بالمعروف والناهين عن المنكر، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك و لا يرحمنا. وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين.

وقَد ذَكر الشّيخ “مصطفى العدوي”، في سؤاله: هل يجوز أن ندعوا ربّنا بقولنا “ربّنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا”، فقال نعم يجوز، فهو دُعاء موسى وأخاهُ هارون عليهِما السّلام. وقد ذكرهم الله -تعالى- ضِمن الأنبياء الذين يُقتضى بهِم، وقال -جلّ شأنُه- “أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده”.

فائدة وعظة

وأذكر لكم مزيد فائدة؛ وهي سؤال ورد إلى دار الإفتاء المصرية، يقول هل يؤاخذ الله -جل وعلا- الأبناء بذنوب فعلها الآباء؟

فكان الجواب: يقول الله -تبارك وتعالى- في الآية ١٥ من سورة الإسراء {ولا تزر وازرة وزر أخرى}، وقال في الآية ٣٨ من سورة المدثر {كل نفس بما كسبت رهينة}، وقال في الآية ٢١ من سورة الطور {كل امرئ بما كسب رهين}. هذه الآيات في كتاب الله -تعالى- وأمثالها التي تدل على أنه -عز وجل- لا يظلم أحدا فيعاقبه بما جناه غيره؛ متفق على أنها في الآخرة عند الحساب والجزاء، لكن في العقاب الدنيوي قد يؤخذ البريء بسبب معصية غيره عندما يجيء عقاب عام؛ كالزلزال والخسف بسبب شيوع المعاصي؛ كما في الحديث الشريف في صحيحي البخاري ومسلم “يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على قدر نياتهم”.

ومنه ما جاء في دعاء (‌لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا). فالأبناء وغيرهم يؤخذون بذنوب آبائهم ومجرميهم إذا كثر الفساد، وذلك في عقاب الدنيا، وسيعوض الله -سبحانه- الأبرياء خيرا يوم القيامة، والآباء إذا كانوا مجرمين سرت العدوى إلى أولادهم بالتقليد والمحاكاة، وكرههم الناس لكراهتهم لآبائهم، فشؤم معصية آبائهم يلحقهم في معاملات الدنيا طوعا أو كرها.

أما الأعمال، فكل واحد مسئول عن عمله أمام الله -عز وجل- يوم القيامة. وعلى ضوء هذا يفهم الحديث القدسي الذى رواه أحمد عن وهب (أنى إذا أطعت رضيت، وإذا رضيت باركت، وليس لبركتي نهاية، وإذا عصيت غضبت، وإذا غضبت لعنت، ولعنتي تبلغ السابع من الولد). وعلى شاكلة هذا لو اختار الرجل زوجة صالحة كان هناك أمل في صلاح الأولاد، وبالعكس لو اختار الرجل زوجة غير صالحة نشأ الأولاد، وقد نزعهم عرق من الأم، ومن هنا كانت الوصية (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس).

وقال أبو الأسود الدولي لأولاده: قد أحسنت إليكم صغارا وكبارا وقبل أن تولدوا، حيث اخترت لكم أما لا تسبون بها، فجناية الآباء تصيب الأبناء في مثل هذه الأمور الدنيوية.

أضف تعليق

error: