مقال عن عثمان بن عفان

عثمان بن عفان

لقد كان عثمان بن عفان أحد أسياد قريش، اشتهر بغناه، وبصفاته الكريمة، قبل الإسلام، وفي الإسلام، وله مآثر كثيرة رصدها التاريخ الإسلامي، فوقف إلى جانب النبي “صلى الله عليه وسلم” في غزواته، ودافع عن الإسلام بكل ما آتاه الله من نعم، فبذل ماله من أجل الإسلام، وكل ما يملك لأجل الإسلام.

نشأته

ولد عثمان بن عفان “رضي الله عنه” في سنة ٥٧٦ ميلاديًا، قيل أنه ولد في الطائف، وقيل في مكة، بعد عام الفيل بست سنين، وهو ابن لكبار سادات قريش الذين اشتهروا بغناهم، وقوتهم، وشدتهم في الجاهلية.

كان عثمان غنيًا شريفًا في الجاهلية، وكان يمتاز برجاحة عقله، ورزانة رأيه، فنشأ محبوبًا بين الناس، واشتهر عنه أنه لم يسجد لأي صنم سواء في الجاهلية أو في الإسلام، غير أنه لم يعاقر الخمر طوال حياته، سواء في جاهليته، أو في إسلاميته، وكان “رضي الله عنه” واسع الثقافة عاشر أقوامًا غير العرب، فعرف أحوالهم وحياتهم، واهتم بمعارف العرب من الأخبار والأمثال والأنساب.

وكان “رضي الله عنه” مهتمًا بالتجارة، فقد ورثها عن أبوه، وبها نمت ثروته.

لقب “رضي الله عنه بذي النورين؛ لأنه تزوج رقية، ثم أم كلثوم ابنتي الرسول “صلى الله عليه وسلم”

عثمان بن عفان مسلمًا

أسلم عثمان بن عفان “رضي الله عنه” بعدما دعاه أبو بكر الصديق “رضي الله عنه” إلى الإسلام، فلبى نداءه، واصبح بذلك رابع من أسلم من الرجال، وكان عمره آنذاك في الرابعة والثلاثين من عمره.

واشتملت حياته في الإسلام كثير من المواقف التي يشهد لها الإسلام؛ فقد تزوج رقية ابنة الرسول “صلى الله عليه وسلم” حينما سمع بطلاقها، غير العذاب الذي لاقاه عثمان بن عفان من أهله (القرشيين) حينما أعلن إسلامه، وكان شديدًا، قويًا ذا منعة وشجاعة وحافظًا على الدين الذي دخله، فتركه عمه الذي كان يعذبه، وكان عثمان “رضي الله عنه” من ضمن الذين هاجروا إلى الحبشة مع زوجته رقية، لكنه عاد مرة أخرى إلى مكة، ثم هاجر إلى المدينة المنورة فيما بعد.

وعندما نادى الرسول “صلى الله عليه وسلم” للخروج لغزوة بدر لملاقاة المشركين، كان عثمان “رضي الله عنه” من أول القادمين للمشاركة في الغزوة، لكن الرسول رفض وأمره بالبقاء إلى جانب زوجته رقية، لأنها كانت مريضة بالحصبة؛ فامتثل إلى أمر الرسول “صلى الله عليه وسلم” حتى توفت زوجته رقية، وحينما عاد الرسول “صلى الله عليه وسلم” عُد عثمان من أهل بدر وكان له نصيب في الغنيمة.

وكان عثمان “رضي الله عنه” هو المبعوث الذي أرسله الرسول “صلى الله عليه وسلم” إلى قريش، حتى يتم الاتفاق على الصلح، والتبليغ بعدم نية الرسول “صلى الله عليه وسلم” للقتال، ويملي عليهم شروطه “صلى الله عليه وسلم” وبذلك كان سفير الرسول “صلى الله عليه وسلم” إلى المشركين.

ولا ننسى فضل عثمان بن عفان في يوم العسرة أو في غزوة تبوك، فقد جاء عثمان “رضي الله عنه” إلى الرسول وقدم إليه تسعمائة وأربعين بعيرًا، وستين فرسًا، وعشرة آلاف دينارًا وضعها بين يدي الرسول “صلى الله عليه وسلم”

عثمان والصحابة

كان لعثمان “رضي الله عنه” منزلة كبيرة بين الصحابة “رضوان الله عليهم أجمعين” فكانوا يأخذون برأيه، ويتشاورون معه في أمور الدولة الإسلامية والخلافة.

ففي خلاقة أبي بكر الصديق، كان عثمان “رضي الله عنه” من أهل الشورى الذين يؤخذ رأيهم في الخلافة ومسائلها، وكان رأيه مقدمًا عند أبي بكر الصديق “رضي الله عنه” فعندما حارب أبو بكر الصديق الردة، وقضى عليها، أراد أن يغزو الروم، فاستشار أبو بكر الصحابة، فأشار عليه عثمان “رضي الله عنه” أن يفعل ما فيه الخير للرعية. وحين أراد أبو بكر الصديق أن يبعث رسولًا إلى البحرين، أشار عليه عثمان أن يبعث رجلًا قد بعثه الرسول “صلى الله عليه وسلم” إليهم آنفًا، فيعرفونه. وحين اشتد المرض بأبي بكر الصديق، استشار الناس فيمن يتولى الخلافة بعده، فكان عثمان “رضي الله عنه” أول من رشح عمر بن الخطاب “رضي الله عنه” وذلك دليل أنه ما طمع في جاه ولا مال ولا سلطان، بل كان يفعل للإسلام ما يفيد الدولة والخلافة ويعود عليها بالصلاح والفلاح.

ويشهد له أنه لما أصاب الناس القحط الشديد لانقطاع المطر في عهد أبي بكر الصديق “رضي الله عنه” تصدق بما عنده للمسلمين في الدولة الإسلامية، فنال بذلك أعظم جزاء عند الله “سبحانه وتعالى”

وفي خلافة عمر بن الخطاب، كان لعثمان بن عفان “رضي الله عنه” مكانة عند عمر بن الخطاب، فأصبحت مكانته عند الخليفة عمر بن الخطاب كمكانة الوزير، فقيل أنه من أشار على عمر بن الخطاب أن ينشئ الديوان ويكتب التاريخ، وهو ممن أيدوا رأي عمر بن الخطاب في تقسيم أرض الفتوح على الفاتحين.

وحين اتسعت الفتوحات الإسلامية، وكثرت أموال المسلمين، اشار على عمر بن الخطاب “رضي الله عنه” أن ينشئ الدواوين حتى ينظم ما يأخذه الناس من الأموال.

خلافة عثمان بن عفان

حينما قاربت اللحظات الأخيرة من حياة عمر بن الخطاب، حصر ستى من الصحابة يصلحون لتولي الخلافة، وهم: علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، فأمرهم أن يجتمعوا ويتشاوروا في أمر الخليفة من بعده.

وحين توفي عمر بن الخطاب “رضي الله عنه” عمل الصحابة بنصيحته وراحوا يتشاورون في الأمر لمدة ثلاثة أيام كما حددها عمر “رضي الله عنه” حتى انتهى الأمر بخلافة عثمان بن عفان على الدولة الإسلامية.

وحين تولى عثمان الخلافة لم يغير شيء من سياسة عمر “رضي الله عنه” بل طور فيها، وكان عهده عهد رخاء على المسلمين.

وقيل أنه كان ينظر في الخصومات بنفسه، فيما يخص القضاء، فلم يجعل القضاة الفصل الكامل في القضايا، وبذلك أصبحوا القضاة في عهده مستشارين له، يشاورونه في أمور القضاء.

وكان له الفضل “رضي الله عنه” في جمع القرآن الكريم في مصحف واحد، فقد تفرق الصحابة في بلاد الإسلام، مما أدى إلى ظهور قراءات متعددة، فخاف أن يتغير القرآن الكريم، أو يكتب بلهجة مغايرة، فجمع الصحابة، وشاورهم في الأمر، وعزم على تجميع القرآن في مصحف واحد، وأرسل لكل أفق مصحفًا وأمر الناس أن يحرقوا أي مصحف يخالف المصحف الذي أرسله.

واتسعت فتوحات الدولة الإسلامية على نطاق واسع في عهد عثمان “رضي الله عنه”

مقتل عثمان بن عفان

لقد تولى عثمان بن عفان “رضي الله عنه” الخلافة لمدة اثنتي عشرة سنة، وقد بدأت الفتنة في النصف الثاني من خلافته، وهذه الفتنة هي التي أدت إلى مقتله واستشهاده، وكان من أسباب مقتل عثمان “رضي الله عنه” ما آل إليه المجتمع من الرخاء، وولادة جيل جديد ليس له عهد بالصحابة “رضي الله عنهم” والمنافقين، والشائعات.

وحين اشتد أمر الفتنة، التف المنافقين حول عثمان “رضي الله عنه”، وقتلوه وهو يقرأ في المصحف في داره، وكان ذلك في يوم الجمعة الموافق الثامن عشر من شهر ذي الحجة سنة خمسة وثلاثين هجريًا.

أضف تعليق

error: