شهر رمضان قارب على الرحيل .. فماذا الآن؟

شهر رمضان قارب على الرحيل

إذا قارب شهر رمضان على الرحيل، فإنه رحيله يترك أثرًا في نفوس الناس. ورغم انشغال الناس بالتحضيرات لعيد الفطر المبارك، فإن ذلك لا يغني عن الحزن الدفين في النفوس حين يقارب رمضان على الرحيل، وخاصة نفوس المؤمنين، العارفين بخيرات رمضان وغنائمه.

إن شهر رمضان لكثرة انشغال فيه بالأمور الدنيوية، يمر في لمح البصر، فالناس ينشغلون من اليوم الأول بالولائم التي يعدونها للأقارب، والعروض التليفزيونية التي يبثها الإعلام في التليفزيون من المسلسلات والبرامج، غير الكسل الذي يصيب الناس في معظم أيام رمضان، فتجد معظم الصائمين بعد مرور الأيام العشرة الأولى من الشهر الكريم، ينشغلون بالنوم عنها بالصلاة والتقرب والتعبد، ولا يستفيقون إلا ورمضان يعلن رحيله، فيبدأ الندم الدفين يتجلى في الوجوه، ويبدأ الناس يهللون (لسة بدري والله يا شهر الصيام).

لكن من رحمة الله – تعالى – أنه جعل شهر رمضان شهر رحمة وخير وبركة في كل أيامه، وأن فيه الفرصة سانحة دائمًا، حتى إذا شارف على الرحيل، فإن الفرصة ما تزال موجودة، تنتظر من يغتنمها، وينال بها أجرًا عظيمًا.

فحين نقول أن رمضان قد قارب على الرحيل، فإننا نعني بأنه في أيامه العشرة الأخيرة، وفي هذه الأيام القليلة، فوائد وغنائم كثيرة، لمن يحسن استغلالها، ويطبق عليها بيديه وأسنانه، ويلتزم فيها بالتفرغ – ولو لمعظم الوقت، ليس الوقت كله – بالعبادة الخاشعة المتبتلة لله – سبحانه وتعالى. ولا نغفل أننا في تلك الأيام القليلة نرقب ليلة هي عند الله خير من ألف شهر، والليلة التي تنزل فيها القرآن الكريم، وهي ليلة القدر.

فضل العشر الأواخر من شهر رمضان

قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – “شهر رمضان أوَّله رحمة، وأوسَطه مغفرة، وآخِره عتق من النار”.

وأعظم فضل للعشر الأواخر، أن فيها ليلة من أجلَّ الليالي عند الله، وهي ليلة القدر، الليلة التي تنزل فيها القرآن الكريم، وأشاد بها الله – سبحانه وتعالى -، واجتهد فيها النبي – صلى الله عليه وسلم – في العبادة والتقرب إلى الله.

لذلك فإن في تلك الأيام يزداد الناس في عبادتهم، وتبتلهم، وتقربهم إلى الله، متحرين فيها الليلة التي هي عند الله خير من ألف شهر.

كأن اقتراب هذه الليلة يحيي فطرة الإسلام في قلوب المسلمين، فيهرع الناس إلى المساجد، يقيمون الصلاة في أوقاتها، ولا يتركون القرآن، ويطمئنون قلوبهم بالذكر الحكيم العذب على الألسن، وتمتلئ المساجد في قيام الليل بالناس، بما لا نعهده في الأيام العادية، ونحيي سنة التهجد، وترتفع الأصوات بالدعاء، تمتلئ المحاجر بالدموع من خشية الله، وطمعًا في رضاه، ونيل ثواب تلك الأيام المباركة.

وفي الإشارة إلى ليلة القدر لابد من الإشارة إلى فضائل هذه الليلة المباركة:

  • ليلة القدر تنزل فيها القرآن الكريم، وهي ليلة خير عند الله من ألف شهر، قال – تعالى – (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3).
  • وتقدر في هذه الليلة المباركة مقادير الخلائق، ففيها يكتب الأحياء والأموات، والأحياء، والأموات، والسعيد، والشقي.. يكتب فيها كل ما أراده الله في هذه السنة؛ قال – تعالى – (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ).
  • وكلمة (القدر) حملت في معناها تفسيرين، كل منهما يدل على جلاء وعظمة هذه الليلة، فالتفسير الأول أنها بمعنى (التعظيم)، فهي ليلة ذات قدر. والتفسير الآخر بمعنى (التضييق)، فالأرض تضيق لكثرة وجود الملائكة في هذه الليلة، لما فيها من الخير والبركة.

وامتازت هذه الليلة عند الله بخصائص عديدة، تجعلها ترتفع على سائر الأيام في البركة والخير، وتحث الناس على المسارعة باتجاه الله، والعمل من أجله، خالصين النية والعمل لوجهه – سبحانه وتعالى – عاقدين العزم على اغتنام فرصة هذه الليلة وعدم تضييعها. من تلك الخصائص:

  • أنها الليلة التي تنزل فيها القرآن الكريم.
  • وأنها خير عند الله من ألف شهر.
  • وهي ليلة مباركة، بما تشتمل كلمة (مباركة) من معاني البركة في الرزق، والوقت، والعمل.. وغيرهم.
  • وفيها تتنزل الملائكة، والروح؛ فتضيق الأرض بوجود الملائكة لكثرتهم، ونزول الملائكة يصاحبه الخير والبركة من الله – سبحانه وتعالى – ويدل على عظمة هذه الليلة، وقدرها الرفيع عند الله. والروح يقصد به جبريل – عليه السلام – وهي ليلة وصفت بالسلام، لأن الشياطين تكون مصفدة، فتسلم هذه الليلة من مكائد الشياطين، فلا يشغل الناس عن اغتنامها شاغل.
  • فيها غفران لمن أقامها إيمانًا واحتسابًا، واجتهد فيها بالطاعة، وتبتل فيها بالخشوع، ونازع نفسه فيها بالأعمال الصالحة.

كل تلك الخصائص وهبت ليلة القدر ميزاتها، وهذه الليلة المباركة فيها الخير والسعادة لمن اغتنمها خير اغتنام، وحصد فيها أعمال الصلاح، ولم يشغل نفسه فيها إلا بالتقرب إلى الله والخضوع له.

الأعمال المستحبة في العشر الأواخر

قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – “أتاكم رمضان شهر مبارك، فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تُفتحُ فيه أبواب الجنة، وتُغلقُ فيه أبواب الجحيم، وتُغلُّ فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حُرِم”.

وما أحوجنا للاقتداء بالرسول – صلى الله عليه وسلم – في اجتهاده، وتقربه إلى الله بالعبادة، والطاعة، والاعتكاف، في هذه الليالي المباركة، والتي يكون فيها ليلة القدر.

قالت السيدة عائشة – رضي الله عنها – “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره”.

فكان الرسول يقيم الليل، ويوقظ أهله للصلاة والدعاء والاجتهاد، لما في هذه الليلة من الخير والبركة، وكان – صلى الله عليه وسلم – يعتكف في المسجد، والاعتكاف هو لزوم المسجد، للتفرغ للعبادة، والطاعة بقراءة القرآن، وقول الذكر، والصلاة التي لا تنقطع، وكان – صلى الله عليه وسلم يتحرى ليلة القدر، لما فيها من الخير والبركة، فيستزيد في العبادة، والطاعة، محبةً في الله وحمدًا لنعمته التي أنعم بها علينا، وهي الإسلام، والقرآن الكريم الذي تنزل في هذه الليلة المباركة.

والمؤمن يقتدي بما كان يفعله الرسول – صلى الله عليه وسلم – فيحذو حذوه، ويسير على خطاه في العبادة والطاعة، فلا تكاد تطلع الساعة الأولى من نهار الأيام الأخيرة من رمضان حتى يهرع المؤمن إلى المسجد لصلاة الفجر، وذكر الله حتى الشروق، ويوجه أعماله لوجه الله – سبحانه وتعالى -، ويلتزم في الصلاة على مواقيتها، ويشارك في صلاة الجماعة، ولا يترك القرآن بلسانه، وقلبه، فيتلوه، ويتدبر معانيه، ويظل لسانه عامرًا بذكر الله، ويجتهد في صيامه بالابتعاد عن كل ما حرمه الله، من أول النظرة الصغيرة، إلى الفعل الفاحش الكبير، ويقيم الليل كله، ويلتزم بالتهجد رافعًا يديه بالدعاء الذي لا ينقطع، والإلحاح فيه، فيستجيب الله بقدر إخلاص العبد وإلحاحه في الدعاء والاستغفار.

إن اكتناز هذه الفرصة العظيمة في العشر الأواخر، لا سيما ليلة القدر، يجعل الإنسان يترك رمضان وهو مطمئن هادئ البال، منشرح الصدر، فرحًا بأداء صلاة العيد، مترقبًا قدوم شهر رمضان من جديد على أحر من الجمر. فاللهم بلغنا شهر رمضان، واللهم بلغنا ليلة القدر.

أضف تعليق

error: