أمانة النبي بشهادة أعدائه

صورة , القرآن الكريم , الأمانة , أمانة النبي
القرآن الكريم

يحيا المسلم بين أهله وأصحابه ورفاقه، ويتبوأ المسئوليات منذ اللحظات الأولى التي يدرك فيها العالم ويستطيع التمييز بين الحق والباطل، وبين الخير والشر، فيصبح مسئولا عن أقواله وأفعاله ومتى لمس فيه الناس هذا النضج وعرف فيه الإدراك والوعي، حملوه أماناتهم وأسندوا إليه المهمات وأودعوه الأسرار والأخبار، وطلبوا مشورته واسترشدوا برأيه كل على قدر إمكانياته، ويظل يحمل تلك الأمانات بصورها المختلفة حتى يلقى الله.

والأمانة كلمة فضفاضة واسعة تشمل عدة أمور، وليست قاصرة على حفظ الأشياء المادية أو الأسرار، بل هي أو سع من ذلك بكثير.

وهي من الأخلاق الكريمة التي دعت إليها الشريعة الإسلامية، وورد في فضلها عدد من الأحاديث والآيات القرآنية، وقد ضرب لنا النبي –صلى الله عليه وسلم- أروع الأمثلة في الأمانة، وهنا سوف نتناول الأمانة بمفهومها الواسع مبينين تلك المحاور.

الأمانة بمفهومها الواسع

الأمانة هي أن تكلف بحمل مسئولية ما وبأدائها على وجه معين، ومن صورها الشائعة أن يحمل الإنسان مهمة الاحتفاظ بعين ما ,أو توصيل شيء مادي من شخص لآخر سواء كان مالا أو غيره مما له قيمة، ومنها أن يحمل المرء مهمة الاحتفاظ بسر أو يطلع على خافية ويخص بها، فيصبح من الأمانة أن يخفيها ولا يفصح عنها أبدا، ومن الأمانة أن تكلف بعمل معين فيصبح من الواجب أن تتقنه على أحسن وجه، فرسالة التعليم أمانة في عنق المعلم ، ورسالة التربية أمانة في عنق كل مربي، ورسالة العلاج أمانة في عنق كل طبيب، وكل مسئول في موقعه يحمل على عاتقه أمانة أن يؤدي ما عليه بأفضل درجة ممكنة.

أمانة النبي مضرب المثل

كان النبي –صلى الله عليه وسلم- مضرب المثل في الأمانة والصدق، ومن أكثر ما يلفت النظر في تلك المعلومة أن أعداءه هم من لقبوه بالصادق الأمين، حتى في حال الدعوة وفي قمة العداء بين النبي وأهل قريش لا يزالون يأتمنوه على ما يملكون، ويودعون عنده أماناتهم وأغراضهم يقينا منهم أنها في يد لا تعرف الخيانة أبدا.

ولنا في موقف النبي من أهل قريش حين أذن الله له بالهجرة أسوة حسنة، فأول ما فعله أن كلف عليا بن أبي طالب برد الأمانات إلى أصحابها، وهو بين ظهرانيهم مضطهد مُعادى، يخطط للنجاة بدعوته إلى موطن آمن لم ينس أن يرد الأمانات إليهم، ولم تسول له نفسه – حاشاه –صلى الله عليه وسلم- أن ينتقم منهم أو يراوغ في رد حاجاتهم وأغراضهم.

دعوة الكتاب والسنة إلى التخلق بخلق الأمانة

الأمانة بين الناس أمر ضروري موجب للسكينة والطمأنينة، وجالب للمحبة والود، فالمجتمع الذي يؤمن أفراده فيه على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم هو مجتمع مستقر ومتماسك قوي البنيان، وقد حث القرآن على الأمانة في أكثر من موضع، منها قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}، وقال جل وعلا أيضا : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ)، وفي هذا إشارة إلى ضرورة حمل الأمانة بقوة وأدائها إلى أصحابها ابتغاء مرضاة الله، وليعفي الإنسان نفسه من حمل أثقال ينوء بحملها يوم يلقى الله عز جل.

كذلك السنة النبوية المطهرة حضت على الأمانة وعلى مراعاة الله فيها وأدائها لأهلها حتى وإن كان أهلها خونة أو أهل للسوء، فيقول –صلى الله عليه وسلم- فيما راوه عبادة بن الصامت رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة، أصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا الأمانة إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم وغضوا أبصاركم وكفوا أيديكم). ويقول في رواية أخرى: (أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك).

حفظ السر أثقل الأمانات

قلنا من الأمانة أن تحفظ ما أطلعت عليه من أسرار، وتكن على قدر الثقة التي مُنحتها، فحفظ السر أهم من حفظ المال أو غيره من الأغراض، لأن إفشاء السر قد يترتب عليه ضررا كبيار لصاحبه، أو يتسبب له في كارثة، فعلى المسلم أن يمسك عليه لسانه لا يفشي من الأسرار ما قد يضر غيره أو يؤذيه، فهذا مما لا يليق بالمؤمن ولا يرضي الله.

أضف تعليق

error: