قصة عن حق الجار على جاره – كنوز مواعظ وعبر

قصة , حق الجار , Neighbors , صورة

سوف نكتُب هنا قصة عن حق الجار على جاره. جميلة ومُعَبِّرةً. نسوقها لمن أراد العِظَة والعبرة. إلى الطلاب في المدرسة بمثابة موضوع تعبير، وللأئمَّةِ على المنابر، وإلى الشيوخ في دروس العِلم، وإلى الأم لتحكيها لطفلها قَبل النّوم.

فما أجمل أن نغرس في أفئِدة الناس الأخلاق الكريمة، وأن نسهم في الارتقاء بحسن الخُلق.

قصة عن حق الجار على جاره

لم يكن لأحمد أقارب أو معارف في تلك الضاحية التي جاء إليها، بعد أن قضى ما يربو على ثلاثين عامًا في قرية بعيدة في صعيد مصر، ثلاثون عامًا قضاها وهو يحلم منذ نعومة أظفاره بالسفر إلى المدينة، ولكنه كان صغيرًا لا يملك من أمر نفسه شيئًا، وها هو قد أتم دراسته وتزوج وأصبح له ابنتان، وقد جاء تعيينه في مدينة بعيدة عن قريته الصغيرة، وكم كان هذ الأمر ملائما لرغبته، وجاء أحمد بصحبة زوجته وابنتيه إلى المدينة التي يحلم بها.

خمس سنوات مضت على ذلك اليوم حيث انقطعت علاقته بمسقط رأسه ولم يعد هناك ما يربطه بتلك القرية، كان أحمد شخصا هادئًا انطوائيًا إلى حد ملحوظ، متحفظًا في علاقاته، منغلقًا على نفسه، وقد انتقلت سمات شخصيته إلى أسرته ككل، فهم لم ينجحوا في تكوين شبكة من العلاقات لا في الدراسة ولا في الحي الذي يسكنوا فيه، واقتصرت علاقاتهم على اسرة جارهم الذي يقطن في الشقة المجاورة لهم “حاتم” واسرته.

برغم عزلة أحمد وعدم اندماجه مع الكثير من جيرانه إلا أنه كان معروفًا بحسن خلقه ومعاملته الطيبة، فلم يشكو أحد منه قط، وكان بيته مثالًا للالتزام والأدب، فلم يكن هو أو أبنائه مصدرا للإزعاج ولا المشاكل لأي شخص، ولم يشاهدوا قط في خلاف أو مشاكل من أي نوع.

كان أحمد يحسن إلى جيرانه ويقدم لهم التعاون والمساعدة كلما كان ذلك ممكنًا، لكنه كان أكرم ما يكون مع جاره حاتم، كان دائم السؤال عنه وعن أبنائه لا يكاد يمضي يوم دون أن يزوره أو يستقبله في بيته.

ومع أن ظروف أحمد المالية لم تكن مثالية، ولم يكن يصدق عليه وصف الثراء ولا الرفاهية، ولكنها على كل حال كانت أفضل بكثير من ظروف جاره ورفيقه حاتم، فلم يكن أحمد يتأخر عن مساعدة حاتم بكل ما يمكنه من مساعدة.

وكانت تلك النقطة مثار خلاف دائم بين أحمد وزوجته التي لم تكن ترى مبررًا لهذا المنطق الغريب في الإنفاق، لكنه كان دائما يحتج بنفس الكلام: (نحن هنا ليس لنا أهل ولا أقارب، قد اتخذت من حاتم صديقًا وأخًا، وهو جارنا وله علينا حق المساعدة، ثم يردف قائلًا في كل مرة من هذا النقاش: من يدري فربما نحتاج مساعدته ذات يوم، وتذكري دائما أنه أقرب جيراننا وأهلنا).

ومضت خمس سنوات أخرى، وأحمد كما هو محافظ على منطقه، معروف بمروءته وإحسانه إلى جاره حاتم، الذي لم يتخل عن مساعدته يوما ولا يرفض له طلبًا قط، حتى بات حاتم وأسرته جزء من أسرة أحمد ومسئوليته، وكان دائما يردد قول النبي -صلى الله عليه وسلم- ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه.

مضت الحياة على هذه الوتيرة، حتى قرر أحمد وزوجته أن يذهبا في زيارة لأداء فريضة الحج، وكان مضطرًا لترك بنتيه عند جاره حاتم، ولم يكن حاتم ليتأخر عن أخيه وجاره، فأحسن رعايتهما ولم يتركهما طوال فترة سفر أحمد وزوجته.

وبينما يستعد بنات أحمد وأسرته الثانية لاستقبال الحاجين، إذ الأقدار تباغتهم فجأة بخبر تعرض أحمد وزوجته لحادث سيارة عنيف جدا، توفى على أثره أحمد، وتعرضت زوجته لإصابات خطيرة.

مضت الأيام ثقيلة موجعة على بنات أحمد، الذين فجعوا برحيل والدهن، وإصابة أمهن الخطيرة، فهي بين الحياة والموت والبنات أضناهن الوجع والألم والرعب كذلك من فقد أمهم، مرت أيام بل شهور والأم لا تتحسن إلا تحسنا طفيفا.

وأخيراً وبعد فترة تزيد عن الستة أشهر، بدأت الأم تتماثل للشفاء وعادت لبيتها، لتكمل العلاج مع ابنتيها.

عادت أرملة أحمد وبين ضلوعها خوف رهيب مما تخفيه لها الأيام، لم يعد السند موجودًا ولا صلة لهم بأهل أو أقارب، من سيقف إلى جانبهم؟ ويتولى مصالحهم؟

ولم يستمر قلقها وتساؤلها طويلا، فقد جاءها الرد محملًا بالعرفان ورد الجميل، الجميل والمعروف الذي ادخره أحمد طوال عشر سنوات، والإحسان الذي شمل به جاره وأسرته، والرصيد الكبير من الحب الذي احتفظ به في قلب رفيقه حاتم.

لم يكن هناك أقرب منه إلى ابنتي جاره الراحل ولا زوجته، ولم يكن ينسى أبدأ حسن صنيعه معه، لا يزال كلما يذكره، يذكر جملته التي كان يرددها وهي قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه.

وهنا اقرأ أيضًا عن أهمية مساعدة الملهوف ذي الحاجة

أضف تعليق

error: