ماريو فارغاس يوسا.. الذي خسر الرئاسة ليكسبه الأدب

ماريو فارغاس يوسا

في تكريس طويل لغياب الشعر، قررت لجنة نوبل أن تمنح جائزتها السنوية عام 2010 لروائي لاتيني طالت فترة استرضائه لهذا الحلم العالمي، وسعى إلى تحقيقه بكل طاقته السردية منفردا بتأسيس عوالمه الروائية الخاصة أمام جمهور متعطش إلى أي سطر يكتبه ماريو فارغاس يوسا «Mario Vargas Llosa» الذي ختم مشوار مجده الأدبي معانقا نوبل.

الطريق إلى نوبل

ومع أن الأسماء التي تنطبق عليها شروط نوبل أكثر من أن تحصى، إلا أن هذه الشروط ليست واضحة تماما، وهي محل ارتياب من المثقفين حول العالم، فالمعايير التي تعتمد عليها اللجنة في اختيار الفائز لا يعتبرها الكثيرون منطقية على اعتبار خضوعها للسياسة حينا وللإيديولوجية حينا آخر، وهذا ما دفع الناقد عبدالواحد الأنصاري إلى استبعاد يوسا من دائرة توقعاته «لم أكن أتوقع فوزه، لا لعدم استحقاقه، بل بسبب الهوية الماركسية التي صبغت أعماله، ومنها رواية «الفردوس على الناصية الأخرى» التي يصعب على نوبل أن تتسامح إزاء الطابع الماركسي الواضح فيها».

وبما أن يوسا خالف هذه التوقعات، فإن الأنصاري يرجح احتمال أن هذه الأفكار اندثرت مع سقوط السوفييت 1990م، وأصبح من العسير أن تتحول المنطلقات النظرية في أعمال يوسا إلى عنصر تأثير قوي في المجتمعات، خصوصا بعد أن كف العالم عن التطلع إلى الشيوعية «جاءته نوبل بعد أن أصبح عاجزا عن توظيفها سياسيا لخدمة توجهاته في بلاده التي حاول الوصول إلى رئاستها يوما، أو في العالم حيث تنتشر رواياته بين الملايين من معجبيه، فالجائزة اليوم هي أشبه بثمن قبضه يوسا تعويضا عن فشله في تحقيق رسالته».

وإذا كانت نوبل تنحاز بوضوح إلى قيم الحرية والعدالة والمساواة، فإن أعمال يوسا تكرس هذه المفاهيم بتعريتها للأنظمة الاستبدادية حسبما يرى الأنصاري «يوسا كان عدوا للطغيان السياسي حتى في الحكومات الشيوعية التي تتقاطع مبادئها الفكرية مع مبادئه».

وبعيدا عن السياسة والإيديولوجيا، يكاد يجمع قراء يوسا حول العالم أن رواياته تحمل في طياتها شروط الظفر بأعرق الجوائز وأكثرها تألقا، فمن الناحية الفنية المحضة، يرى الناقد سعيد الأحمد أن نوبل هي التي تزهو بـيوسا لا العكس «لا أبالغ لو قلت أن يوسا مكسب حقيقي لنوبل التي كان يستحقها بجدارة منذ زمن طويل».

وبناء على تنوع المنتج السردي الذي أبدعه يوسا، يميل الأنصاري إلى مقارنته بـماركيز، عميد الأدب اللاتيني «فيوسا لا يقل فرادة وأصالة وإبداعا عن ماركيز، بل إن محتوى أعماله أعمق، خصوصا حين يتعلق الأمر بالبحث التأليفي».

وإذا كان يوسا هو آخر المخلصين للمدرسة السارترية، كما يرى الأحمد، فإنه أيضا أضاف إلى هوية السرد العالمي، حسب وجهة نظر الأنصاري «لم يتورط يوسا في حمى التجديد الشكلي التي اكتسحت أوروبا، ونأى بنفسه عن مدارس الألسن والدلالات محافظا على الأصالة الكلاسيكية والنزعة الطبيعية والتأريخية والواقعية التي صبغت أعماله المتميزة».

وربما يكون يوسا من أشهر الروائيين الذين تخطوا حاجز المحظور وهتكوا ستار التابو، لكن الأحمد يرى أنه انفرد عنهم باقتراحه تابوهات جديدة وإعادة تفكيكها بطريقة تجريدية وضعت القارئ في مأزق مع الذات ومفاهيمها «ومن ذلك عدم تسليمه ببراءة الطفولة في رواية «في مديح الخالة» مثلا، أو تفكيك فكرة الحب الوفاء والانتماء في «شيطنات الطفلة الخبيثة»».

وما دام في الأمر مقارنة مع سارتر وكامو، فإن الأنصاري يرى أن يوسا قطع شوطا أبعد منهما في محاولته لقولبة المواطن البيروي في فكرة اشتراكية إنسانية شمولية «وخدمة لهذا الهدف، وظف يوسا تقنيات مهمة تجاهلتها المدارس الأدبية في القرن العشرين، منها تقنيات البحث والتوثيق وإعادة قراءة الفنون وتوظيف التاريخ والبعد الوجودي للشخصيات».

وربما يتفق الكثيرون ممن سمعوا خبر فوزه بنوبل أن الجائزة ذهبت إلى من يستحقها لأسباب أدبية بحتة، وهو حدث لا يتكرر كل عام في الأكاديمية السويدية التي لا تخضع اختياراتها السنوية إلى اعتبارات شتى، لا يكون الأدب واحدا منها في بعض الأحيان .

خسر الرئاسة.. ليكسبه الأدب

بين الثابت والمتغير، التزم ماريو فارغاس يوسا الكتابة مع ذاته ونظم حياته وفق ما يتطلب الأدب، فمنح جائزة نوبل للأدب تتويجا لأعماله التي عرت دعائم الاستبداد وانتصرت للفرد وحريته.

ولم تكن نوبل أولى إنجازات يوسا، وإن كانت ألمعها، فهذا الروائي البيروي حصد عددا من الجوائز منها جائزة «أمير استورياس» وجائزة «ليوپولدو ألاس» إضافة إلى جائزة «ببليوتيكا بريبه» عن رائعته «المدينة والكلاب».

ورغم نشأته في عائلة محافظة ومنغلقة، إلا أن يوسا، الذي ولد في عام 1936م، شب عن طوق العائلة التي لم ترض له أن يصبح كاتبا، وألحقته بمدرسة عسكرية مكنته من التعرف على النزعات الطبقية والعرقية والتناقضات الاجتماعية التي تعاني منها بلاده البيرو.

ولأن الكتابة في العالم الثالث لا تؤمن سبل العيش الكريم، فإن يوسا اضطر إلى مزاولة مهن متعددة في حياته بين التدريس والمحاماة والصحافة التي عشقها حد الجنون.

ومع تزايد شهرته الأدبية، تلقى يوسا منحة للدكتوراه لدراسة الأدب في إسبانيا، ثم انتقل إلى باريس وعمل في الوكالة الفرنسية، وهناك كتب روايته الأولى «المدينة والكلاب» التي ترجمت إلى نحو عشرين لغة، كما ترجمت أعماله الثلاثين الأخرى إلى لغات مختلفة فأسعدت عشاقه ومحبي أدبه حول العالم.

وربما تكون حياة يوسا موزعة بين الأدب والسياسة والتاريخ، لكنه ظل وفيا للأدب وحده بعد أن تخلى عن السياسة بخسارته للانتخابات في بلاده مطلع تسعينيات القرن الماضي، وعن التاريخ الذي لم يعد درسا لأبناء الحاضر على حد قوله.

ومع أن اسمه ظل يتردد في الأوساط الأدبية كمرشح محتمل لنوبل طيلة الأعوام العشرة الأخيرة، إلا أن قراءه حول العالم يؤمنون أن الجائزة هي التي تشرفت بمعانقته، فاسمه الأدبي أكثر تألقا مما قد يضيفه بريق نوبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top