مقال عن رأس السنة

رأس السنة

حين يحل رأس السنة، فإننا نوقن أنه قد مر من عمرنا سنة، وها هي سنة جديدة يبدأ عدها التنازلي.

رأس السنة هو اللحظات التي تفصل بين الساعة الأخيرة في السنة القديمة، واللحظات التي ستبدأ بها السنة الجديدة، وفي العادة ما يتشارك الأصدقاء هذه المناسبة في الشارع، والمقاهي، احتفالًا بها، وإن لم يكن كذلك، فإنهم يقضون هذا الوقت على مواقع التواصل الاجتماعي، يرسلون التهاني، مبتهجين بالسنة الجديدة، ومودعين السنة القديمة، وآملين أن تكون السنة الجديدة تحمل في طياتها الأيام الجميلة التي لم يلاقوها في السنة القديمة، ومن ثم في اليوم التالي تعود الحياة كما كانت، غدًا مثل اليوم، لا تغيير فيه.

وإني لا أنهي الناس أبدًا عن التوقف عن ذلك، وعدم إرسال التهاني إلى أصدقائهم، والاحتفاء برأس السنة، على العكس، أنا أدعوهم إلى الفرح والاغتباط، وشكر الله أنه قد أعطانا فرصة حتى نحيا لسنة أخرى.

ولكن ما أنهاهم عنه هو أن يتمنوا مجرد أمنية أن تكون السنة الجديدة أفضل من السنة القديمة، وفي الواقع، لا يكون هناك اختلافًا كبيرًا بين السنة المنصرمة والسنة الجديدة.

إنما أدعوهم أن يتخذوا الأمر جديًا في التفكير: التفكير في أن سنة قد مرت من العمر وما زال الإنسان لم يفعل شيئًا يذكر في حياته، أن يبدأ في تحديد اهدافه، والتعرف على ذاته، أو يبدأ في تطوير نفسه أكثر وإخراج نفسه من بين القضبان التي وضع فيها حياته، إنني أدعو الناس إلى تغيير أنفسهم، لطالما أمد الله في أعمارهم سنة أخرى.

نحن الآن نعيش في القرن الواحد والعشرين، القرن الذي أصبح كل ما فيه يمر سريعًا، والأيام خير شاهد على ذلك؛ فإنها تمر كمر السحاب، لا ندري كيف ولا متى مرت علينا سنة كاملة دون أن نفعل إلا القليل. نحن نعيش في قرن أصبح كل ما فيها سهل لدرجة تبعث على الكسل والخمول، كل ما في الحياة أصبح ميسرًا، كل الأمور تدار بضغطة زر صغيرة، ويتغير كل شيء في حياة الإنسان، وتكون طلباته مجابة بأقل جهد، مما يدفع إلى الخمول طويلًا، والكسل الذي لا ينتهي، فلا ينجز الإنسان في حياته إلا قليلًا.

وفي هذا المقال أدعو الإنسان أن يخرج من خموله، وأن يشعر بالوقت الذي يمر من بين يديه، ويبدأ في تنفيذ ذاته وحياته، والتعرف على أهدافه، وأن يأمل حياة أفضل من تلك التي يعيشها، على جميع الأصعدة والمستويات.

أين أنا؟

في ليلة رأس السنة، لابد أن تكون للإنسان لحظة يتخلي فيها بنفسه، ويسأل ذاته: أين أنا؟ ويبدأ في التعرف على شكل حياته وما آلت إليه الأمور؛ أين هو في الناحية الروحانية التي تربط الإنسان بربه، وتقربه إليه، وتكون مصدر الرزق الوفير، والبركة، والطمأنينة التي تكون كالنور في القلب تبعث على السكينة والهدوء والراحة.

يسأل نفسه أين هو في حياته الاجتماعية، والأناس المعلقين في رقبته هو مسئول عن رعايتهم، والعيش معهم، وأن يكون لهم جزء من وقته.

أين هو في حياته المعرفية والثقافية، وأين حدود عقله، ويبدأ في وضع خطة للمطالعه وزيادة المعرفة، ورفع المستوى الثقافي الذي سيعود عليه بالفائدة والنفع، فالعقل الواعي، أفضل كثيرًا من وسائل التكنولوجيا في تحسين الحياة وتسهيلها.

ثم يسأل ذاته: أين هو في الناحية العملية، وما المجالات التي يجب أن يستعد في تطوير نفسه فيها حتى يفتح أقفال حركته الصدأة ويعيد النشاط إلى همته، ويبدأ في الوصول إلى قمة أكبر من التي يتمركز عليها.

تلك اللحظات لابد أن يفنيها الإنسان في سؤال نفسه، عن ذاته، وما آلت إليه حياته، فإن كان عاطلًا يبحث عن عمل، وإن كان مهملًا في أهله فيبدأ في برهم، وإن كان ذو أفق ذيقة يبدأ في اكتساب الخبرة والمعرفة، وإن كان بعيدًا عن الله يبدأ في التقرب إليه.

وبهذه الخطوة الضرورية يستطيع الإنسان أن يتعرف على ذاته، ويبعث فيها الهمة من جديد، ويتعرف إلى مستويات حياته وما آلت إليها، وبعد ذلك يبدأ في تحديد نقاط قوته، ويثبتها، وتحديد نقاط الضعف، ويعمل على تقويتها، ولا سبيل إلى تقويتها إلا بتحديد الهدف، بوضوح وتركيز وصدق.

تحديد الهدف

يجب على الإنسان أن يتخذ خطوات بسيطة حتى يتمكن من تحديد هدفه، في البادئ لابد أن يعرف الإنسان هدفه، وأن يكون صادقًا مع نفسه في تحديد الهدف، فلا يهلك وقته في هدف لن يعود عليه بأي فائدة، أو يضحك على نفسه بهدف مستحيل الوصول إليه وبعيدًا تمامًا عن الواقع.

وبعد أن يحدد الإنسان هدفه يبدأ في شحذ الهمة والحماسة، شريطة أن تكون الحماسة صادقة وليست مزيفة.

والفرق بين الحماسة الصادقة والمزيفة كبير، فالحماسة المزيفة هي التي تكون في لحظات قليلة ثم تنتهي وينسى الإنسان حماسته، أما الحماسة الصادقة هي التي تتأتى من الهدف الصادق، المشحون بالشغف تجاهه.

الحماسة الصادقة تتأتى من أن يعرف الإنسان دوافعه لتحقيق الهدف، والفوائد الحقيقية الواقعية التي سوف تعود عليه من تحقيق الهدف الذي يرنو إليه، وبذلك لا يستطيع الإنسان أن يتخلى عن هدفه، بل سيؤرقه الشغف حتى في أحلامه إلى أن يحقق الهدف الذي يرجوه.

وبعد أن يسأل الإنسان ذاته ويتعرف عليها كما أسلفنا، ويحدد هدفه بواقعية، ثم يشحذ الهمة بالتفكر في الفوائد القيمة التي سينتهي إليها بتحقيق الهدف، لابد على الإنسان أن يعمل من أجل هذا الهدف بعزم وإصرار.

والعزم في تنفيذ الهدف ضروري أن يتمرن الإنسان عليه، لأنه بالعزيمة سيتمكن من تخطي العقبات وهزيمتها، فطريق الإنسان الناجح لا يخلو أبدًا من العقبات التي تعرقله، وقد تدفعه إلى الرجوع عن هدفه إن كان ذا عزيمة وإرادة ضعيفة، أو تدفعه إلى الأمام وهزيمة الصعاب إذا تمسك بها، وكانت له إرادة صلبة في تحقيق الهدف.

وبعد ذلك يبدأ الإنسان في تجزئة الهدف الذي يرنو إليه، فيقسم الهدف الكبير إلى مجموعة من الأهداف الصغيرة التي تكون كالمستويات التي يتقدم بها الإنسان ويتطور فيها حتى يصل إلى الهدف والغاية الكبيرة التي يرنو إليها، غير أن تجزئة الهدف يبعد الإنسان عن التشتت وتضييع الكثير من الوقت، فالهدف الصغير يكون مركزًا وسهل تنفيذه، فلا تضعف همة الإنسان، ولا يتراجع عن هدفه إذا أخفق.

تجد هنا أيضًا ما قد ينال إعجابك

والنصيحة الأخيرة في مسيرة تحقيق الهدف: أن يتعلم الإنسان كيف ينظم وقته، وتنظيم الوقت يتطلب في المقام الأول أن يخطط الإنسان للعام الذي أقبل عليه بالوضوح والدقة والواقعية، ثم يبدأ الإنسان في تحديد اهداف كل يوم وما يريد إنجازه في اليوم، ولا يجب أن يهمل ناحية من نواحي حياته لأجل ناحية أخرى، فيفشل في شيء وينجح في آخر، بل الإنسان الناجح هو من يستطيع أن يوازن بين كل نواحي حياته.

وتنظيم الوقت لابد أن يبدأ بالأولويات في المقام الأول ثم بعد ذلك يملأ وقته بالأمور الغير العاجلة لكنها هامة، ثم الأمور الغير مهمة، وبذلك لا ينفلت اليوم من بين يديه دون أن ينفذ فيه الكثير.

وبهذه الطريقة يستطيع الإنسان أن يستغل اللحظات التي تفصله بين العام المنصرم، والعام الجديد الذي يهل، وفي نهاية العام يستطيع أن يعدد إنجازاته في هذه السنة، ويفرح من أجلها ويبدأ في تحديد أهداف جديدة ويحققها –إن شاء الله-.

أضف تعليق

error: