تداركوا ما فاتكم وأحسنوا إلى أمواتكم

صورة , مسلمون , بر الوالدين

سخر الله بعض الخلق لراحة الإنسان وسعادته، ووضع في قلوبهم حبا فطريا ورحمة غريزية، فيتعبون هم ليستريح، ويعانون أشد المعاناة ليسعد وينعم بحياته، ويدفعن ثمنا باهظا ليشتروا له أطيب اللحظات وأفضل الأقدار، عن الأم والأب أتحدث، فهم ينبوع الحب والرحمة في حياة الإنسان، وهم السند والمعين والداعم.

ولما كان فضل الوالدين على الأبناء أكبر من أن يحصى وأعظم من أن تحيط به الكلمات أو تعبر عنه المقالات، فقد أوصى بهما الله عز وجل في محكم التنزيل، و أكد على الإحسان إليهما أشد تأكيد وجعله في مرتبة تلى مرتبة الإيمان بالله والإقرار بوحدانيته مباشرة، كما نفر من عقوقهما، وبين عقوبته وصرح بأن عقوق الوالدين من أعظم الذنوب التي يعجل الله لصاحبها عقابه في الدنيا، ويؤاخذه به يوم الوقوف بين يدي الله.

ولم تكن السنة النبوية المطهرة بمنأى عن تلك القضية، فقد حضت على بر الوالدين، وبينت فضله ومنزلته، وعقوبة العاق وغضب الله عليه في الدنيا والآخرة، بل عدت السنة النبوية وجود الأبوين في حياة الإنسان هو باب من باب رحمة الله وفرصة لنيل رضاه والفوز بالجنة، واعتبرت من يضيعها خاسر، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (خاب وخسر! من أدرك أبويه أو أحدهما ولم يدخلاه الجنة)، ومع كل ذلك فإن بعض الغافلين لا يلتفتوا إلى قيمة ما في أيديهم من نعمة، ولا يحسنوا اغتنام الفرصة، فيستهينون بأمر الاهتمام بالوالدين، ويفوتون أجر رعايتهما والقيام على شؤنهما، حتى إذا ما فات الأوان تملكهم الندم، ونهشت قلوبهم الحسرة!!

بر الوالدين بعد وفاتهما

من رحمة الله بنا أن جعل للمرء سبيلا إلى بر والديه والإحسان إليهما حتى بعد رحيلهما، ليزيد المحسن في إحسانه ويتدارك المسيء إساءته ويصلح خطأه في حق أولى الخلق ببره، ومما يدل على ذلك، حديث النبي صلى الله عليه سلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، فهنا بيان لباب من أبواب تقديم النفع للإنسان بعد موته، وخصوصا من الأبناء للآباء، فهذا يستدل به على جواز الدعاء للأبوين بعد موتهما، ويستدل كذلك على جواز اخراج الصدقة الجارية بنية الإحسان إليهما.

ومن الأحاديث التي أوضحت كيف يمكن للمسلم أن يبر والديه بعد موتهما ما ثبت عن النبي –صلى الله عليه سلم- أنه سأله سائل فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما، فقال عليه الصلاة والسلام: (الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما)، من ذلك يمكن أن نفصل كيفية بر الالدين والإحسان إليهما بعد وفاتهما على ضوء هذه الأحاديث النبوية الشريفة كما يلي:
الدعاء للأبوين بالرحمة والمغفرة، وأن يجعل الله قبورهما روضة من رياض الجنة، وأن ينقيهما من خطاياهما، ويتقبل إحسانهما ويتجاوز عن سيئاتهما، وغير ذلك من الأدعية التي يدعوا بها الحي للميت.

الاستغفار لهما، وهو طلب المغفرة من الله عز وجل للوالدين على ما كان منهما في حياتهما من تقصير أو ذنب.

قضاء ما عليهما من الديون، سواءا ما كان للخلق أو الخالق عز وجل ومما يدل على هذا المعنى ويؤكده ما جاء عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتته امرأة، فقالت: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر رمضان، فأقضيه عنها؟ قال: (أرأيتك لو كان عليها دَيْن، كنت تقضينه؟)، قالت: نعم، قال: (فدين الله عز وجل أحق أن يقضى)، وهذا فضل عظيم فالدين من الحقوق الخطيرة التي ينبغي أن يخلص الإنسان منها أبويه.

إن قطع الأب أو الأم على نفسه وعدا ولم يمهله القدر لينفذ ما قطعه على نفسه، فإن من البر والإحسان لهما أن يتولى الابن تنفيذ هذا الوعد مالم يكن فيه حرمة.

ومن أبواب البر أن يحرص الابن على إكرام أصدقاء والديه، والسؤال عنهما ووصل ما انقطع من الود بموت الوالدين.

صلة الرحم من الأمور التي دعت إليها الشريعة وحست عليها السنة النبوية وبينت فضلها، ومن ثم فإن من أبواب البر بالوالدين أن يحرص الإنسان على صلة الرحم التي لا توصل إلا بهم.

أن يخرج الابن ما استطاع من الصدقات الجارية ويجعلها خالصة لله، على ذمة الوالدين أو أحدهما، وخاصة لو كانت من مال الوالدين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top