دروس تربوية من السنة النبوية

صورة , طفل , مسلم , السنة النبوية

من أهم المحاور التي ركزت عليها الشريعة الإسلامية، قضايا التربية والتنشئة الصالحة وما يتعلق بها من معضلات وتحديات، فالإسلام يحرص أشد الحرص على تكوين نواة صالحة، تنفع المجتمع، وتضيف شيئا ذا قيمة لهذا العالم، وكم من النماذج التي عرفنا بها التاريخ الإسلامي المشرف من الصحابة والتابعين الذين نبغوا في علوم الدين والدنيا، وفتحوا البلاد وغيروا وجه العالم، نماذج تركوا خلفهم إرثا من النجاح والخلق والدين والعلم ما تظل بركته ونفعه في الأرض، حت يرث الله الأرض ومن عليها.

مظاهر اهتمام الشريعة بتربية النشء

إن اهتمام الشريعة بتربية النشء تبدأ من قبل قدومه للحياة بمراحل، وليس أدل على ذلك من حض الرجل على اختيار أم صالحة لأبنائه، والحث على اختيار ذات الدين والخلق، بل واعتبر الشارع أن الاختيار غير الواعي لأم أبنائك المستقبلية دربا من العقوق لهم والجور على حقوقهم، والأمر كذلك بالنسبة للمرأة فيتعين في حقها اختيار من هو على خلق ودين، فهي تختار أبا لأبنائها قبل أن تختار زوجا لها، ولا عجب في ذلك فٌقد أخبرنا الصادق المصدوق –عليه الصلاة وأذكى السلام- أن العرق دساس، فقال: (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس).

ويستمر اهتمام الشريعة بالأبناء مع لحظات قدومهم بأن يحث على تسميتهم بأسماء طيبة ومستحبة، وأن لا يُطلق عليهم أسماء تنطوي على معاني مستقبحة، أو تثير في أنفسهم الخجل أو الضيق.

كما أوجب على الأبوين الاهتمام والرعاية القصوى للطفل في مهده وفي مرحلة الرضاعة، وأوصى بالرفق بهم والتلطف معهم.

قاعدة تربوية أصلتها السنة النبوية

لا شك أن مهمة تربية الأبناء على الوجه الذي يُرضي الله من أشق وأصعب المهام على الإطلاق، لأنها مهمة طويلة الأجل، كثيرة التحديات، يدخل فيها عدد من العوامل اللامحدودة، ومع كل ذلك تظل المهمة التي تأخذها الأسرة على عاتقها أن تنشئ شخصية سوية نافعة لنفسها وغيرها، تتبنى النهج الإسلامي القويم في علاقاتها ومواقفها ومعتقداتها على أمل أن تصل إلى بر السلامة وتنجو من فتن الدنيا والآخرة، حيث يقول الله عز وجل في محكم التنزيل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ).

وهنا سنتناول قاعدة تربوية هامة فيما يتعلق بالتعامل مع الأبناء في المراحل العمرية المختلفة ونصها : ( لاعبو أبنائكم لسبع، واضربوهم لسبع، وصاحبوهم لسبع، ثم اتركوا لهم الحبل على الغارب) وبصرف النظر عن تخريج هذا الكلام، أو نسبته لعمر بن الخطاب –رضي الله عنه وأرضاه- أو مدى صحته، فيمكن القول أنه بعد سنوات من الاحتكاك بالواقع ومراقبة الطرق المتباينة في التربية والتعامل مع الأبناء، وبعد المعاناة التي يعانيها كل من الآباء والأبناء في التواصل الناجح في ظل اختلاف الأفكار، تثبت التجارب أن تلك العبارة تحوي بين ثنايا كلماتها وحروفها قاعدة تربوية فاعلة جدا، وناجحة في تربية الأبناء والقدرة على التواصل الجيد معهم.

فمثلا فكرة اللعب مع الأطفال وعدم التعرض لهم بالضرب، أصبح ينادي بها كل أخصائيو التربية، لأن الطفل الذي يعامل بالضرب والقمع في طفولته المبكرة غالبا ما ينشأ عنيدا قاسيا ويفقد الضرب مع التعود عليه تأثيره، فضلا عن السلوك العدائي الذي يكبر معه، غير ذلك فإن هناك وسائل كثير ة للعقاب يمكن اتباعها في ردع الطفل، كالحرمان من اللعب أو االمصروف أو غيره.

أما بعد السابعة فيصبح الطفل واعيا لفكرة الضرب وكيف أنها تمثل عقابا قويا له، فضلا عن شعوره بالاحترام لنفسه والذي يكره أن يمسه أحد بالضرب، ومن ثم يصبح الضرب أداة قاسية للعقاب ومفهومة، مما يجعل الطفل حريصا على تجنب أسبابه ودواعيه قدر الإمكان، وبالطبع لسنا في حاجة إلى توضيح أن الضرب يراد به التأديب والتأنيب ولا يراد به الانتقام كما يفعل الكثير!

أما بعد سن الرابعة عشر فيصبح من المنطقي أن يتخلى الأب قليلا عن مكانته كموجه وناصح، إلى دور الصديق لأن هذه المرحلة العمرية تتميز بالميل الشديد للأصدقاء والقرب منهم والحاجة الملحة إلى وجودهم، ومن ثم يمكن للأبوين كسر الحواجز التي تفصلهم عن الأبناء بالصداقة والمصاحبة والتلطف حتى يمكنهم الدخول إلى عالم أبنائهم الخاص والمشاركة في قرارتهم، والقرب منهم.

حين يمر الابن والابنة بهذه المراحل، وحين تصبح الأسرة حاضنة له وقادرة على استيعاب قضاياه وأفكاره، يصبح مشبعا بالاهتمام والحب، لديه الاتزان الانفعالي والنفسي الذي يمكنه من إدارة حياته ومواجهة التحديات التي تنتظره بثقة وثبات، وحينها يمكن بالفعل ن يُترَك له الحبل على الغارب!

أضف تعليق

error: