أسرار خفية في التجارة مع رب البرية

صورة , قراءة القرآن , مسلم , التجارة مع رب البرية

من عجائب هذه الحياة وطرائف الأقدار مع بني الإنسان، أنها كما أحاطته بالمتاعب والمشقات والمحن، دلته على سبل النجاة وطريق الفكاك من متاهات الضلال، ومن رحمة الله بنا أن خلق لكل داء دواء يستطاب به، ودلنا منهجه القويم على طرق تحقيق الأماني ونيل الدرجات العلى في الدنيا والآخرة.

وهنا سوف نسلط الضوء على مفهوم إيماني متأصل في عقيدتنا الإسلامية، وهو مفهوم التجارة مع الله، وكيف يتاجر المسلم مع ربه تجارة رابحة، وصور تلك التجارة.

معنى التجارة مع الله

يقول الحبيب المصطفى في معنى التجارة مع الله: ( كل الناس يغدوا فبائع نفسه فمعتقها، أو موبقها) فكأن حال الإنسان في هذه الحياة أنه تاجر يبيع ويشتري، وهو بالخيار إن شاء باع نفسه لله واشترى مرضاته وجنات عرضها السماوات والأرض، وإن شاء باع نفسه لهواه وشيطانه، واشترى الخسران والهلاك، وما أسوأه من بيع يباع فيه الغالي بالرخيص والقيم النفيس بأبخس الأثمان.

ولأن الله اصطفانا بنعمة الإسلام وهدانا لطريق الإيمان، فيجدر بنا أن نكون عباد الرحمن وأن نقبل التجارة الرابحة التي تعلو على الخسران، ولنكن ممن قيل فيهم: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾، ولنستبشر بربح عظيم ونجاة وسلامة.

إقرأ إيضاً عن: ما هي سنن العيد

كيف نتاجر مع الله

من رحمته بنا أن جعل لكل عطية من عبد ثمنا، ولكل قربة من القربات أجرا، ولكل فضيلة جزاء، ومعنى المتاجرة أن تدفع ما عندك من ثمن لتشتري سلعة الله، وسلعة الله هي الجنة.

ونحن نحتاج أن نكون مهرة حاذقين في تجارتنا مع رب البرية، ونفقه أسرارها ونجيد الطرق على أبوابها، لننال بإذن الله ربحها وفضلها في الدنيا الأخرة.

ولعل لنا في سير الصحابة والتابعين المثل الأعلى والقدوة الحسنة في السير على درب التجارة الرابحة، ونذكر من ذلك الموقف التاريخي لسيدنا صهيب بن سنان الرومي، حين أسلم وأراد الهجرة، فأراد الناس أن يحولوا بينه وبين ذلك، لما له من أموال ومصالح، فهددهم أن يقاتلهم ويصيبهم بساهمه أو يترك لهم كل ما يملك مقابل أن يتركوه يهاجر للنبي صلى الله عليه وسلم، فتركوه يهاجر وأخذوا كل أمواله، فلما سمع أبو بكر الصديق –رضي الله عنه وأرضاه- هذا الأمر، ما كان منه عندما لقي صهيب إلا أن بشره واستبشر به قائلا: ربح البيع …ربح البيع.

ومن الجدير بالذكر أن الآية المذكورة أعلاه قد نزلت تحديدا في هذا الموقف، لتسجل شاهدا على قوة الإيمان وعظيم الأجر الذي أعده الله لمن خالف هواه واشترى مرضاة الله.

قاعدة إيمانية وكونية

ما عند الله لا ينال إلا بطاعته، هذا ما علمه لنا النبي المصطفى- صلى الله عليه وسلم- ومن ثم فإن من صور التجارة مع الله أن تشتري ما عنده من النعم بما أنت مأمور به من الطاعات، وأن تشتري رضاه عنك ولطفه بك ومدده لك بطاعته، على الوجه الذي يرضيه والذي بينته الشريعة وفصلته السنة المطهرة.

وقد دل على ذلك حديث نبوي شريف: حيث قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ فِي روعِي أنَّ نَفْساً لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ أَجَلَهَا، وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَهَا، فَاتَّقُوا اللهَ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلاَ يَحْمِلَنَّ أَحَدَكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ يَطْلُبَهُ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى لاَ يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إلاَّ بِطَاعَتِهِ»

الصدقة والقرض الحسن…. استثمار مضمون

من الاستثمارات الإسلامية الناجحة جدا، مشروع الصدقة والقرض أما الأولى فحدث ولا حرج عن ربحها ونمائها وأثرها الطيب وبركتها في الرزق والعمر العمل.

ولا شيء أدل على ذلك الربح من صدقة قليلة لا تكلف المرء مشقة ولا عنتا، يتصدق بها العبد وينساها، ولكن الله عز وجل لا ينسى، بل يدخرها له وينميها له حتى تأتيه يوم القيامة وقد صارت كالجبل، تشفع له بين يدي الله وتكن سببا من أسباب النجاة.

أما الثانية، فقد أعد الله لمن يفعلها الخير الكثير والفضل العظيم، وجعل من يقرض أخيه المسلم قرضا يفك ضائقته، أو يفرج كربه، كمن يقرض الله عز جل، فيقول جل وعلا: (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).

أخي المسلم هلم إلى استثمار قدراتك وعافيتك ومالك في تجارة رابحة مع الله، قبل أن يمضى العمر ولا تجد ما تقدمه لنفسك.

أضف تعليق

error: