فن الرثاء عند شاعرات الجاهلية.. وأمثلة عليه

فن الرثاء , شاعرات الجاهلية , الشعر الجاهلي

إن أغراض الشعر الجاهلي وموضوعاته متنوعة منها؛ الفخر والحماسة والغزل والهجاء والمديح، ومن المديح تفرَّع الرثاء.

الرثاء

الرثاء من فعل رَثَى، ونقول رثى فلان فلاناً، أي بكاه ومدحه بعد موته أو نظم فيه شعراً.

والرثاء يُعد من أهم الأغراض الشعرية وأكثرها ارتباطاً بالنفس الإنسانية ما دام الموت نهاية طبيعية لكل حي.

وقد ازدهر الرثاء في العصر الجاهلي نتيجة للحروب المتصلة التي كانت سبباً في تساقط الفرسان بساحات المعارك هذا إلى جانب من يلحق بهم الموت دون حرباً أو قتال مما دفع بالشعراء إلى رثاء أهلهم وأحبابهم مُشيدين بما كانوا يتحلون به من مُثل أخلاقية كالسخاء والشجاعة والحلم وغيرها من القيم الإنسانية النبيلة.

وهناك ألفاظ متصلة بمعنى الرثاء منها:

  • البكاء.
  • النواح.
  • العويل.
  • النعي.
  • الندب.
  • التأبين.
  • العزاء.

ونُركز في هذا الموضوع على اتجاهاتنا في فن الرثاء عند شاعرات الجاهلية بالتحديد.

رثاء الآباء والأعمام

وفي هذا الاتجاه قالت خالدة بنت هاشم بن عبد مناف وهي ترثي أباها:

بَكَت عَيني وحقّ لَها بُكاها … وَعاوَدَها إِذا تمسي قَذاها

أبكّي خيرَ مَن رَكبَ المَطايا … وَمَن لبسَ النعالَ وَمَن حَذاها

أبكّي هاشِماً وَبني أبيهِ … فَعيلَ الصبرِ إِذ مُنِعَت كراها

وترثي ابنة قيس بن جابر أباها وتذكر أن الهموم الناتجة من غير مقتل أيها شيء وأن هم مقتله شيء آخر والأشد، وقد قالت:

تَطاوَلَ لَيلي لِلهُمومِ الحَواضِرِ … وَشَيَّبَ رَأسي يَومُ وَقعَةِ حاجِرِ

ثم تعزي نفسها بملء أبيها من مواقف بطولية مشهورة بين القبائل فتقول:

فإِنْ تَكُنِ الأَحْدَاثُ أَوْدَتْ بِفَارِسٍ … عَظِيمِ المِسَاعِي في السِّنِينَ الغَوَابِرِ

فقد عَلمَتْ أَحْيَاءُ زَيْدٍ وكَأهِلٍ … وعَمْرٍو ووَدَّانٍ قَبِيلَ الغَوَاضِرِ

بأَنَّ أَبِي قَدْ كانَ فَارِسَ قَوْمِه … به تَتّقِي حَدَّ الرِّمَاحِ الشَّوَاجِرِ

رثاء الإخوان

هو اتجاه آخر من اتجاهات فن الرثاء عند شاعرات الجاهلية، ولعل أشهر شاعرات هذا الاتجاه هي الخنساء، وهو لقب لقبت به لقصر أنفها وارتفاع أرنبتيه، واسمها هو؛ تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد، وتعد من الشعراء المخضرمين أي أنها أدركت العصر الجاهلي والإسلامي، وتفجر شعرها بعد مقتل أخويها صخر ومعاوية، وخصوصا أخوها صخر، فقد كانت تحبه حباً لا يوصف، ورثته رثاءاً حزيناً حتى عُدّت من أعظم شعراء الرثاء. ومما قالته في رثاء صخر:

 أَعَينَيَّ جودا وَلا تَجمُدا … أَلا تَبكِيانِ لِصَخرِ النَدى

أَلا تَبكِيانِ الجَريءَ الجَميلَ … أَلا تَبكِيانِ الفَتى السَيِّدا
طَويلَ النِجادِ رَفيعَ العِمادِ … سادَ عَشيرَتَهُ أَمرَدا
إِذا القَومُ مَدّوا بِأَيديهِمِ … إِلى المَجدِ مَدَّ إِلَيهِ يَدا

رثاء الأزواج

قد رثت فاطمة بنت الأجحم زوجها المتوفى، وقد شبهته بأنه كان جبلاً يُظلها وستراً يُعفها وجناحاً يحملها، فتقول:

قد كنت لي جبلا ألوذ بظله … فتركتني أضحى بأجرد ضاح

هُناك أيضاً الشاعرة دخْتنوس بنت لقيط إذ رثت زوجها عُمير بن معبد، وقالت:

أَعينيْ ألاَ فابكي عُمير بن مَعْبَد … وكان ضروباً باليدينِ وباليدِ

وهناك الخرنق بنت بدر التي عصف بها الأسى بعد رحيل زوجها وابنها وجماعة من قومها، إذ تقول:

أَلا أَقسَمتُ آسى بَعَد بِشرٍ … عَلى حَيًّ يَموتُ وَلا صَديقِ
وَبَعدَ الخَير عَلقَمَةَ بنِ بِشرٍ … إِذا نَزَتِ النُفوسُ إِلى الحُلوقِ
وَبَعدَ بَني ضُبَيعَةَ حَولَ بِشرٍ … كَما مالَ الجُذوعُ مِنَ الحَريقِ

وفي هذه الأبيات تؤكد أنها لن تحزن بعد حزنها ذلك على حي يموت في المستقبل، لأنه لم يبقى ما ستحزن عليه.

أضف تعليق

error: