كتاب: رسالة آداب السفرة

كتاب: رسالة آداب السفرة

هل تعرف ما هو فن “إتيكيت” تناول الطعام؟ أو ما هي آداب تناول الأكل؟ وهل تعتقد أنه فن غريب علينا؟ نجد الإجابة الوافية في كتاب “رسالة آداب السفرة وهو عن قواعد وآداب تناول الطعام أو ما نعرفه بفن “الإتيكيت” عند تناول الطعام، كتبه ركن الدين علاء الدولة السمناني”، الذي ولد في عام 659هـ /1260م، وتوفي في 736هـ – 1336م، ورغم أنه عاش في القرن الثالث عشر الميلادي، إلا أن ما كتبه يصلح لكل زمان ومكان ولكل الشعوب، لأنه نقل واستفاد مما كتبه القدماء المصريونو القرآن الكريم وأحاديث النبي ﷺ.

قسم “السمناني” رسالته إلى ست وسبعين نصيحة مختصرة عن آداب الأكل والشرب، سواء قبل الأكل، أو أثناء تناوله، أو بعد الانتهاء منه، فقبل الأكل يجب الوضوء أثناء إعداد الطعام ويجب أن يكون مصدر الأكل حلالا، ولا يكون فيه شبهة، أما أثناء الأكل فهو الحرص على أن يكون فوق السفرة، والأكل من الأمام، وعدم النظر في طعام الآخرين، ومضغ الطعام جيدا في الجانب الأيمن من الفم، والتسمية عند البدء، وحمد لله وشكره على النعمة عند الانتهاء وعدم الشراهة في الأكل أو أخذ طعام من يشاركه الطعام، والتظاهر بالأكل ما دام الأصدقاء يأكلون، ولا يشرب أثناء الأكل إلا إذا اضطر إلى ذلك، وبعد الانتهاء من الطعام يجب جمع فتات الخبز أولا، ثم تطوى السفرة، وتوزع الخلال لتنظيف ما بين الأسنان، ثم غسل الأيدي بالماء والصابون.

وكتب مترجم كتاب “رسالة آداب السفرة” عن اللغة الفارسية الدكتور / شعبان ربيع مقدمة وافية، ذكر فيها آداب الأكل في كتابات الفلاسفة والمفكرين على مر العصور، وبدأ بالمصريين القدماء، وتناول نصائح قاقمنه”، وقاقمنه هو وزير الملك “حوني” (من الأسرة الثالثة)، وفيها يدعو إلى التأدب في الأكل، وعدم الإسراف في الشراب والطعام، وكلها تتفق مع الآداب الإسلامية ومع رسالة “السمناني” أيضًا.

ويتحدث أيضًا عن “نصائح بتاح حتب”، وهي رسالة طويلة في الأخلاق ومنها آداب تناول الطعام يعود تاريخها إلى ما قبل الميلاد بسنوات كثيرة بل قبل سيدنا موسى (عليه السلام) بنحو ألف عام، وقبل “هوميروس” بنحو ألفين وخمسمائة سنة، وفيها يقول: “إذا دعاك كبير إلى الطعام فاقبل ما يقدمه لك، ولا تطل نظرك إليه، ولا تبادره بالحديث قبل أن يسألك لأنك تجهل ما يخالف مشربه بل تكلم عندما يسألك فحينئذ يعجبه كلامك”، وهذا نفسه نجده في “رسالة السمناني” في النصيحة رقم (21)، ثم يعرض المترجم الدكتور / شعبان ربيع ما ورد عن آداب الطعام في كتاب “بريسن”، وكتاب “الأدب الوجيز للولد الصغير” لابن المقفع، وكتاب “تهذيب الأخلاق لابن مسكويه”، وهو من كبار الكتاب والمؤرخين المسلمين، وكتاب ” عوارف المعارف” للسهروردي، و”زاد المعاد في هدي خير العباد” لابن قيم الجوزية.

وبعدما ينتهي المترجم لكتاب رسالة آداب السفرة من عرضه لآداب تناول الطعام منذ الفراعنة؛ يعقد المقارنة بينهم جميعًا وبين رسالة السمناني، ويخرج بنتيجة هامة وهي: أن جميعها تنفق على نفس الآداب” وأيضا توصل إلى أن “السمناني” تأثر بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، وأن رسائل المصريين القدماء أثرت في الأخلاق في مؤلفات العلماء اليونانيين، وقام العرب بنقل مؤلفاتهم إلى العربية، ومنها ترجمت إلى الفارسية، ثم نقلت مرة أخرى إلى اللغة العربية، وتأثر السمناني بكل من سبقوه بما لا يتعارض مع الدين الإسلامي، وأثر السمناني ومن سبقوه فيمن جاءوا بعدهم، أي أنها حلقات متصلة بعضها بعضا.

ومما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية من آداب ظهر أثرها واضحًا في رسالة السمناني، نذكر بعضا من كثير: ففي الحث على الأكل الحلال قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا﴾ (البقرة، الآية: (168)، وفي عدم الاسراف في الطعام قال ﷺ: “ما ملا ابن آدم وعاء شرا من بطنه، حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه، وعن محبة إطعام الناسقال تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً ويَتِيماً وأسيرًا، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً﴾ (الإنسان الآية: 908)، وفي التشجيع على الأكل في صحبة قال ﷺ: “كلوا جميعا ولا تفرقوا فإن البركة مع الجماعة”، وعن الحفاظ على النعمة قال ﷺ: أكرموا الخبز فإن الله تعالى أنزله من بركات السماء، وعن الرفق بالخدم وحسن معاملتهم قال ﷺ: “إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه فليجلسه فليأكل معه، فإن أبي فليتناوله منه”.

أضف تعليق

error: