خطبة جمعة مكتوبة عن عيد الحب.. قصته، مظاهره، محاذيره وما يجب على المسلم نحوه

وها نحن -مُستعينين بالله سبحانه- نزيدكم من الخطب خطبة؛ وهذه المرَّة مع خطبة جمعة مكتوبة عن عيد الحب. نتناول من خلالها قصته ومظاهر الاحتفال به عند من يحتفلون به. ثم نتطرَّق إلى المحاذير التي تخُصّه. وأخيرا نتعرَّف على ما يجب على المسلم نحوه.

ولعلكم لا تمانعون أيضًا الاطلاع على: خطبة عن عيد الحب «مكتوبة جاهزة»

خطبة جمعة مكتوبة عن عيد الحب

مقدمة الخطبة

إن الحمد لله. نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.

وأشهد أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، ورب البرية أجمعين.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ صلوات ربي عليه وعلى آله وصحابته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم صل على سيدنا محمد في الأولين والآخرين وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا | يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

الخطبة الأولى

ثم أما بعد، عباد الله؛ اتقوا الله ﷻ في السر والنجوى. فإن تقواه خير زاد وأفضل مكتسبا. ثم اعلموا عباد الله أننا اليوم بصدد الحديث عن شعار من شعائِر غيرنا، عن عيدٍ من أعياد غير المسلمين. أقبل نجمه وقرُب موعده. لذلك كان لزاما وكان جديرا بالحديث عنه. ذلك هو العيد المسمى بعيد الحب.

عيد الحب عند الرومانيين سابقا، وعند النصارى وسطا، وعند الجهلة من المسلمين وغيرهم أخيرًا.

عباد الله؛ أن الأعياد في أغلب الأمم أيام بذخ وإسراف ولهو وشهوة ومجون وتفسخ وتكبر وغواية وتعالٍ واستعلاء وإضاعة للعقل وهتك للحرمات والمحرمات، وخروج عن الفِطَر السوية إلى ما يمكن تشبيهه بأفعال العجماوات.

وأما العيد في الإسلام، فعبادة وعمل، وسرور وشكر؛ بهجة وفرحة، سلوكيات وأخلاق، عفو وإخاء.

فالناس يتبادلون التهنئات، ويتصالحون، وتُعْقَد مجالس التراحم والمودة. فتتجدد العلاقات وتقوى الروابط الاجتماعية.

عباد الله؛ تنمو القيم الأخلاقية وتعلو قيمة التآخي والتعاون والتراحم والتعاطف. أيضا، تقوى الصلة بالله العلي العظيم.

لقد كانت الأعياد في الجاهلية من الكثرة بحيث لا تعد ولا تحصى. فكان لكِل قوم، ولكل قرية، ولكل مسكنٍ عيد خاص بهم. كما قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لأبي بكر -رضي الله ﷻ عنه وأرضاه- لما زجر البنات اللاتي كن يضربن بالدف في بيت عائشة -رضي الله ﷻ عنها وأرضاها- وبحضرة النبي ﷺ «يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا». والحديث في صحيح البخاري.

إذًا؛ لكل قوم عيد. المسلمون لهم أعيادهم، وغيرهم بشتى مللهم ودياناتهم ونحلهم؛ كل هؤلاء لهم أعياد خاصة.

أما الأعياد في الإسلام. فقد شرع الله ﷻ للمسلمين عيدين اثنين. هما عيد الفطر وعيد الأضحى. فقد روى أبو داوود والنسائي وغيرهما بسند صحيح عن أنس بن مالك رضي الله ﷻ عنه قال: قدم رسول الله ﷺ ولهم يومان يلعبون فيهما. فقال «ما هذان اليومان؟» قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال الرسول ﷺ «إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما؛ يوم الأضحى ويوم الفطر».

يقول الحافظ بن حجر -عليه رحمة الله-: واستُنبط منه كراهة الفرح في أعياد المشركين والتشبه بهم.

ورغم وضوح هذا الأمر وجلوه وظهوره وبيانه؛ إلا أنك ترى من يقوم بتلمّس أعياد الكفار، يريد زجها وخلطها بأعياد المسلمين أو جعلها العيد الثالث، فالرابع.. وهكذا.

قصة عيد الحب والقديس فالنتين

من تلك الأعياد -كما أسلفت- عيد الحب. وهو اليوم الرابع عشر من شهر فبراير من كل عام ميلادي.

أما عن تاريخه وعن تاريخ بداية عيد الحب؛ فتذكر الأساطير والنقلات المتنوعة روايات متعددة. أرجحها وأقربها، أن الرومانيين كانوا أيام وثنيتهم يحتفلون بعيد يدعى عيد لوبركيليا. وهو عيد وثني كانوا يقدمون فيه القرابين لمعبوداتهم من دون الله -تبارك وتعالى-. ويعتقدون أن الأوثان تحميهم من السوء وتحمي مراعيهم من الذئاب.

ومن شعائر هذا العيد البشع عند الرومان: ذبح كلب وذبح عنزة ودهن شابين بدم الكلب والعنزة ثم غسل الدم باللبن.. إلى آخر ما في هذا الأمر من البشاعة والسوء.

فهذا مما تنفر منه الفِطر السوية، ولا تقبله العقول الصحيحة.

ولما دخل الرومان في النصرانية بعد ظهورها، وحكم الإمبراطور كلوديوس الثاني في القرن الثالث الميلادي، منع جنوده من الزواج. لماذا يمنعهم؟ لأن الأعزب أقوى وأقدر على القتال، وأقل أوبة ورجوعا إلى أهله. أما المتزوج فوراؤه النسوان ووراءه الأولاد. لذلك؛ منع جنوده من الزواج نهائيا، لأن ينتصر في حروبه التي كان يدمر فيها كل شيء.

فتصدى لهذا القرار القديس -عندهم- فالنتين. وصار يجري عقود الزواج للجند سرًا. وهو ما يعرف عندنا بالخطبة السرية. فعلم الإمبراطور بذلك فزج به في السجن. وحكم عليه بالإعدام.

ثم وقع فالنتين نفسه بغرام سري أيضًا. كان يعقد القِران السري، للناس ثم بنفسه وقع في غرام سري مع بنت الذي يحرسه في سجنه.

فأُعدِم هذا القسيس أو القديس في أربعة عشر من شهر فبراير عام مائتين وسبعين أو عام مائتين وستة وتسعين من الميلاد. لذلك اتخذ النصارى ذلك اليوم عيدا. تعظيما لشأن من؟ لشأن فالنتين، وتربية على منواله، وتعظيما لشأنه. مع أنه خالف نهج القساوسة الذين لا يجوز لهم الزواج؛ لكن تسامحوا معه وعفوا عنه؛ لأنه ثبت في وجه الإمبراطور الروماني الوثني حينما عرض عليه العفو عن القتل مع وعده له بالمنزلة العظيمة عنده إن ترك النصرانية. فلم يذعن ذاك القسيس وذلك القديس لهذا الأمر.

لذلك تسامحوا معه مع أنه وقع في شيء عظيم عندهم.

مظاهر عيد الحب

هذا العيد، عيد الحب؛ له مظاهر. من مظاهره -كالأعياد-:

  • إظهار البهجة والسرور.
  • تبادل الورود الحمراء؛ تعبيرا عن الحب الذي كان عند الرومان حبا إلهيا وثنيا لمعبوداتٍ من دون الله. وعند النصارى عشقا بين الحبيب ومحبوبته. ولذلك سمي عندهم بعيد العشاق.
  • توزيع بطاقات التهنئة به، وفي بعضها صور طفل له جناحان يحمل قوسا ونبلا. وهو إله الحب عند الأمة الرومانية الوثنية. تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
  • تبادل الحب والعشق والغرام في بطاقات التهنئة المتبادلة بينهم.
  • تقام في كثير من الأقطار حفلات نهارية وسهرات ليلية ومختلطة وراقصة. ويرسل ويرسل كثير منهم هدايا؛ منها الورود وصناديق الشوكولاته إلى أزواجهم وأصدقائهم ومن يحبونهم.
  • تحوَّل عيد الحب في الوقت الحالي إلى موسم للاختلاط. وموعد لإشباع الغرائز بطرق محرمة والارتباط بالعشيق والعشيقات. بل تعدَّى الأمر إلى ارتباط المثليين -أهل اللواط- بعضهم ببعض عياذ بالله. لكن الأدهى والأمر أن يكون لهذا اليوم رواجا لدى فِئة غير قليلة من من أبناء المسلمين. خاصة الفتيان والفتيات، بدافع التبعية لغيرهم جهلا وعميا، أو بدافع الوصول إلى المتعة المحرمة واللذة الآنية. إنا لله وإنا إليه راجعون.

محاذير عيد الحب

هذا العيد وهو عيد الحب فيه محاذير عِدة. من أهمها:

التشبه بغير المسلمين

ليس في أمر دنياهم؛ بل في أمر دينهم. لقوله -صلى الله عليه وآله وسلم- «من تشبه بقوم فهو منهم».

شيخ الإسلام -مفسرا لهذا الحديث- يقول -رحمه الله-: هذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم. أقل ما يمكن أن يقال عن هذا الحديث، أنه يحرم. وقد يصل إلى ما هو أعظم من ذلك.

التقليد الأعمى لغير المسلمين

كذلك أيضا فيه تقليد أعمى لغير المسلمين بغير هديٍ من الله. ففي حديث صحيح أخرجه البخاري؛ عن أبي سعيد الخدري -رضي الله ﷻ عنه وأرضاه- عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال «لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟».

وفي حديث أخرجه الترمذي؛ أن ابن عمر -رضي الله ﷻ عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ «ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك».

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة. فاستغفروه إنه كان غفارا.

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.

والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

ما يجب على المسلم تجاه عيد الحب

نعم عباد الله؛ إذا كان الأمر كما ذكرنا؛ فعلى المسلم:

  • أولا: ألا يحتفل به، وألا يشارك المحتفلين به في احتفالاتهم؛ وألا يحضر معهم. لِما سبق عرضه من أدلة الكتاب ومن السنة. لذلك يقول الحافظ الذهبي -عليه رحمة الله-: فإذا كان للنصارى عيد، ولليهود عيد. كانوا مختصين به؛ فلا يشركهم فيه مسلم، كما لا يشاركهم في شرعتهم ولا قبلتهم.
  • ثانيا: عدم إعانة الكفار به. بإهداء أو طبع أدوات العيد وشعاراته. لأنه شعيرة من شعائرهم الخاصة بهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -عليه رحمة الله-: لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء مما يختص بأعيادهم. لا من طعام ولا من لباس ولا اغتسال ولا إيقاد نيران ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة أو غير ذلك. فمن الأشياء التي ينبغي للمسلم حذوها وأن يتبعها، عدم إعانة من احتفل به من المسلمين. بل الواجب الإنكار عليهم.
  • ثالثًا: وبناء على ما تقدم -عباد الله- فإنه لا يجوز للتجار المسلمين أن يتاجروا بهدايا عيد الحب من لباس معين أو ورود حمراء أو غير ذلك. فمن تاجر بذلك، بقصد إعانة هؤلاء على هذا الأمر، فقد تاجر بشيء محرم. لأن المتاجرة بها إعانة على المنكر الذي لا يرضاه الله -تبارك وتعالى- ولا رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
  • رابعًا: كما لا يحل لمن أهديت له هدية هذا العيد أن يقبلها، لأن في قبولها إقرارًا لهذا العيد.
  • خامسًا: من الأشياء أيضا المهمة عدم تبادل التهنئات بعيد الحب؛ لأنه ليس عيدا للمسلمين. وإذا هُنئ المسلم به فلا يرد التهنئة. قال ابن قيم -عليه رحمة الله-: وأما التهنئة بشعائر الكفار المختصة بهم فحرام بالاتفاق.
  • سادسًا-وأخيرا: توضيح حقيقة هذا العيد وأمثاله من أعياد الكفار لمن اغتر بها من المسلمين، خاصّة البنين والبنات والمراهقين والمراهقات. لأن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول «إن لكل قوم عيدا».

إذًا؛ أعيادنا معروفة مشهورة: عيد الفطر، وعيد الأضحى. فما سواهما من الأعياد فليست لنا عيدا، بل هي لغيرنا، ولا دخل لنا فيها.

الدعاء

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.

اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم ردنا إليك وأنت راضٍ عنا.

اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين.

اللهم أيّد من دافع عن الدين، ونصر المستضعفين، واكفنا شرّ الأشرار.

عباد الله؛ ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾. اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واستغفروه يغفر لكم. وأقِم الصلاة.


كانت هذه خطبة جمعة مكتوبة عن عيد الحب. ألقاها فضيلة الدكتور آدم شيخ علي؛ فجزاه الله خيرًا.

أضف تعليق

error: