منزلة ومكانة المسجد في الإسلام

منزلة ومكانة المسجد في الإسلام

نبدأ بالحمد لله الولي الواجد، العلي الماجد، الذي رفع شأن المساجد وأفاض رحمته على كل راكعٍ وساجِد. قال ﷺ «سبعة يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله.. -منهم- رجلٌ قلبه مُعلّق في المساجد». أي أن حُب المساجد قد استولى على شغاف قلبه.

«قلبه معلق في المساجد»، فغنيٌّ عن البيان، وجليّ دون برهان، أن للمسجد في الإسلام رسالة سامية، ومكانة عالية. فهو مركز توجيهٍ فكريّ وروحيّ وتربويّ للأمة المسلمة. وهو مكان اجتماع المسلمين على طاعة الله وعبادته، أو للتشاور فيما يهمهم أو يمسّ حياتهم.

فبغير المسجد لن يستطيع المسلم أن يتفقّد أحوال أخيه المسلم؛ فإن غاب عن صلاته سأل عنه، فإن كان مريضًا عاده، وإن كان مُسافرًا رعاه في أهله وماله وولده.

أول بيت وُضِعَ للناس

من أجل ذلك كانت منزلة المسجد في الإسلام عظيمة، ومكانته رفيعة، وليس أدلّ على ذلك، من أن أول بيت وضعه الله للناس في الأرض كان المسجد الحرام. ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ | فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾.

ولقد هيّأ الله مكانًا وأظهره لنبيه إبراهيم، ليعيد بناءه، ويرفع قواعده، ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾.

ويمتثل الخليل لأمر ربه، ويقوم برفع قواعد البيت الحرام، ويساعده في ذلك ابنه إسماعيل، ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.

لذلك؛ استحب العلماء أن يدعو المسلم ربه عقب فعل الصالحات اقتداء بفعل إبراهيم في رفعه قواعد البيت الحرام.

ومن أجل تكريم هذا المسجد -المسجد الحرام- جعله الله قِبلة للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. ومَنّ الله على المسلمين بتحويل قبلتهم من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، الذي ربط به ركنا ركينا من أركان الإسلام وهو الحج، ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾.

ولأهل الاختصاص هنا نصيب: خطبة: المسجد.. مكانته وآدابه ودوره في المجتمع

مسجد قباء.. أنموذجًا

وإذا استعرضنا سيرة رسول الله ﷺ نجِد أنّ أوّل عملٍ قام به المصطفى ﷺ بعد أن هاجر من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة أن بنى لله مسجدا.

لم يبني لنفسه منزلا أو يتخذ لنفسه صنعة، وإنما بنى مسجدا لله ﴿لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾.

وحتى لا يتكبر أحد على العمل في المساجد، وحتى لا يستنكف أحد على أن يشارك في تشييد المساجد، لنا في رسول الله ﷺ الأسوة الحسنة. كان يحمل التراب والطوب على كتفه الشريف ويزاحم عامَّة المسلمين في بناء مسجد قباء، حتى ارتكز رسول الله ﷺ شحنا للهمم، وتحمية للنفوس «اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فارحم الأنصار والمهاجرة».

المساجد لله

وإذا أمعمنا النظر، نجد أن الكون كله لله؛ الأرض والسماء والفضاء مِلكٌ لله لا ينازعه فيه أحد، ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾. إلا أن الله ﷻ، أفرد المساجد بملكيةٍ خاصة له.

فقد يحوز الإنسان منا قطعة أرض، أو يبني لنفسه بيتا، فتمر عليه فتقول: هذه أرض فلان، أو عقار فلان، أو بيت فلان. أما حينما يُبنى بيت لله فإن ملكيته تؤول إلى الله ﷻ ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾.

﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.

فضل عمارة المساجد

وقد جعل الله ﷻ ملكية المساجد له خاصة، حتى يتنافس الجميع، الفقير قبل الغني، في إقامة المساجد، وفي عمارة المساجد. روى الترمذي وأحمد من حديث رسول الله ﷺ «من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة» أي كعُشّ حمامة؛ حتى ولو كان هذا المسجد صغيرا، انظروا إلى العطاء، انظروا إلى الثواب، «بني له بيت في الجنة».

نسأل الله ﷻ بحق المساجد، أن يحمي بلادنا من كل مكروه وسوء، اللهم قِ بلادنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم بحق المساجد، وفّق ولاة أمورنا لما فيه خير البلاد والعباد.

وختامًا؛ هذه أيضًا: خطبة عن فضل المساجد ومكانتها.. بعنوان: ﺃﺣﺐ ﺍﻟﺒﻘﺎﻉ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ

أضف تعليق

error: