إذا سرقت فاسرق جملا!

يقول الدكتور غازي القصيبي «رحمه الله» في كتابه «حياة في الإدارة» مختصرا الصراع مع المعضلة الأخلاقية التي تؤرق الناس بمقولة: إنه لا يجوز أن يدعي العفة من لم يتعرض للفتنة. وهذا يعني أن العفة لها قيمة تساوي الملايين!

هناك أناس يختارون دوما البقاء مع الواجب الأخلاقي لأنهم يرفضون أن يطلق عليهم وصف آخر غير العفيف الأمين، وسيرفضون هذا المليون أو غيره لو أتى الآن أو بعد مئة عام، وذلك لأنهم يدركون أن الرفض «حتى لو كان مجرد مليون» سيشعرهم بالسعادة أمام ذواتهم وأمام الناس من خلال قيامهم بأداء الواجب أو التمسك بالواجب. وسيكون بمثابة اللحظة التي قال عنها أبيقور «تكفي أن تجعل هذه الحياة سعيدة بأكلمها».

لا أعرف قصصا أرويها عن غير العفيفين «الفاسدين»، في المقابل ومنطقيا سنعرف من هم «العفيفون» هم أولئك الأشخاص الذين تعرضوا لمواقف صعبة، وامتحانات كثيرة، لو استسلموا لرغباتهم وقتها وخانوا الأمانة لتغيرت حياتهم، وأصبح معهم بدل المليون بليون، هم أناس ضحوا بأنفسهم، ووقتهم من أجل إسعاد الآخرين أو التخفيف عن معاناتهم، وحل مشاكلهم، الذين لو أنهم تجاهلوا هذا وخانوا أعمالهم وسرقوا الأموال لكانوا الآن في قائمة القصص التي سنعرفها كلنا.

أتساءل في كل مرة ما الدافع من قيام هؤلاء الأبطال بمثل هذه الأعمال؟ أليست السعادة التي تأتي بالقيام بالواجب، أو ربما هو الإحساس بنيل الأجر الذي يبتغى من وراء فعل الخير؟

لقد وجدت فلسفات أخلاقية خاصة لمثل هؤلاء العفيفين، سواء من الصغار الذين لم يعرض عليهم مليون، أو من الكبار الذين عرضت عليهم مليارات كل يوم ويرفضونها، هؤلاء قال عنهم «كانت» حين ندرك في لحظة بعض الحقائق المنطقية نجد أنها تفرض نفسها بطريقة معينة، وحين نكتشفها لا نشعر بأننا مكرهون بل بأننا أحرار. ولماذا عبر عنهم بالأحرار؟ لأن الواجب الأخلاقي يشكل مفارقة إذ إنه يجمع بين الإكراه والحرية بطريقة معقدة لا يستطيع أحد وصفها بسهولة. «يعني ودك بس خايف. وإلا ودك بس اللقمة ما تسوى».

باختصار: حين نتصرف فقط انطلاقا من «الواجب» وليس تماشيا مع الواجب لأننا نخضع لسلطة خارجية أو نتائج مبتغاة، فإننا نكون هنا أمام استقلال ذاتي، لن ينفع معه مقولة: إذا سرقت فاسرق جملا!

بقلم سعود البشر

هنا تقرأ مقالًا؛ بعنوان: لا شيء يدوم طويلا

وهنا أيضًا: من اخترع الفيش الثلاثي؟

وختامًا: الأب هو السند الحقيقي

أضف تعليق

error: