كيف يكون شكر الله على نعمه قولاً وفعلاً وتدبراً!

كيف يكون شكر الله على نعمه قولاً وفعلاً وتدبراً!

كيف يكون شكر الله على نعمه؟ نعم؛ هذا سؤال في غاية الأهمية. فمنذ اللحظات الأولى التي يقدر الله فيها للإنسان أن يجمع في ظهر أبيه ثم يوضع في رحم أمه يمطره الله بغيث من النعم لا ينقطع، ويحيطه بعدد منها لا يحصى، بما يكفل له الحماية والرزق والسلامة من الضر والأذى، ويظل يغمره بالعطايا والهبات  في جميع المراحل والمحطات حتى يلقى الله ﷻ، وعلى الرغم من كبد الحياة الدنيا وعنتها وكونها دار ابتلاء واختبار إلا أنه لا ينكر مخلوق عاقل نعم الله عليه وألطافة ورحماته الظاهرة والباطنة، لأجل ذلك وأكثر كان الحديث عن شكر النعمة أمراً بالغ الأهمية وكان التذكير به فضيلة ينبغي أن لا تفوت مسلم ولا مسلمة.

ومن ثم فسيكون حديثنا في هذا المقال عن النعم الربانية العظيمة والكثيرة التي تغمرنا ومفهوم الشكر وحكمه، وأهميته للمسلم وغير ذلك من الجوانب فتابعوا مقالنا حتى نهايته.

نعم الله على عباده والشكر عليها

يقول الله ﷻ في محكم التنزيل في بعض آيات سورة النحل: ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحْصُوهَآ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾، ولعل المتأمل في نعم الله يدرك تماماً هذه الحقيقة، فكلنا عاجزون عن احصاء نعم الله أو عدها حتى أفقر الناس واسوأهم حالاً، وأقلهم رغداً ومالاً، لو تفكر قليلاً لاكتشف أنه غارق في نعم الله وفضائله، ومنعم في مظاهر عافيته وستره ولطفه.

ومن عظيم نعمه وكرمه أن النعمة الواحدة تنطوي على العديد من النعم وتحتوي عليها، فنعمة البصر مثلاً تشمل نعماً متعددة تتمثل في حاسة البصر وأجزائها الدقيقة ونظامها المتكامل الذي خلقها الله عليه، وما منحه إياها من قدرات عظيمة على رؤية الكون وإدراك جماله، وتأمل عجائبه، وتلك القوة التي يملكها الإنسان المبصر والحرية التي يتمتع بها في التحرك حيث يشاء ومتى يشاء بلا قيد أو شرط أو احتياج لمساعد أو معين.

أما المسلم فأعظم نعم الله عليه أن هداه إلى الإسلام وجعله من المسلمين الموحدين، فلو لم يكن له من نعم الدنيا ونعيمها إلا كونه مسلماً لكفى بها نعمة، ولوجب عليه شكر تلك النعمة ليل نهار.

معنى الشكر لُغةً واصطلاحاً

الشكر من الكلمات التي تنطوي في مضمونها على معنى الاعتراف بالجميل وتقديره واستشعار وجوده، والشكر في اللغة يعني الثناء الذي يقوم به شخص ما تجاه آخر نظير ما أولاه من الخدمات أو تفضل به عليه من الفضائل، وهو بخلاف المدح الذي يعني مطلق الثناء الحسن غير المرهون بتقديم فضل معين، ونقيض الشكر الكفر والذي يعني جحود النعمة ونكرانها.

أما الشكر في الاصطلاح فهو الثناء على من قدم الخير والفضل بالصفات الحسنة، والاعتراف له بذلك.

وشكر الله على نعمه يعني أن نكثر الثناء على الله ﷻ بما هو أهل له من الفضل والكرم وصفات الكمال والجلال والجمال، وذلك مع تذكر نعمه واستحضار فضائله، والتمتع بعطاياه ومننه التي يمن بها علينا بلا حول منا ولا قوة.

الشكر على نعم الله في القرآن الكريم والسنة النبوية

في القرآن الكريم

نظراً لأهمية الشكر على النعم وما تحققه للعبد من بلوغ درجات القرب من الله ﷻ وإخلاص العبادة له فقد ورد ذكره في القرآن الكريم في مواضع كثيرة جداً ومتفرقة، حيث بلغ ذكر كلمة الشكر ومشتقاتها بغرض الأمر بها أو التذكير بفضلها، أو الثناء على من يتصفون بها أو غيره  ٧٦ مرة فيما يقرب من ٤٣ آية.

ومن أمثلتها قوله ﷻ: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ﴾، وقوله ﷻ: ﴿وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ﴾، وقوله: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾.

في السنة النبوية

لم تخل السنة النبوية من الحث على شكر الله وبيان فضله وقد ورد ذلك في عدة مواضع نذكر منها قول النبي ﷺ: «لا يرزق الله ﷻ عبداً الشكر فيحرمه الزيادة؛ لأن الله هو القائل: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾».

ونذكر أيضاً قوله -عليه الصلاة وأذكى السلام-: «لا يغرنكم من ربكم طول النسيئة وتمادي الإمهال وحسن التقاضي؛ فإن أخذه أليم وعذابه شديد؛ إن لله‏ ﷻ على‏ نعمه حقاً وهو شكره، فمن أداه زاده، ومن قصر فيه سلبها منه؛ فليراكم الله من النقمة وجلين كما يراكم بالنعمة فرحين».

حكم شكر الله على نعمه

إن شكر الله على نعمه واجب على كل عبد مسلم، وفضل مأمور به صراحة حيث لا تكتمل العبادة إلا به، ولا يتم التوحيد الا بتحققه.

وليس أدل على ذلك من قول الله في كتابه: ﴿فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾.

أهمية شكر الله على نعمه وثماره الطيبة

أما أهمية شكر الله على نعمه فهي كبيرة وثمارها طيبة ونافعة يحتاجها كل عبد مسلم في دنياه وأخراه أيضاً، ولعل أبرزها ما يلي:

  • تحقيق محبة الله للعبد.
  • التمتع بمعية الله وتوفيقه ورضاه عن الإنسان الشاكر له المقر بنعمه.
  • استدامة النعم وزيادتها ونمائها
  • الالتحاق بنخبة من عباد الله القليلين الذين أثنى عليهم ووصفهم بالشاكرين ﴿وقليل من عبادي الشكور﴾.
  • تحصيل الثواب العظيم في الدنيا والآخرة.
  • النجاة من عذاب الله في الدنيا والآخرة.

كيف يكون شكر الله على نعمه؟

إن شكر الله عز وجل على نعمه لا يقتصر على صورة واحدة أو جانب واحد بل يشمل عدة جوانب ينبغي على الإنسان إتيانها جميعاً ليتحقق شكره لله على الوجه الذي يرضي الله، والذي يشمل ما يلي:

الشكر بالقول

ويتمثل في الثناء الحسن على الله بما له من الصفات الطيبة والكلمات التي تنطوي على التعظيم والإجلال، وبكل الصيغ التي تنسب تلك النعم على اختلافها إلى الله دون سواه من الخلق أو الأسباب فالله هو الرازق الوهاب.

الشكر بالفعل

شكر الله على نعمه بالأفعال يشمل أموراً كثيراً منها؛

  • ذكر النعم والتحدث بها تنفيذاً لأمر الله تعالي ﴿وأما بنعمة ربك فحدث﴾.
  • التقرب إلى الله بالتزام أوامره واجتناب نواهيه.
  • التقرب إليه بالنوافل والمستحبات من الأعمال.
  • استغلال تلك النعم في فعل الخيرات والاستعانة بها على الطاعات والقربات،مثل استغلال المال في الذكاة والصدقات وجعله باباً من أبواب اكتساب الأجر والحسنات.

الشكر بالقلب

الشكر لله بالقلب والعقل على نعمه يقتضي التفكر في تلك النعم، وتذكير النفس بها، وتقديرها حق قدرها، ويمكن للإنسان الذي غفل عن نعم الله عليه وعجز عن استشعار عظمتها ونفعها وطيب العيش المرهون بوجودها أن يحضر ورقة وقلماً ويحاول عدها، أن يكتب القليل منها ليكتشف ما هو فيه من الفضل.

كذلك يمكن لذلك المتنعم بالهبات والمنن أن يتفكر برهة ويتخيل حياته بدون نعمة واحدة منها، كأن يتخيل الصحيح كيف تكون حياته لو فقد صحته أو سلط عليه المرض، أو يتخيل الغني كيف يكون حاله لو افتقر أو فقد ماله، أو يتخيل الأب أو الأم حياة من حرم الذرية ولم يرزق الأولاد!

فقليل من لحظات التأمل كفيلة بأن تجعل القلب والعقل يستشعران وجود النعم ويشكران الله عليها بكرةً وعشياً.

وفي الختام؛ نكون قد وصلنا إلى نهاية مقالنا حول فضيلة الشكر وتعلمنا كيف يكون شكر الله على نعمه قولاً وفعلاً وتدبراً سائلين الله أن يكتبنا وإياكم من عباده الشاكرين.

أضف تعليق

error: