اليوم العالمي للتراث السمعي البصري

صورة , الأفلام الوثائقية , التراث السمعي البصري
الأفلام الوثائقية

كيف تخدم الوثائقيات قضية فلسطين؟

قالت الأستاذة “روان الضامن” المستشارة الإعلامية وصانعة الأفلام. الواقع يشهد بأن الوثائقيات تتحول بمرور الأيام إلى تراث، ولذلك تعتبر الأفلام الوثائقية مؤرخ يحكي قصة هذا العصر وهذا الجيل لأجيال أخرى قادمة، وربما استعمال هيئة الأمم المتحدة لفظة تراث عند تسمية هذا اليوم – اليوم العالمي للتراث السمعي البصري – صحيحاً جداً، فهذه الوثائقيات بمرور الزمن لا تعدو كونها مثل الآثار التاريخية التي يستمتع الناس بمشاهدتها.

وكذلك الحال مع الأفلام الوثائقية، وخصوصاً الأفلام التي تحكي قصة فلسطين، لأنه من المعروف أن فلسطين تم محوها من خارطة العالم، فلا أطلس معتمد عالمياً يضع الدولة الفلسطينية على خرائطه، وهو الهدف الذي سعى إليه المشروع الصهيوني، والذي مفاده محو الرواية الفلسطينية وإحلالها بالرواية الصهيونية، وعزز هذا المحو عمليات التطبيع الجارية على قدمٍ وساق من المحيط للخليج، فتأتي الأفلام الوثائقية الفلسطينية لخدمة الرواية التاريخية والإبقاء عليها في ذاكرة التاريخ رغم كل محاولات التخلص منها.

إلى أي مدى تأثرت فلسطين باندثار التاريخ السمعي البصري العالمي؟

أكدت “أ. الضامن” على أن فلسطين هي الأشد تضرراً بين دول العالم بخفوت نجم الوثائقيات، كما يعزز من هذا الضرر عدم وجود مكان مستقل يحتفظ بالأرشيف الورقي والسمعي والبصري للدولة الفلسطينية، فحين عملت كمخرجة على سلسلة النكبة الفلسطينية (متاحة حالياً بعشرة لغات، وتُدرس في كبريات الجامعات العالمية لعرضها قصة فلسطين منذ العام 1799م إلى اليوم) واجهتني مشكلة عدم وجود أرشيف مكاني مستقل لفلسطين، فاضطررت للبحث عن الخبايا التاريخية في الأرشيف البريطاني والأمريكي والأوروبي والفرنسي، فالأرشيف الفلسطيني موجود إلا أنه مبعثر بين الدول الاستعمارية القديمة، ولا توجد أي أجزاء منه بأي دولة عربية، وحتى الأرشيفات الخاصة بالدول العربية غير فلسطين عادةً ما تعاني من الإهمال والنقص.

وبشكل عام يعتبر اندثار الأرشيف التاريخي لأي دولة وعلى رأسه الأرشيف السمعي البصري خسارة كبيرة جداً لتلك الدولة، حيث أنه يعبر عن واقع الأمم وتاريخها، فمن لا يملك أرشيف لا يملك جذور يروي منها قضيته.

ما أبرز التحديات التي تواجه صانع الوثائقيات العربي؟

خبرتي العملية الممتدة لأكثر من خمسة عشرة عاماً في صناعة الأفلام الوثائقية الخاصة والإشراف على أعمال المواهب الأخرى أثبتت لي كم الزخم المتوافر في الوطن العربي من حيث الطاقات والقدرات والمواهب بكافة التخصصات، حيث لا عجز لدينا كعرب يُميز صانع الوثائقيات الأجنبي عنا، إلا أننا كعرب تواجهنا مجموعة من التحديات على رأسها ما يلي:

إهمال البحث والإهتمام بالصورة

تابعت “أ. روان” حيث يعتقد الكثير من المخرجين أن مهمة وجودة الفيلم الوثائقي تكمن في إبراز الصورة الميدانية في أحسن حال، ويهدفون من وراء ذلك إلى إنتاج أعمال جميلة تتكالب المهرجانات على عرضها، لكن في الحقيقة تلك الأفلام التي تُهمل الجانب البحثي والاستقصاء التاريخي لموضوع الفيلم تموت سريعاً ولا يمكن الاعتماد عليها كوثيقة تاريخية يُعتمد عليها، وهو ما نأمل تغيره في المستقبل.

استحواذ الاهتمام العربي على الدراما والبرامج الترفيهية

وهذا واضح جداً عند مفاضلة العائلات بين الذهاب لمشاهدة فيلماً درامياً أو فيلماً تأريخياً وثائقياً، كما يتضح من خلال إقبال القنوات العامة والخاصة على شراء وعرض الدرما وإهمالها للوثائقيات، وينبع هذا الإهمال من الاعتقاد السائد بأن الفيلم الوثائقي هو فيلم ممل بطبيعته، والحقيقة أن صانع الوثائقيات العربي بمقدوره صنع أفلام مشوقة وجذابة.

تدني الميزانيات المالية للوثائقيات

وهي سمة منتشرة في كل الدول العربية، حيث لا مقارنة أبداً بين الميزانيات المالية المرصودة للأفلام الدرامية وتلك المرصودة للأفلام الوثائقية، مع أن منتجي الوثائقيات إذا ما اهتموا برفع ميزانية الفيلم فإن ذلك سيتيح لهم المشاركة في أكبر وأشهر المهرجانات العالمية المتخصصة، والتي تمنح جوائز مالية وعينية طائلة.

كل تلك التحديات وغيرها لا يواجهها صانع الوثائقيات الأجنبي، لذلك يتميزون في هذا المجال بناءً على سعة الإمكانات المتاحة لا عن تميز في الموهبة أو الطاقة.

هل تولد نجاحات بعض الوثائقيات الفلسطينية مسئوليات على ما يليها من أعمال؟

أكدت “أ. روان” على أنه لا شك من أننا نفخر ونتباهى بكل عمل نجح في وضع اسم فلسطين على خارطة الإعلام العالمي، لكن المحزن في الأمر أن معظم تلك الأفلام الوثائقية الفلسطينية الناجحة اضطرت إلى عقد شراكات أوروبية لتصل إلى هذا النجاح الدولي، والحقيقة أن الأفلام الفلسطينية الصِرفة تجد صعوبة في الوصول إلى المهرجانات المتخصصة.

وعليه يمكننا القول أن النجاحات التي حققتها الأفلام الوثائقية الفلسطينية على المستوى الدولي لم تغير من سياق الإعلام الغربي في التعامل مع الرواية الفلسطينية للتاريخ، بل إن هذا الإعلام مازال لا يقبل الرواية التاريخية المبنية على معلومات تاريخية موثقة، وجُلّ ما يقبله حتى مع الشراكة الأوروبية في الإنتاج هي القصص الإنسانية التي تهتم بالمشاعر مع بعض الإيحاءات التاريخية أو السياسية، لكن عند الحديث عن الحقائق يواجه الفيلم بسيل من الصد والمنع والتعتيم لكشفه الكثير من زيف وكذب الرويات الصهيونية.

واختتمت “أ. روان” وخلاصة القول أن نجاح كل فيلم وثائقي فلسطيني يعتبر حالة مستقلة بذاتها، لا تتأثر بما قبلها ولا تؤثر فيما يلحقها، وليس معنى ذلك التخلي عن المسئولية أو التوقف، فالمخرجين العرب أجمعهم يهتمون بسرد ومناصرة القصة الفلسطينية الحقيقية، كما أنهم على علم كامل بأن عمل اليوم ليس لليوم، وإنما سيؤثر يوماً ما في المستقبل بواقع الإعلام الدولي من خلال الإقرار بهذه الرواية التاريخية لأنها هي الحقيقة والأصل التاريخي بالأساس.

وهنا أيضًا من قِسم أيام ومناسبات

أضف تعليق

error: