عن ذل الحب

صورة , الحب , Love , المشاعر

الحب عاطفة قوية تنطوي على معنى الخضوع وتتنافي مع الإرادة وحرية الاختيار، والذل في الحب بعض من سجاياه وطبيعته، وهو يسلب الشخص رفاهية المخالفة، فغالبا م يحل الحب هوى المحب إلى حيث يلتقي بهوى محبوبه ويتفق معه، ويسير في نفس مساره، وهذا لا غضاضة فيه، ولكن المشكلة تنشأ حين يولد عند المحب هوى يخالف هوى المحبوب ولكنه لا يملك الخضوع له، فيشعر بالذل والقهر وكأنه يسير في الحب مكرها في الاتجاه الذي يحدده الحب فقط.

وهنا سنتكلم عن فكرة الذل وارتباطها الغريب بالحب، وهل هو جزء لا يتجزأ منه فعلا أم هو بعض مما أضفناه إليه وألصقناه به، وكيف نسيطر على كل هذا ونعفي أنفسنا من ذله وهوانه.

الحب السوي لا يعرف الذل

الحب السوي لا يعرف الذل فعلا ولا يحتويه، وليس جزءا منه كما يتوهم البعض، لأن الحب السوي يعني قلب محب، وقلب محبوب، وبين هذان القلبان تقدير متبادل واحترام لا ينفذ، فمن يحمل في قلبه الحب يشعر بمحبوبه ويقدر حاجته ويدرك معاناته جيدا، ومن يحب حقا يستشعر احتياج المحبوب إليه وخوفه عليه، فلا يكلفه من أمره عسرا ولا يشق عليه في هجر أو ترك، ولا يضنيه بالبعد والنوى.

من يحب حقا يعرف كل ما يسعد محبوبه وما يؤلمه، فيفعل ما يسعده وينتهي عما يسيئه، ومن يحب حبًا حقيقيًا يترك للحبيب مساحة من الاختيار لما يحقق له السعادة والراحة، لا يكلفه ما لا طاقة له به، ولا يستغل ضعفه أمامه وعدم قدرته على الاعتراض في فرض ما يؤلمه أو يحزنه.

من يحب حبا حقيقيا يعلي من شأن من يحبه ويعفيه من مشاعر الذل، بل يقدر له حبه وضعفه فيسعده بقربه.

الغيرة في الحب منتهى الذل

من المشاعر التي ترتبط بالحب ولا تكاد تنفصل عنه مشاعر الغيرة على المحبوب، والتي تفجع القلوب وتشقيها، وخاصة إذا صادفت قلب محبوب قاس لا يعرف الرحمة ولا يقدر ما تحدثه الغيرة من لهيب في القلب، وما تسببه من أذى يفتك بالروح، فتراه يتعمد إثارتها ولا يتورع عن تأجيج نارها وإشعال جمرها.

وهذا المظهر يقدح في العلاقة من أصلها ويتنافى مع الحب، ويعبر عن محاولة المحبوب لإرضاء غروره وأنانيته.
لذا فإن المحب الذي يقف على اعتاب العلاقة السوية يدرك من البداية الفارق بين الغيرة الطبيعية التي تعزز الحب تقيه، وبين الغيرة التي تذل القلب وتؤلمه.

الشوق والاحتياج الملح للحبيب ذل

الشوق للمحبوب والرغبة القوية في صحبته سبب من أسباب الشعور بالذل، فمتى كان قلب المحب متعلقا بحبيبه راغبا في وصله لا يملك سبيلا إلى البعد عنه أو مفارقته قَبِل منه ما لا يقبل، ورضي منه بما لا يرض به أحد، فيكون ما يكون منه من التنازل عما يحب والتساهل والتفريط في حقوقه.

كيف نحب بلا ذل؟

الذل لا يمارسه شخص ضد آخر إلا إذا كان هذا الآخر عدوًا أو كارهًا، فالذل لا يتأتى أبدا مع الحب، فحين يتعمد المحبوب ذل حبيبه ويثير هذا الموقف غروره ويشبع نقصا عنده، فهذا كله مؤشر على وجود خلل قوي في بناء تلك العلاقة.

ومن أعظم أنواع الخلل أني قبل المرء ابتداءً تفاصيل قصة تربطه بشخص لا يشعر به أولًا، ولا يفرح لفرحه ولا يهتم لهمه، ولكل منهم عالمه الخاص ومشاعره الخاصة، فمتى حدث ذلك وجب على الإنسان أن يعيد النظر فورًا في تلك العلاقة، ويبتعد قليلًا حتى يستطيع رؤية الحقيقة واضحة.

من يرى أن حبيبه لا يمتنع عن ذله ولا يشق عليه وجعه، ولا يسعى إلى إسعاده ومرضاته كما يسعى هو فليكن شجاعا بما يكفي ولينسحب من العلاقة بهدوء ويقلب دفتي الكتاب، ويبدأ علاقة جديدة مع من يعززه ويقدره حق قدره ويشق عليه رؤية دموعه، ويشقى بانكساره وتعبه، فهكذا تكون العلاقات السوية والحكايات الناجحة.

أما من يخاطب محبوبه بقول الشاعر: شابهت أعدائي .. فصرت أحبهم ، إذا كان حظي منك …. حظي منهم! فهو ضلال الحب بعينه وهو الذل الحقيقي في أوضح صوره.

وأخيرًا همسة في أذنك عزيزي القارئ: الحب هو عز القلوب وعنفوان الروح فمتى تجرد الحب من أحلى ما فيه واكتسى بثوب الذل والخضوع فلا داعي له ولا جدوى منه.

أضف تعليق

error: