كلمة عن ثورة 25 يناير للإذاعة المدرسية

كلمة عن ثورة 25 يناير , الإذاعة المدرسية

كلمة عن ثورة ٢٥ يناير

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على شمس الضحى وبدر الدجى، وأصحابه نجوم الهدى ومن بهم اهتدى إلى يوم الدين، أما بعد: فإننا نحن المصريون يشهد لنا التاريخ على مر العصور بالكرامة والعزة والإباء، لم نقبل الذل ولا المهانة ولا يليق بنا السكوت على الظلم، إذا فاض الكيل ونفذ الصبر، ثوراتنا على مر العصور تصحح اعوجاج الحكام، وتضيء لنا معالم الطريق، ثرنا غير مرة وارتفعت هتافاتنا في سماء مصرنا لتندد بكل ما هو مخالف لحقوقنا في الكرامة والحياة الآدمية، علت أصواتنا أكثر من مرة، مرة ضد احتلال خارجي استبد بمقدراتنا وتصور أننا سنخضع لسلطته، ومرة ضد ملكية مقيتة جعلت مصر إرثا يتناقله أبناء أسرة واحدة بلا نظر لحق ولا شرعية ولا كفاءة، وهذه المرة كانت ثورتنا الحديثة والفارقة 25 يناير على الدكتاتورية والفساد، والامتهان وانتهاك حقوق الشعب، ثرنا هذه المرة لكرامة تمتهن ولحقوق تسلب على مرأى منا ومسمع، ثرنا على سرقة الأعمار والجهود والشباب والثروات، ثرنا على ثراء فاحش احتكره السادة وفقر مدقع احتكره الشعب.

لذا فنحن اليوم سوف نعرفكم أعزاءنا الطلبة والطالبات، وجميع الحضور الكرام بثورة 25 يناير 2011، لنذكركم ونذكر أنفسنا بها وبما قدمته للوطن وبالثمن الفادح الذي دفعه الثوار، سائلين الله عز وجل أن يوفقنا إلى ما فيه صالح هذا الوطن والخير له، وأن لا يجعلنا ممن ساهموا بجهلهم في تضييع الثورة أو إهدار مكتسباتها، وأن يعيننا واياكم على خلق جيل واع وناضج بما فيه الكفاية ليحمي الوطن.

مطالب الثوار وهتافاتهم في ثورة يناير

كانت مطالب الثوار وهتافاتهم في الثورة تعكس ما يشغلهم ويثير غضبهم، ولم تكن مطالبهم ثروة ولا منصب ولم يكونوا يتطلعون إلى سلطة أو إلى احتكار أرزاق الدولة كما فعل المسؤولون، وإنما كانوا يطمحون إلى الحد الأدنى من الحياة الآدمية، والحد الأدنى من الرعاية الصحية، ومستوى المعيشة الإنساني، كانوا يطالبون بتكافؤ الفرص، والمساواة في الحقوق، كانوا يطالبون بتطبيق مبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية، ويطمحون إلى وطن يثاب فيه المحسن ويعاقب فيه المسيء، ويجني الكادح والمكافح في أي مجال أو ميدان أو مرحلة ثمرة جهده وكفاحه، كانوا يطالبون بدولة الكل فيها سواسية أمام القانون، ولكن!

بدلًا من تحتوي الحكومة والدولة ثورتهم وتلبي مطالبهم راحت تفرقهم وتضيق عليهم الخناق بعد أن استهانت وسخرت من تجمعهم وتظاهرهم، فزاد إصرارهم وارتفعت هتافاتهم أكثر وأكثر، وارتقع معها سقف المطالب أيضًا، ولم يعد يهدئهم خطاب زائف، ولا وعود كاذبة، ولم يعد يقنعهم جدل كاذب وحجج واهية وأعذار عقيمة.

فباتوا يتطلعون إلى الإطاحة بالدكتاتور، واستبدال النظام الذي أصبح أقرب إلى الملكية منه إلى الجمهورية بحكم ديمقراطي حقيقي وفعلي، فبعد أن كانت هتافاتهم “عيش حرية عدالة إجتماعية” صارت “ارحل يا مبارك“.

وبالفعل صمد الثوار يومًا بعد يوم وخاضوا معارك طاحنة فرضت عليهم من قبل الجهات المعارضة للثورة، وأخذوا إلى السجون وامتلأت بهم المعتقلات وهم ثابتون على موقفهم متمسكين بمطالبهم، يدعون الشعب ويحشدون القوى المختلفة ويحرصون على توصيل صوتهم للعالم بأسره، ومن قبله للأذان الصماء التي ترفض الاعتراف بهم وتقاوم ثورتهم البيضاء، ظلوا هكذا حتى حانت لحظة تحقيق الغاية الكبرى، وانصاع الطغاة لمطالبهم، وجاء إعلان مبارك على لسان رجل المخابرات عمر سليمان الذي صرح أن محمد حسني مبارك يعلن عن تخليه عن السلطة، واسناد إدارة شئون البلاد إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وقد حدث ذلك بتاريخ 11 فبراير 2011، في يوم الجمعة والتي أطلق عليها الثور “جمعة الرحيل”، لتظل خالدة في ذاكرة مصر وشعبها بل والوطن العربي كله.

مصر ما بعد الثورة

بعد إعلان مبارك قرار التنحي عن حكم مصر عمت الفرحة أرجاء مصر كلها، وابتهج شعبها صغيره وكبيره المقيم في مصر والمقيم خارجها، وجميع أبناءها، بل وجميع أبناء الوطن العربي قاطبة، وراح شعب مصر والشباب الثائر يتصورون ملامح مستقبل مصرها وغدها الجديد الذي أشرقت فيه شمس الحرية وانتهى عهد الظلم والدكتاتورية.

وكان من أروع القرارات التي أرضت الشعب المصري وأثلجت صدور أبنائه وعشمت الجميع بغد أفضل من الأمس ومستقبل يعوض معاناة الماضي قرار حل مجلس الشعب الذي قام على التزوير، كذلك حل الحزيب الديمقراطي، كما بدأت الأنظار تتجه إلى عدد من كبار رجال الدولة وأثريائها وتتساءل عن مشروعية مكتسباتهم وما يمتلكون من أموال طائلة في بنوك مصر وخارجها، وقصور فارهة، وبدأت محاكمات الكثير منهم وفتحت الدفاتر القديمة كلها وفاح نتن السرقة والأموال الحرام والكسب غير المشرع، فصودرت الكثير من أموال اللصوص وبدأت مصر مرحلة جديدة من النظافة والشفافية والمصداقية ولكن!

استمرت تلك الأوضاع المفرحة للشعب المصر بضعة شهور، والجميع يمني نفسه بأن تلك الفترة الحرجة التي لا تخلوا من الفوضى والقلق والاضطراب ستمضي وستبدأ مصر في اتخاذ خطوات جديدة في بناء الديمقراطية وانتخاب مجلس شعب حر، وتعديل الدستور ووضع دستور أكثر نضجًا وعدالة وصلاحية للمرحلة القادمة.

ولكن بدأ الشعب المصري يعاني من الفوضى التي طال مداها، وتخبط القرارات التي يتخذها المجلس الأعلى للقوات المسلحة والمماطلة في عقد انتخابات البرلمان القادم، ووضع الدستور وغيره، وبدأ الشعب يضيق بحكم العسكر ويرفضه.

ظهرت بعد ذلك الآفة الكبرى للثورة وهي الحرية المطلقة في التعبير فصار الجميع محللون سياسيون، الكل يتكلم بوعي أو بلا وعي، ونطق الرويبضة، وأصبح من الصعوبة بمكان أن يتفق الشعب على شيء يرضي الجميع، بل بات ارضاء الشعب مهمة شبه مستحيلة، وكل قرار يتم اتخاذه يحظى فورًا بالانقسام بين مؤيد له ومعارض، ويخرج المؤيدون للتظاهر تعبيرًا عن آرائهم، ونقس الشيء يفعله المعارضون، وغالبًا ما يلتق الطرفان في صراع أو جدال عنيف كل ينتصر لرأيه ويدافع عنه حد الموت.

وتحول الشعب الصامت الذي ظل سنوات وسنوات لا يسمع له صوت إلا بكلمة واحدة وهي (موافقة)، يعترض لمجرد الاعتراض وكأنه قد أصيب بشهوة مرضية في الاعتراض والرفض والتظاهر، مما كان له كبير الأثر على معدل الانتاج وتدهور الأوضاع الاقتصادية، فقد انشغل الشباب عن العمل والكفاح بالسياسة وقضاياها التي لا تنتهي.

فضلًا عن ذلك فقد ضاعت تمامًا هيبة الشرطة وسقط قناعها المخيف وانتشرت الفوضى ووجد البلطجية واللصوص والفاسدين فرصة لا بأس بها لممارسة نشاههم المفضل في ترويع الآمنين والنصب على الناس والتحايل، وغيره مما جعل الأوضاع بالغة السوء.

وحتى هذه النقطة من تاريخ الثورة يمكننا بتأملها تعلم دروسًا قاسية وعبرًا عميقة، وهي أن الثورة الحقيقية هي التي تقوم لهدف معين فإذا تحقق هدأ الجميع وانصرفوا لبناء أوطانهم، وتعرفنا أن ارضاء الناس غاية لا تدرك، وأن مصلحة الوطن العليا يجب ان تقدم على رغبات الأفراد أو مصالح الحكومات، والوطن الذي نعنيه هو الشعب كله ككيان واحد بغض النظر عن العناصر الشاذة أو الكيانات المتطرفة فيه، وأن الاتحاد قوة والتفرقة وتشتت الاهتمامات والرغبات ضعف.

كل هذا علمتنا إياه ثورة 25 يناير المجيدة، فيجب علينا أن نستوعب دروسها ونوضحها للأجيال القادمة ونعترف لها بالفضل فيما نحياه اليوم من الحرية.

كانت هذه كلمة عن ثورة 25 يناير للإذاعة المدرسية نتمنّى أن تنال رضاكم، واتركوا تعليقاتكم حولها.

أضف تعليق

error: