ذكر الله “سبحانه وتعالى” في شهر رمضان

شهر رمضان ذكر

شهر رمضان يعدنا بالخير والبركة، في الرزق والعمل، والآخرة.. شهر رمضان يهبنا منافح كثيرة، ومنافع جمة، وغنائم لا نعهدها في غيره من الشهور، فمن أراد أن يظفر بشيء من غنائمه التي لا تضاهيها غنائم في غيره من الشهور، فعليه أن يصوم شهر رمضان إيمانًا واحتسابًا، قال “صلى الله عليه وسلم” “من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه”.

والصوم الحق الذي هو إيمانًا واحتسابًا، يكون بترك كل ما يغضب الله “سبحانه وتعالى” وعمل كل ما هو معروف، من النية الخالصة، والعبادة الصالحة؛ الصلاة، الزكاة، قراءة القرآن، قيام الليل، وذكر الله، إلى جانب إصلاح ما فسد من النفس، وصلة الأرحام التي قطعتها الأيام الماضية، وغيرها مما يرقق القلب، ويُنضج ثمرة سلسلة الشيطان في هذا الشهر المبارك.

وخير العبادات عند الله، ما كان أيسرها وأدومها، والذكر العذب الذي لا ينقطع عن اللسان، هو خير العبادات وأيسرها، وهو رفيق المرء في أوقاته وظروفه، فالمرء إذا نسي يذكر الله، وإذا وقع في ذنب، صغير أو كبير، ذكر الله، وإذا أقام الصلاة، ففي صلاته ذكرٌ لله، وإذا قرأ القرآن، فإن القرآن ذكرٌ، وإذا رق قلبه وأثلج فؤاده الحنين إلى الرسول “صلى الله عليه وسلم” فإنه يصلي عليه، وإذا قام من نومه، ذكر الله، وإذا انتهى من صلاته، ذكر الله، وإذا أقبل على النوم، ذكر الله.

فالذكر عبادة يجب أن يعتد بها كل المؤمنين، يجب أن يرافق ألسنتهم في كل أحوالهم، فلكل لمحة في حياة المرء ذكرٌ لله، حتى لبس الثياب، أو الإقبال على الطعام. فيجب أن يُعدُّ المرء نفسه بالنية الخالصة لالذكر، فيُثاب عليه، ويكون معينه في طريقه إلى الله، في شهر رمضان، وفي غيره، وأن يكون رفيق لسانه، وقلبه، وعقله، في السرور، أو الغضب، أو في أوقات الفراغ.

معنى الذكر

للذِكْرِ معنيان؛ الأول: عام، والآخر: خاص.

الذكر العام: وهو ما يشمل كل أنواع العبادات، التي فرضها الله على العباد، والتي يتقرب بها المرء من الله بالاجتهاد والابتهال، منها: الصلاة، والصيام، والحج، وقراءة القرآن، والدعاء، والتسبيح، والتحميد، وشكر نعم الله. فالذكر على هذا المعنى، كما قال شيخ الإسلام، هو ما يتكلم به اللسان، ويتصوره القلب، مما يقرب إلى الله من تعلُّم علم، وتعليمه، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر.

الذكر الخاص: وهو ذكر الله “تعالى” بالألفاظ التي وردت في القرآن الكريم، من ثناء، وتمجيد، وتنزيه، وتقديس، واستغفار، والتي وردت على لسان رسول الله “صلى الله عليه وسلم”، وهو الذكر الذي يرقق القلب، ويدفع الفؤاد للخشوع في حضرة الله. وأعظم ذكرٌ لله، هو تلاوة القرآن الكريم.

ومن المعنين نرى أن الذكر يلازم القلب، واللسان، وكل أفعال الجوارح، فبها يتقرب العبد من الله، ويحسن طاعته، ويتذكر نعمه، ويثني عليه بالحمد والشكر، ويعود عن ذنوبه بالاستغفار، ويأتنس في أوقاته بقراءة القرآن، ويجتهد ويتبتل في العبادة بالصلاة، والصوم، والزكاة، والحج، وكل ذلك لا يخلو من الذكر الحكيم، الذي يجري على اللسان.

وبالمكانة العظيمة التي يحظى بها الذكر في كل الأوقات، فإن مكانته عظيمة في شهر الصيام، شهر الخير والبركة. ويعين على الطاعة، ويجلو الصدأ عن القلوب، ويهذب النفوس، ويذكِّرها بخضوعها لله “سبحانه وتعالى”، فمن أراد الرضا، والسعادة الدائمة في الدنيا، يأتنس بالذكر القلبي، والقولي، والفعلي، فإنه معينه على مناكب الدنيا، ومذكره بنعم الله عليه.

صور الذكر في القرآن الكريم

وقد جاء الذكر في القرآن الكريم في عدة صور، نجملها في الآتي:
جاء الذكر في القرآن الكريم في صور مطلقة، وجاء في آيات ينهي فيها عن السهو عن ذكر الله، وما يؤديه ذلك من غفلة الإنسان لنفسه، وما ينتج عنها من زوال السعادة، والعذاب الأبدي. وفي آيات جاء فيها الذكر مرتبطًا بالفوز والفلاح في الحياة الدنيا، وفي الآخرة، فالذكر يعين العبد على الفلاح بالآخرة، كما الحياة الدنيا.

وأن الله يذكر من يذكره، ويرزقه الطمأنينة، والحكمة، وراحة البال، والتوفيق والنصر.

وأن في ذكر الله اكتمالًا للعبادات التي يتقرب بها العبد المؤمن من الله “سبحانه وتعالى” فالذكر كالروح للجسد، فهو يحيي الأعمال، ويديمها، ويرزق المؤمن الفلاح في الآخرة لأنه حرص على التقرب من الله بروحه وعمله.

وفي آيات جاء فيها الذكر طارد للشياطين، ومعين المسلم على مناكب الدنيا، فهو يجلو الهم والغم، والكرب والبلاء، ويعود بالفرح والرضا والغبطة على العبد المؤمن بمن يذكر.

والعبد في شهر رمضان يلتزم بالذكر، المحدد بوقت معين ومكان معين كأذكار الصباح والمساء، والأذكار التي يتلوها العبد بعد الأذان، وبعد الانتهاء من الصلاة، وأيضًا الأذكار الغير محددة بوقت معين ومكان معين، وهي التي تجري على اللسان والقلب في كل الأحوال والظروف التي تصيب العبد، فيعينه ذلك على صفاء قلبه، وجلو الحزن والغم عنه، ويكون الوعاء الروحي الذي يملأه العبد بالعبادات والطاعات الدائمة، والتي ينال بها الجنة، وينأى بها عن النار.

فضل الذكر في شهر رمضان

للذكر في شهر رمضان أفضال كثيرة، فهو وسيلة سديدة للإصابة في الفوز بجنة الصائمين، وعفة للقلب واللسان، وسائر الجوارح عما يعتريها من المشوبات التي تغضب الله، فالذكر يجلو الصدأ عن النفوس، ويرقق القلوب، وهو عبادة يسيرة، والتزامها فضيلة، ويقود إلى الراحة، والرضا، والغبطة في الدنيا، والجنة، ومنزلة كبيرة عند الله في الآخرة.

والأصل في الصيام، أن يحفظ الصائم جوفه، وقلبه، ولسانه عن كل ما يغضب الله “سبحانه وتعالى” من المعاصي صغيرها وكبيرها، والذكر خير معين على جلاء اللغو وعتمة القلب، وطمع الجوف.

ومن عظيم فضل الذكر، ما قاله الله “سبحانه وتعالى” في الحديث القدسي: “أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ” والحديث الشريف فيه الشرح الوافي، والخير الكافي، فالله يكرم العبد بمدى ذكره، ويثيبه جزاء ما ظن به، وفي ظن العبد بالله ذكرٌ له، وتذكر لجلال عظمته.

وللذكر القولي الذي يدوم على اللسان، فضل كبير، وأجر عظيم عند الله “سبحانه وتعالى”، فهو صرة يلملم فيها العبد حسناته، ويجمعها ليفوز بها الجنة؛ عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فقال: “أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ، كُلَّ يَوْمٍ، أَلْفَ حَسَنَةٍ؟» فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: كَيْفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ قَالَ: «يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ، فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ. أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَةٍ” وغير ذلك من الفضائل، التي تكمل عبادة المسلم، وتعطيها رونقها، وتدب فيها روح الحب، والخشوع، والراحة، والفوز في الحياة الدنيا، والفوز في جنة الخلد إن شاء الله.

فإذا أصبحت في نهار رمضان، من الفجر، فاذكر الله حتى شروق الشمس، وبها يعينك الله على أعمالك، ويهب البركات في أوقاتك. ولا تغفل أن تخلل أوقات العمل بالاستغفار الدائم، والحمد الذي لا ينقطع، فالاستغفار من الذكر، والحمد خير الذكر، واشغل قلبك بكلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان (سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم).

رمضان شهر الذكر، فاجعل أوله ذكر، وأوسطه ذكر، وآخره ذكر.

أضف تعليق

error: