الاستعداد ليوم الرحيل

صورة , الحج , الصلاة , الدعاء
الحج

الأرض وما عليها من المتع والنعيم وأنواع السعادة وصنوفها المختلفة ماهي إلا متاع زائل، واختبار طويل نظل في هذه الحياة نتقلب بين السعادة والتعاسة والفرح والحزن، تليني قلوبنا أحيانا وتقسو أحيانا، قد نغفل أو ننسى أو نتناسى ولكن يظل ناقوس الحقيقة يدق بداخلنا، ويذكرنا أن الحقيقة الوحيدة هي الموت وأنه مهما اختلفت مقادير الخلائق وتباينت تفاصيل قصصهم، ومهما تغير الأبطال الذين يشكلون واقعهم يظل القاسم الوحيد المشترك بينهم هي النهاية (الموت)، ذلك الكأس الذي لا يفلت منه كائن من كان، فهو يدور ليسقي الملوك والصعاليك والأغنياء والفقراء والأبرار والفجار، والذاكرين والغافلين، هي الحقيقة الوحيدة التي لم يختلف عليها اثنين، يقول عز من قال: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) ويقول: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ۝ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ).

إذن لتكن قضيتنا أن نحسن الاستعداد ليوم لا مفر منه، ولنتزود بالتقوى لكي تصحبنا رحمة الله في رحلة ما بعد الموت حيث دار الجزاء وحصاد الأعمال وجني ثمار قد زرعت لعشرات من الأعوام، ولنتذكر جيدا نصيحة القائل:
ولدتك أمك يا ابن أدم باكيــــــا — والناس حولك يضحكون سرورا
فاحفظ لنفسك أن تكون إذا بكوا — في يوم موتك ضاحكا مســـرورا

وقد أردنا أن نخصص هذا المقال للتذكرة بكيفية الاستعداد للقاء رب العباد، ونسأل الله أن يتغمدنا برحمته وأن لا يتوفانا إلا وهو راض عنا.

كيفية الاستعداد للقاء رب العباد

الاستعداد لهذا اليوم المحتوم يتطلب التخفف من الأثقال والأحمال، والتزود بما يعين على الرحلة ويثبتنا عند السؤال، والتوبة التي تمحوا الخطايا وتبدل الذنوب برحمة الله وفضله إلى حسنات، ولأن أعمال الخير أكثر من أن تحصي في مقال واحد فسوف نذكر عناصر مجملة على سبيل التذكرة لعل الله ينفع بها بعض عباده الصالحين، ويهدي بها بعض الباحثين عن طريق النجاة.

التخلص من حقوق الخلق

علمتنا الشريعة أن الحقوق المكلف بها العبد تدور بين حقوق الله وحقوق العباد، أما حقوق الله فمنها ما يغفره الله ويتجاوز عنه بالتوبة والدعاء والإخلاص، ومنها ما يجب قضاؤه، وقد يتجاوز الله عن حقوقه إن شاء، أما حقوق الخلق فهي التي تكبل صاحبها ولا تسقط إلا بعفوه أو بأدائها إليه وهي تدور بين الحقوق المادية من دين وغيرها والحقوق الأدبية والمعنوية، ونحن هنا بصدد التذكير بأهمية التخلص من حقوق العباد بأي طريقة كانت، فقد نبهنا النبي –صل الله عليه وسلم- إلى أهمية ذلك وخطورته فقد جاء في حديث عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أتدرون من المفلس؟ “، قالوا: المفلس فينا من لا دينار له ولا درهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاته وزكاته، وصيامه، وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا ، فيقعد فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه من الخطايا حمل عليه من خطاياهم فتطرح عليه، ثم يطرح في النار” أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

التوبة من الذنوب

وقد علمنا النبي أنها السبيل إلى التخلص من الخطايا، والطريقة إلى نيل العفو من الله عز وجل، يقول تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(8) ﴾

التزود من الخير والحسنات

من الحكمة أن تدخر لنفسك ما ينفعك يوم الرجوع إلى الله، افعل كل ما بوسعك من الخير وادخر لنفسك كلمة حق أو صدقة سر أو تفريج كربة أو ذكر أو شكر أو صلاة أو دعاء، ولا تحقرن من المعروف شيئا، فرب كلمة يكون فيها نجاتك ورب صدقة تعتق بها رقبتك، افعل ما في وسعك قبل أن يأتي يوم لا عمل فيه ولا سعي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) ويقول في موضع آخر: (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ).

أضف تعليق

error: