خطبة مخاطر الطلاق على الفرد والمجتمع

بين يديكُم الآن واحِدة من أهم الخُطَب الهادفة في حياة المسلمين؛ والتي نسوقها لكم بعنوان: مخاطر الطلاق على الفرد والمجتمع. ونُفرِد من خلالها النُصح والموعِظة في هذا الموضوع الذي لطالما كان شائِكًا ومحل جدل ونزاع ومشاكل خطيرة على الفرد والأسرة والمجتمع.

مقدمة الخطبة

الحمد لله رب العالمين. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله. واستفتح بالذي هو خير. يقول رب العزة -جل في علاه- وهو أصدق القائلين ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾. وقال سبحانه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا | يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

الخطبة الأولى

أيها الإخوة والأحباب؛ حديثنا في هذا اليوم عن مشكلة ومعضلة ومصيبة. حديثنا في اليوم عن كلمة أبكت عيون الأزواج والزوجات. وفرَّقت البنين والبنات. كلمة قطعت الأرحام وهدمت البيوت وأبعدت الأقربين وفرقت بين المحبين، وأسعدت أبالسة الإنس والجن والشياطين.

كلمة عندما وقعت على أسماع الزوجة اهتز كيانها، ونزلت كالصاعقة على آذانها. كلمة خرجت في ساعة كان الشيطان هو سيد الموقف؛ كان حاضرا بخيله وخيلائه، يوم أن خرجت من فم الزوج كلمة الطلاق. التي ما كادت الزوجة تسمع هذه الكلمة، وإذ بها تتأوه وتُخرِج أنينا، ثم بعد ذلك تذرف الدموع وتودع الأبناء. وتخرج أمام البيت لتلقي آخر نظرة على بيتها التي دخلت إليه ضاحكة، معززة، مكرمة، مستبشرة. ثم بعد ذلك لتخرج منه ذليلة، محتقرة، مطلقة.

الطلاق الذي كثر إلى نسب لا يتخيلها عاقل. الطلاق الذي كثر -أيها الإخوة والأحباب- لما فقدنا زوجا يرعى القيم ويتحلى بالأخلاق والفضائِل والشيم. عندما فقدنا زوجا تحلى بكلام النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أكرمهن إلا كريم. عندما حل بدلا عنه زوجا تراه سبب سعادة أصدقائه والذين يسهرون معه، وإن لم يكن حاضرا فليس للسهرة معنى. حتى إذا إلى بيته أدخَل الرعب والخوف والفجع؛ وأدخل إلى أهله كل مصيبة كان يحملها في طيات ذهنه.

الطلاق الذي كثر عندما افتقدنا للإنسانة المؤمنة التقية الحافظة لحدود الله. والتي تحفظ الغيب بما حفظ الله.

الطلاق الذي كثر عندما تدخل الآباء والأمهات في حياة الأزواج والزوجات في كل صغير وكبير. فهذه أم الزوجة تريد من زوج ابنتها أن يكون مطواعًا لأمرها. ووالدة الزوج تريد من زوجة ابنها أن تسير مثل ما شاءت، وأن تتصرف كما شاءت. ولذلك لم يكن إلا الطلاق نتيجة لهذه التصرفات.

نسوا حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- «ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبدا على سيده». خبب: يعني أفسد.

ولذلك أم تفسد ابنتها. وأم تفسد ولدها. والطلاق هو النتيجة والعياذ بالله.

أيها الإخوة والأحباب؛ ظاهرة لا تخفى على أي واحد منا. ولأجل ذلك؛ فإن إسلامنا الذي أكرمنا الله به. وديننا الذي نعتز به، قد وضع لنا الأسس وبين لنا الحقوق والواجبات حتى يستمر هذا العقد الذي وصفه الله -عز وجل- بالميثاق الغليظ. فقال سبحانه ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ﴾ أي المهر الذي فرضتوه لهذه الإنسانة ﴿وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾.

أنسيت أيها الزوج الكريم عندما وضعت يدك في يد وكيل زوجتك عند عقد النكاح؟ قلت له على سنة الله ورسوله؟ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾.

إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه

رب العزة شرع الزواج؛ فقال ﴿وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ﴾ والأيم هو كل إنسان لا زوجة له. ﴿وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾.

ولكن من نزوج؟ ومن نعطي؟ من هنا تبدأ المسألة. من اختيار الزوجين. قال عليه الصلاة والسلام «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه؛». ليس شكله ومنظره وبيته وسيارته.

والله -أيها الإخوة والأحباب- نستغرب. إنسان قد وشم يديه ورجليه ووجهه ورقبته. وقد لبس الخواتم ووضع السلاسل، ووجهه لا يعرف السجود بين يدي الله -سبحانه وتعالى- ونتفاجأ بأن فلان اختاره ليكون زوجا لابنته. كيف تجعل ابنتك عند مثل هذا الإنسان؟ أنا لا استحقره، ولا أقلل من شأنه. ولكن هذا الإنسان الذي تريد أن تضع ابنتك -التي سماها الإسلام أسيرة- أن تضعها عنده!

«إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير». وقال كذلك -لما يتم الزواج- قال «ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم».

وعلَّم ديننا الأزواج. فقال النبي ﷺ في حديث ورد في صحيح البخاري «إن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج». في رواية مسلم «وكسرها طلاقها».

فإذا تمت الحياة الزوجية؛ هل يحق للمرأة أن تطلب الطلاق من زوجها من دون سبب؟ أو لأنها ترى أن هذا الإنسان لا يتكلم معها كلام جميل؟ لأتفه الأسباب تريد أن تتطلَّق.

ولذلك قال النبي -عليه الصلاة والسلام- «أيما امرأة سألت زوجها طلاقا في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة». وقال -عليه الصلاة والسلام- «وإن المختلعات» يعني التي تطلب الخلع «والمنتزعات؛ هن المنافقات». من هذه التي وصفها النبي ﷺ بالنفاق؟ التي تطلب الخلع من دون سبب.

ولذلك -أيها الإخوة والأحباب- هذه الأشياء ينبغي أن نتنبَّه إليها. وانظروا إلى شرع ربنا -سبحانه وتعالى- فهو -عز وجل- الذي خلقنا. وقال -سبحانه- في سورة الملك ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾. فعند حدوث أي مشكلة قال -سبحانه- ﴿وَالَّلاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً﴾. ثم بعد ذلك إن لم نجد لهذه الوسائل نتيجة؛ ربنا قال ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾. متى يأتي التوفيق؟ عندما تكون النوايا سليمة.

وإلا؛ فما شرع ربنا ما أن تطلق ثلاثا. أو مائة أو ألف. ثم بعد ذلك تقول: والله أنا لا أدري كيف خرجت معي! كيف خرجت؟ كان إبليس سيد الموقف. فخرجت هذه الكلمة.

ولذلك قال ربنا -سبحانه- في سورة البقرة ﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ﴾ منفردات؛ مرة، ثم مراجعة، ثم إن حصل مشكلة كان طلاق، مراجعة؛ بعدها ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾.

وضيَّق الشرع علينا الوقت الزمني في مسألة الطلاق. فإن كان هناك إنسان أراد أن يطلق زوجته وكانت في حالة حيض. الشرع يأمره ألا يطلق. كما حصل مع سيدنا عبد الله بن -عمر رضي الله عنهما-.

أو إنسان كان في طُهر، جامع زوجته فيه، يريد أن يطلقها. الشرع يقول له: لا تطلق، انتظر.

لماذا هذا التضييق في المدة الزمنية؟ قيل استبقاءً للحياة الزوجية. لماذا نستبقي الحياة الزوجية؟ أقول أيها الإخوة لأن شأن هذا الطلاق والفراق عظيم وخطير على الفرد والأسرة والمجتمع.

ولذلك قال الرسول -عليه الصلاة والسلام- فيما يرويه الإمام مسلم في صحيحة، قال «إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا، قال ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه ويقول: نعم أنت».

هذا هو المقرب لهذا الشيطان ولهذا السيد أي لسيد الشياطين.

مخاطر الطلاق

ولذلك -أيها الإخوة والأحباب- لماذا هذا الجن قد أنتج وأصبح مقربا للشيطان؟ للمفاسد التي ستأتي من بعدها. فإن كان الأهل ذو أرحام؛ فالأرحام قد تقطعت. والزوجة التي عرفت معنى الزواج ستبحث عن إطفاء شهوتها. والزوج كذلك؛ لا يستطيع. وتكاليف الزواج باهظة. انظر إلى المفاسد.

الأولاد -أيضًا- إن رأوا بعض آبائهم. يعني الأب أو الأم في المحاكم. فالأب الذي أولاده عنده؛ يقول: إن جاءت أمك لا تذهب معها. قل لها لا أحبك. والأم إن كان الأولاد معها، تقول لهم: لا تذهبوا معه. قولوا لهم: نحن نحب ماما.

هكذا يتعلمون، فيتربون على الحقد في دوائر المحاكم.

ثم بعد ذلك أيها الإخوة إن تزوج الأب وجاء بإنسانة تقية، فنعم ما صنع. ولكن إن لم تكن تخاف من الله -سبحانه- تذيقهم وتسومهم ألوان العذاب من الضرب والشتم والإيذاء والمنع من الطعام واللباس.

هذا هو حال أبنائنا عندما نتسارع وتريد الأمهات طلاق ابنتها. هذه هي النتيجة. أولاد يعيشون في الشوارع، يخرجون لصوصا وقطاعا للطرق، ومجرمين، ويتعاطون الحبوب والمخدرات. هذه كلها نتائج يحصلها الشيطان أن ظفر بإنسان قد طلق امرأته.

ولذلك -أيها الإخوة- ينبغي لنا أن نتنبه. رب العزة -سبحانه وتعالى- قال ﴿وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾.

والحديث له تتمة بين أسباب الطلاق وآداب الطلاق يحتاج إلى بيان وتفصيل. ولكن نكتفي في يومنا هذا بهذا القدر.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. فيا فوز المستغفرين التائبين.. استغفروا الله.

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدا كثيرا كما أمر. أشكره وهو الذي وعد المزيد لمن شكر.

عباد الله اتقوا الله فيما أمر وانتهوا عما نهى عنه وزجر وحذَّر. واخلعوا حب الدنيا من قلوبكم، فإنه إذا استولى أسر. حافظوا على الطاعات وحضور الجُمَع والجماعات. وصلوا على معلم الناس الخير.

إخواني؛ نصيحة أنصح بها نفسي وإياكم، وكل إنسان متزوج أو مُقدِم على زواج. الخلافات ستكون حاضرة -قولا واحدا- فيما بيننا. والسبب أن هذه الإنسانة التي تزوجتها وعمرها ربما عشرون سنة وهي متعودة على طبيعة معينة من استيقاظها ونومها وكلامها وتصرفاتها. وأنت بالجهة المقابلة ثلاثون سنة، وأنت لك طبيعتك الخاصة بك. أيعقل بين عشية وضحاها أن يكون انسجام وذوبان لهذه الفوارق هكذا في يوم واحد أو أسبوع أو شهر؟

لن تذوب هذه الفوارق ولن تنسجم هذه الطباع. ولذلك نتمهل في إطلاق الأحكام.

والله -عز وجل- قال في سورة النساء ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾.

ربما هذه الإنسانة التي لا تحبها وترى أنك لم تنسجم إلى الآن معها، تنجب لك ولدا حافظا للقرآن يرفع رأسك في الدنيا والآخرة.

ولذلك عندما ترى أن الزوجة بدأت بالنقاش وأن الصوت بدأ يعلو، اترك المجلس واخرج. هذا أفضل حل؛ لا تناقش ولا تجادل سواء أكان الحق لك أم عليك، غِب عن البيت ساعة ساعتين ثلاث، ثم بعد ذلك عُد.

ابعث رسالة -إخواني ولو كان هذا الكلام على المنبر- يعني ما يمنع أن تلاطف زوجتك حتى في ساعة الغضب.

ولذلك والله تذوب هذه المشاكل.

أما إذا أردت أنت أن تثبت رجولتك وأن كلمتك هي التي ينبغي أن تُنفذ، وهي كذلك بخفة عقلها. فلن تكون إلا المحاكم هي بيتنا. نسأل الله العفو والعافية.

الدعاء

ارفعوا أكفكم إلى الله واسألوا كريما خزائنه لا تنفذ.

نسأله -عز وجل- أن يصلحنا. وأن يصلح أزواجنا. وإن يصلح أبنائنا. وإن يبصرنا بعيوب أنفسنا. وإن يرزقنا سعادة الدارين؛ كرامة لمن أرسله رحمة للعالمين.

اللهم أنت ثقتي‌ في‌ كل كرب؛ وأنت رجائي‌ في‌ كل شدة؛ وأنت لي‌ في‌ كل أمر نزل بي‌ ثقة وعدة، فيسر لي أمري وفرِّج همي يا ذا الجلال والإكرام.


كانت هذه خطبة جمعة مكتوبة عن مخاطر الطلاق على الفرد والمجتمع. ألقاها لنا الشيخ أحمد دياب -حفظه الله-.

أضف تعليق

error: