مشكلة غياب ثقافة تقبل الآخر

غياب ثقافة تقبل الآخر

يُعد غياب ثقافة تقبُّل الآخر من الأمور الخطيرة التي قد تتسبب في ظهور العديد من المشاكل الاجتماعية بين أفراد المجتمع الواحد بل والعائلة الواحدة لأن عدم تقبل الآخر يأتي في الأساس من ثقافة متطرفة نعززها نحن بأنفسنا منذ الصغر في أطفالنا ونحفظهم فكرياً داخل إطار أو حيز معين لا يخرجون منه سوى للتنمر والسخرية من الآخر الذي يختلف معهم لأي من الأسباب المختلفة.

ما مدى غياب ثقافة تقبل الآخر على المجتمع؟

ترى الدكتورة ندى العابدي ” عضو في مركز همم للبحث والتحليل الاجتماعي ” أن قبول الآخر هي ثقافة نفتقدها نحن الشعوب العربية في مجتمعاتنا سببها أسلوب التربية والتلقين والحفظ الذي نعلمه أبنائنا منذ الصغر سواء على مستوى التربية المنزلية أو على مستوى المناهج التربوية في المدرسة.

على الجانب الآخر، يمكننا أن نقبل الآخر عندما نعي أن مشتركاتنا مع الآخر ليست على مستوى الشكل أو الظاهر بل مشتركاتنا هي عميقة بعمق الإنسانية كما أننا نحتاج الآخر ونفكر فيه على أنه لا آخر، وهذه المشكلة سببها أننا نعيش في مجتمعات مغلقة ليس بها تنوع ولا نرى من يختلف معنا في الهيئة والشكل أو الثقافة، لذلك يصبح الآخر عدو من وجهة نظرنا مادام يختلف عنا في الفكر والمظهر الخارجي والشكل والثقافة والمنهج الفكري، ومن هنا تبدأ حالات الهجوم على الآخر ورفضه والتقليل من شأنه وقد تصل في بعض الأحيان إلى تعنيف الآخر إما بالكلام أو اللفظ أو بالتصرف، وقد تصل الأمور في بعض المجتمعات المغلقة إلى قتل من يختلف معنا شكلاً أو سلوكاً وهذا ما نراه جلياً في التطرف الديني الذي يجعل غيرنا يدفع ثمناً غالياً نتيجة اختلافه معنا.

ما هي أسباب عدم تقبل الآخرين وتقبل اختلافهم عنا؟

هناك ثقافة التعليب التي تملأ مجتمعنا، والتعليب بمفهومه العام معني بالغذاء لتحفظه في علب خاصة وإمكانية إضافة نوع من المواد الحافظة لهذا الطعام أو هذا الغذاء والذي يحفظه على شكله وطعمه وهيئته الحالية حتى لا تتغير وتُحفظ هكذا لمدة معينة.

نفس الحال في مجتمعاتنا العربية نمارس ثقافة التعليب وإنما هو تعليب من نوع آخر أو أنه تعليب فكري إن صح التعبير حيث أننا نربي أبنائنا على طريقة تجمد تفكيرهم وتجمد طريقة معالجتهم للأمور وطريقة تعاطيهم مع الآخرين، وهذا يجعل الطفل أو الابن قالب جامد غير متحرك لا يمكنه أن يتغير بمرور الزمن، وذلك الفكر يُغذى بمرور الوقت بمزيد من السموم والتعصب والضيق بحيث يصبح هذا الشاب فيما بعد مُعلب الفكر دون أن يتطور ولا يحارب من يخالفه بالتفكير أو بالرؤى والأفكار، وتصل الحالة إلى أن يرفض حتى من يخالفه بالزي أو بالملابس والمتبنيات، وهذه الثقافة تنشا منذ الصغر حين يتم ضخ معلومات للطفل وتُحفظ له بحيث نعطل للطفل القدرة على الاستنتاج والخيارات الأخرى بالأجوبة أو حتى بمستوى التفكير، وهذا الأمر يمكن علاجه عن طريق العائلة الواعية التي تبدأ بتعليم أبنائها ضرورة تقبل الاختلاف مع الآخر – وفق ما تراه أخصائية التحليل الاجتماعي الدكتورة ندى العابدي.

على سبيل المثال، إذا كان الطفل من ذوي البشرة البيضاء فإنه يستغرب أطفال ذوي البشرة السوداء وهذه الحالة يمكن علاجها عن طريق شراء بعض الألعاب أو الدُّمى على شكل اللون الأسمر ليتعلم الطفل ضرورة تقبل هذا اللون.

على الجانب الآخر، للإعلام دوره الكبير في تعزيز ثقافة التعليب أو في محاربتها حيث أننا نرى في العديد من البرامج خاصة في برامج الكاميرا الخفية التي للأسف تعمل على ترسيخ ثقافة التعليب الفكري بحيث أنها تستهزأ بالشخص الريفي أو المِثلي أو من يرتدي لبس معين، ومن ثم يقومون بتحريض الآخرين عليه ويتحول المشهد إلى مشهد فكاهي عبثي.

كيف يمكننا حماية أنفسنا من سخرية وتنمر الآخر بنا؟

دائماً هناك العديد من الأشخاص الذين ليس لديهم أي اختلاف مع غيرهم وإنما نراهم دوماً يشعرون بالنقص وعدم الاندماج في المجتمع، وهذا يعود إلى طريقة التربية التي رُبوا عليها، لذلك يجب علينا أن نعزز من ثقة أبنائنا في أنفسهم دون أن ننتقص منهم ولا من أشكالهم وتصرفاتهم وإنما يستوجب علينا ضرورة التحدث والحوار معهم داخل إطار العائلة الواحدة حتى نتابع مسيرتهم الدراسية ونتعرف على مخاوفهم الحياتية مع إمكانية اختيار لهم أصدقاء يتقبلونهم كما هم ولديهم ثقافة متقاربة تجعلهم معززين في ثقتهم في أنفسهم، ومن ثم يشعرون بأنهم متميزون وليسوا مختلفين عن غيرهم دون أن يشعروا بأنهم دون المجتمع، وهذا لن يتحقق سوى بالحوار مع أطفالنا وتعزيز ثقتهم بأنفسهم.

هناك الأطفال الذين يعانون من مشكلة ما كمشكلة في النطق أو في السمع أو أي مشكلة أخرى من مشاكل الإعاقة لا يُسمون في مجتمعاتهم المتحضرة بأنهم أطفال ذوي الإعاقة وإنما يسمونهم أطفال ذوي الهمم أو أي اسم آخر من الأسماء التحفيزية الإيجابية التي تشعرهم بأهميتهم في هذه الحياة دون أن يُشعروهم بالنقص الذي يمنعهم من القيام بدورهم، وهؤلاء الأشخاص في تلك المجتمعات المتحضرة نتيجة هذه النظرة الإيجابية المجتمعية لهم نراهم يقتحمون كافة المجالات التي قد لا يستطيع الأصحاء اقتحامها بل ويتفقون فيها.

وأخيراً، يجدر الإشارة إلى أن كافة الأديان قد اتفقت على ضرورة تقبُّل الآخر وذلك عكس ما نراه في الخطابات الدينية المتطرفة التي تعزز من الاختلاف مع الآخر وعدم تقبله، وهذا يأتي عادةً من بعض الرجال البعيدين عن الدين الذين يعززون ثقافة الخلاف بيننا بصورة دائمة.

أضف تعليق

error: